زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
أقلام للإيجار
بعض الناس يشتري «الشهرة» بالفلوس، فهناك من يكون عاريا من الموهبة، ويشتري قصيدة حسنة السبك من شاعر مقتدر، لينسبها إلى نفسه، وهناك أعمال روائية منسوبة الى غير مؤلفيها الحقيقيين، وسمعت من زميل صحفي سعودي أن صحفيا عربيا كان يعمل في السعودية في الستينيات درج على كتابة مقالات ونشرها باسم زوجته، التي لم تكن تحسن حتى كتابة قائمة المواد الاستهلاكية اللازمة لشؤون الطعام والنظافة (لا أكره عطلة نهاية الأسبوع إلا بسبب تلك القائمة التي تجهزها زوجتي على مدى عدة أيام، ولأنها لا تثق في ذوقي في اختيار الأشياء فإنها أحيانا تكتب تفاصيل فيها استخفاف بي: صابون مطبخ سائل – وكأنما هناك صابون مطبخ مجمد - دريم ويب من النوع الأبيض.. ما تجيب اللي بنكهة الفراولة.. وكنت في بادئ الأمر أحسب أن الدريم ويب نوع من الأقراص المنومة، لأن دريم بالإنجليزية تعني «الحِلم/ المنام»، بينما هو عبارة عن بودرة بيضاء عديمة الفائدة تصنع منها النساء شيئا يشبه الرغوة يضعنه في الحلويات المنزلية).. المهم أن مقالات المرأة الشبح نالت استحسان الأوساط النسائية في السعودية، وسعت العديد من الجمعيات والروابط النسائية إلى التواصل معها ودعوتها لإلقاء محاضرات والمشاركة في ندوات، لتستفيد النساء من علمها الغزير وأفكارها النيرة. وبالطبع كانت تلك المرأة أعقل من أن ترتكب حماقة الظهور أمام حشود نسائية سرعان ما كانت ستكتشف أن مخها مثل الدريم ويب، أي مجرد رغوة عديمة الجدوى، ومع تكاثر الدعوات والاعتذارات استنتجت تلك الجمعيات أن الأستاذة الكاتبة «متكبرة ومتغطرسة وخشمها/ مناخيرها في السماء»، ولكن سيدة نشطة في مجال العمل العام ما لم تيأس ووسطت شخصية كبيرة ومتنفذة لإقناع الأستاذة بتقديم محاضرة في جمعية كانت ترأسها تلك السيدة، وقامت الشخصية الكبيرة بالاتصال بالصحفي وطلبت منه السماح لزوجته بتقديم المحاضرة المطلوبة، ولم يكن أمام الرجل من سبيل سوى الاعتراف بأن زوجته ماهرة في فن «القوالة» الذي هو القيل والقال، الذي هو النميمة الذي هو الحش، وفاشلة في مجال المقالة، وأنه يكتب باسمها حتى يرفع معنوياتها!
مسكينة أم الجعافر فقد تعرضت لموقف مشابه ولكن بالمقلوب، وبدلا من أن تغتنم الفرصة وتدخل دائرة الضوء أثبتت أنها «متخلفة» بجدارة، فقد رفضت أن تحاورنا محطات تلفزيونية كـ«عائلة»، وكان ذلك مفهوما لأنني ما كنت سأقبل الفكرة أصلا، وتركت لها أمر ردع التلفزيونجية، وذات مرة اتصلت بها مقدمة برامج إذاعية، وتلقت المكالمة بنتي مروة فأبلغتها المذيعة أنها تريد من زوجتي الاشتراك في فقرة قصيرة عبر الهاتف، لتتكلم عن حياتها مع أبي الجعافر ملك السنافر، فقالت مروة بلا تردد إن أمها ستكون سعيدة بذلك ووعدت المذيعة بأن ماما ستتصل بها لاحقا للاتفاق حول تفاصيل مشاركتها، وعندما خاطبت مروة أمها في أمر ذلك البرنامج الإذاعي قالت أمها إنها لا تقبل لنفسها أن تتعامل مع وسائل الإعلام فقط لأنها زوجة جعفر عباس (تستعر مني؟)، فقالت مروة: طيب خليني أشارك وأعمل نفسي زوجة جعفر، وسأقول للمستمعين إنه «مفتري» وبخيل ولا يشتري لنا الأشياء التي نشتهيها، وسأفضحه وأقول إنني لا أملك سوى فستانين وجزمة واحدة. الفردة اليمين فقط. (ودارت الأيام وكبرت مروة وجاءت مراسلة فضائية سودانية لتجري معي حوارا في بيتي وكانت مروة هي التي تتولى تكريم المراسلة بالعصير والذي منه فسألتها المذيعة ما إذا كانت ترغب في قول بضع كلمات حول أبيها ككاتب صحفي، فكان رد مروة: أنا ما أقرأ مقالاته.
وأعرف أكثر من كاتب يكتبون المقالات نيابة عن زوجاتهم كي ينلن مكافآت تجعل أوضاع العائلة أكثر بحبحة. هذه مقبولة إلى حد ما مقارنة برجال ونساء يشترون نصوصا ليضعوا أسماءهم أسفلها ولا ينفضح أمرهم إلا عندما يجالسهم المرء ليكتشف أن أمخاخهم زلط عليه دريم ويب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك