زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
المرض رجاليا ونسائيا
من فضل الله عليّ أنني لا أتمارض إذا أصبت بعارض صحي خفيف نوعا ما، وذلك أن عندي أمراضا مستوطنة ولديها إقامة نظامية في جسمي، وأصاب أحيانا بأمراض «محترمة» من النوع الذي يتطلب زيارة الطبيب ثم المختبرات الطبية وأقسام التصوير بأشعة إكس وأشعة دبليو سي (هذا هو الاسم الذي اخترته للرنين المغناطيسي لأن الانحشار داخل ذلك الجهاز ينشط المثانة والجهاز الهضمي عموما) ولكنني لست ميالا بصفة عامة للشكوى من المرض، ولا استسلم للمرض «فيني حيل وشدة». بعبارة أخرى لا أحب الاستسلام للمرض، ولا أحب التمارض، وإذا ألزمني مرض ما السرير فإنني أحاول قدر المستطاع البقاء في السرير في وضع «الجلوس» بل وخدمة نفسي بنفسي، فليس من عادتي في كل الأحوال أن أصيح: يا ولد جيب موية.. يا بنت افتحي المكيف.. أحب أن أخدم نفسي بنفسي.. وحتى في العمل الرسمي فإنني إذا رأيت أن مهمة ما تتطلب جهدا معينا وحرصا خاصا أقوم بها بنفسي أو أتابع من كَلَّفته بها لحظة بلحظة.
إلى أن كان ذات صباح يا فتاح، فقد عدت إلى البيت بعد زيارة بعض الأقارب وأحسست بأن هناك خللا في شاسي (هيكل) جسمي: آلام في المفاصل وفتور عام، وبما أنني استشاري طب وجراحة وباطنية وقلب، وأمراض نساء وولادة ومخ وأعصاب ومسالك بولية (لا مؤاخذة) وحاصل على زمالة الأذن والكتف والحنجرة والأمراض الجلدية.. يعني بالعربي جاهل يدعي العلم بما ليس له به علم. وهذه خصلة تؤكد عمق انتمائي العربي، فالعربي «بتاع كله» وكله عند العرب صابون. وبصفة عامة فالرجل العربي بالتحديد يتعامل مع الأمور الصحية بواحدة من طريقتين، أكثرهما رواجا هي طريقة «ولا يهمك».. بطنه تولول، وصدره يكركر، وظهره يطقطق، فيفسر ذلك بأنها «نزلة بسيطة» أو قولون عصبي، ونومة بعد الغداء وكل شيء يصير تمام التمام».. والطريقة الثانية هي التشخيص والعلاج الذاتي: ميرمية مغلية لوجع البطن ومرهم حار للظهر وحليب بالزنجبيل يشيل كل البلاوي اللي في الصدر، وعسل نحل بالفلفل يشفي البواسير، (تذكرت السوداني المقيم في السعودية والذي نشرت جريدة الشرق الأوسط عن شفائه من مرض البهاق الجلدي الذي عانى منه لربع قرن باستخدام شحم محركات السيارات.. وبعد نشر الخبر بشهور نشرت نفس الصحيفة تقريرا عن عشرات الناس أصيبوا بقروح وجروح أجبرتهم على لزوم المستشفيات لأنهم استخدموا تلك الشحوم لعلاج البهاق).
والنساء يأخذن الأمور الصحية بجدية أكبر ويسارعن الى الطبيب كلما أحسسن بعلة ما، ولكن عددا كبيرا من النساء يتخذن من زيارة الطبيب «هواية» بسبب الهلع الذي ينتابهن عند المرض. الطبيب يقول لها ان الصداع الذي ظلت تشكو منه طوال ثلاثة أيام سببه الإمساك الذي ظلت تعاني منه طوال ثلاثة أشهر، ويصف لها دواء ينظم عمل الجهاز الهضمي وبعض المسكنات العادية ولكنها تعتقد جازمة أن هناك علة في رأسها وتصر على «الإشاعة»، وتعني بذلك التصوير بأشعة إكس ثم أشعة واي، ثم أشعة زد. ويكون لها ما تريد وتظهر الأشعة ان رأسها سليم ولكنها لن تطمئن ما لم يتم تصوير الرأس بالرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية. كل ذلك لأنها سمعت ان صداع حليمة المستمر اتضح انه شقيقة/مقرين، ولأنها سمعت ان سوسو كانت تعاني من صداع وظهر أخيرا أنها تعاني من ورم بالمخ. يعني النساء يعملن بالمثل الانجليزي القائل Better be sure than sorry يعني التأكد من الشيء خير من الندامة.. وعلى الصعيد الشخصي فتعاملي مع المرض يميل الى الأسلوب الرجالي الذي هو عدم التهويل مع جرعة عالية من الاستهتار والاستخفاف. تعقبها محاولات للعلاج بالعون الذاتي من الصيدلية المنزلية، وينتهي الأمر غالبا باللجوء إلى طبيب مختص «يهزئني» على استهتاري بصحتي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك