زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عاتبوني وكانوا على حق
قبل سنوات كتبت في أخبار الخليج مقالا عن المستجدات في عالم الطب والجراحة، قلت فيه فيما قلت إنني لا أجد في نفسي الشجاعة للوثوق بالروبوت أو أي أداة تكنولوجية أخرى لتقوم مقام الجراح إذا ما استوجبت حالتي الصحية التدخل الجراحي، فجاءني عتاب رقيق من جراح مخ وأعصاب عربي -كندي، وكان عتابه في محله لأنه، وحسبما قال، هناك من يتأثرون ويثقون بما يقرؤون في الصحف والمجلات، لأنهم يعتقدون أن الصحفيين والكتاب الصحفيين «فهمانين»، ولا ينطقون إلا بالحقيقة. شكرته على رسالة العتاب وحكيت له عن مقال لي نشرته في صحيفة قطرية، عقب أول تجربة لي مع جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، حيث قلت إنهم حشروني في قبر معدني وقيدوني حتى لا أتمكن من تحريك رقبتي ومعظم أجزاء جسمي. ورغم أنهم وضعوا سدادتين في أذنيّ إلا أنني سمعت بوضوح أصوات مطارق تنهال على الجهاز الذي كنت محشورا فيه، وكأنني قطعة محشي ورق عنب. تصببت عرقا وقد حسبت أن نفرا من بتان باكستان العتاولة يحاولون تحطيم الجهاز بالمطارق والدريل (من أجمل تسمياته في الخليج «الورور») فوق رأسي. حاولت قراءة ما تيسر من القرآن الكريم لبث الطمأنينة في نفسي ولكن شدة الخوف جعلتني عاجزا عن قراءة شيء سوى «الفاتحة» على روحي. بعدها بأيام اتصل بي استشاري المخ والأعصاب الذي أحالني إلى التصوير بتلك الأداة العجيبة، وحكى لي كيف أن رئيس مجلس إدارة أحد المستشفيات، وهو طبيب بدرجة استشاري عانى من آلام في العنق وأعلى الظهر، فأحاله إلى التصوير بجهاز الرنين المغناطيسي (وكان الجهاز وقتها جديدا على المنطقة)، ووقف صاحبنا أمام الجهاز وقال: اللي قاله جعفر عن هذا الشيء صحيح.. وبصراحة ما بدهاش.. يعني لن تحشروني فيه.. وبعد أخذ ورد طلب منهم حقنة فاليوم مهدئة وتم تصوير جسمه بينما هو «مسخسخ»، ثم اتصل بي ووصفني بالإرهابي، وقال لي نفس ما قاله الدكتور العربي-الكندي، ولكنه أضاف: الناس يتأثرون بتجارب الآخرين، ولو كنت أنا الطبيب صاحب الخبرة التي تفوق 30 سنة قد عشت في حالة من الرعب بسبب ما كتبته عن الرنين المغناطيسي فتخيل حال شخص من عامة الناس.
وإليكم واقعة تبرر مثل ذلك العتاب لي: كتبت عديد المرات عن فوائد و«مضار» وجبة الفول بالزيت، ورغم أنني من مدمني الفول – وإن شئت قل من ضحاياه–فإنني أفتري عليه كثيرا، وأزعم أنه يحوي مواد منومة وأنه يسبب الرمد والروماتيزم! وفي إحدى شطحاتي قلت إن الفول يسبب العقم لدى النساء لأن أكله بكميات تجارية يؤدي إلى انسداد قناة فالوب، وبالتالي تعذر الحمل. وبعدها بيوم جاءتني زميلة عمل مصرية، كانت في منتهى الطيبة والبراءة، وقالت إنها أنجبت بنتا عمرها (الآن) أربع سنوات، ولم تنجب بعدها وأدركت بعد قراءة مقالي أن إكثارها من أكل الفول هو سبب «العقم» الذي أصابها. حسبت في بادئ الأمر أنها مستهبلة، وأن جيناتها المصرية «اشتغلت» فجاءت تتريق على كلامي ومقالي، فقلت لها: إن السودانيين والمصريين يحملون جينات الفول وبالتالي فإنه لا يؤثر فيهم سلبا، ولكنها قاطعتني بحزم والتوتر بادٍ على وجهها، وسألتني ما إذا كنت أعرف دواء يزيل تأثير الفول الضار على قناة فالوب. أقنعتها بعد جهد جهيد بأن المسألة «دعابة» وأنني لا أعرف ما إذا كانت قناة فالوب هذه في روسيا أو بنما. ولأنني أعرف أنني كثيرا ما أخوض في مواضيع تتعلق بصحة الإنسان فإنني أذكر القراء بأنني خريج «آداب» وما أفهمه عن الطب لا يزيد على ما يفهمه شعبان عبد الرحيم عن الفيزياء النووية. فلا تصدقوني ما لم أكتب شيئا منقولا عن مصدر طبي محدد ومعلوم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك