العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ثمن باهظ لمجاراة الموضة

كلما‭ ‬أبصرت‭ ‬فتاة‭ ‬ذات‭ ‬دبابيس‭ ‬مغروزة‭ ‬في‭ ‬لسانها‭ ‬ومنتصف‭ ‬أنفها‭ ‬وشفتها‭ ‬السفلى‭ ‬إلخ،‭ ‬أحس‭ ‬بقشعريرة‭ ‬غير‭ ‬حميدة،‭ ‬وعندما‭ ‬أرى‭ ‬شخصا‭ ‬وقد‭ ‬غطى‭ ‬الوشم‭ (‬التاتو‭) ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬جسمه،‭ ‬أحس‭ ‬بأنه‭ ‬جدار‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬مهمَلة،‭ ‬وبهذا‭ ‬أوطئ‭ ‬لحكاية‭ ‬البريطانية‭ ‬جيسيكا‭ ‬كولينز‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬19‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬نزيلة‭ ‬مستشفى‭ ‬في‭ ‬ميونيخ‭ ‬بألمانيا‭ ‬بعد‭ ‬تعرضها‭ ‬لحادث‭ ‬مروري‭ ‬كاد‭ ‬يودي‭ ‬بحياتها،‭ ‬فقد‭ ‬اصطدمت‭ ‬السيارة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقلها‭ ‬بأخرى‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬بسيط،‭ ‬وخرجت‭ ‬من‭ ‬الحادث‭ ‬وصدرها‭ ‬سليم،‭ ‬ورأسها‭ ‬سليم،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬ألزمها‭ ‬سرير‭ ‬المستشفى‭ ‬طوال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تربط‭ ‬حزام‭ ‬الأمان‭ ‬في‭ ‬السيارة‭. ‬ومن‭ ‬حقك‭ ‬ان‭ ‬تتساءل‭ ‬بالمصري‭: ‬ودي‭ ‬تيجي‭ ‬إزاي؟‭ ‬شخص‭ ‬يربط‭ ‬حزام‭ ‬السلامة‭ ‬والحادث‭ ‬بسيط،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فهي‭ ‬نزيلة‭ ‬المستشفى‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شهر؟‭ ‬فالمعلوم‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬تصطدم‭ ‬مقدمة‭ ‬السيارة‭ ‬بجسم‭ ‬صلب‭ ‬ينقبض‭ ‬حزام‭ ‬الأمان‭ ‬ليمنع‭ ‬ارتطام‭ ‬رأسك‭ ‬حيث‭ ‬المخ،‭ ‬وصدرك‭ ‬حيث‭ ‬القلب،‭ ‬بالجزء‭ ‬الأمامي‭ ‬من‭ ‬السيارة،‭ ‬وخاصة‭ ‬اللوح‭ ‬الزجاجي‭ ‬الأمامي،‭ ‬وعندما‭ ‬اصطدمت‭ ‬سيارة‭ ‬جيسيكا‭ ‬بأخرى‭ ‬قام‭ ‬الحزام‭ ‬بواجبه‭ ‬خير‭ ‬قيام‭ ‬و‭... ‬انقبض‭ ‬بقوة،‭ ‬وكانت‭ ‬جيسيكا‭ ‬قد‭ ‬غرزت‭ ‬في‭ ‬سُرَّتها‭ ‬زرا‭ ‬معدنيا‭ ‬جريا‭ ‬وراء‭ ‬موضة‭ ‬الأعوام‭ ‬الأخيرة‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬بثقب‭ ‬الأذن‭ ‬والأنف‭ ‬والحنجرة‭ ‬والعنق‭ ‬واللسان‭ ‬والشفتين‭ ‬والسُّرَة‭ -‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضع‭ ‬أحيانا‭- ‬لتثبيت‭ ‬أزرار‭ ‬وأقراط‭ ‬معدنية،‭ ‬بزعم‭ ‬أنها‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬الزينة‭. ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬جيسيكا‭ ‬ضغط‭ ‬حزام‭ ‬السلامة‭ ‬على‭ ‬الزر‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬سرتها،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬خصرها‭ ‬مثل‭ ‬ربطة‭ ‬نعناع،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الزر‭ ‬كان‭ ‬طويلا‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬فاندفع‭ ‬وانغرز‭ ‬في‭ ‬بطنها‭ ‬حتى‭ ‬اخترق‭ ‬عمودها‭ ‬الفقري‭ ‬مما‭ ‬استوجب‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬العناية‭ ‬الفائقة‭ ‬بالمستشفى‭ ‬في‭ ‬ميونيخ‭.‬

الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭ ‬يثقبون‭ ‬مختلف‭ ‬أعضاء‭ ‬جسمهم‭ ‬ليغرسوا‭ ‬فيها‭ ‬سلاسل‭ ‬ومسامير‭ ‬باسم‭ ‬الحضارة‭ ‬ومجاراة‭ ‬الموضة‭ ‬و«روح‭ ‬العصر‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬الممارسات‭ ‬أصلا‭ ‬تعود‭ ‬الى‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬عندما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬وسائل‭ ‬التجميل‭ ‬متوافرة،‭ ‬فكانت‭ ‬النساء‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص‭ ‬يجعلن‭ ‬من‭ ‬وجوههن‭ ‬شماعات‭ ‬يعلقن‭ ‬عليها‭ ‬حُليًّا‭ ‬معدنية،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الموضة‭ ‬تكون‭ ‬أحيانا‭ ‬بإحياء‭ ‬القديم‭ ‬او‭ ‬مجاراة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬المجتمعات‭ ‬البدائية،‭ ‬فما‭ ‬رأي‭ ‬الفتيات‭ ‬في‭ ‬تقليد‭ ‬نساء‭ ‬قبيلة‭ ‬السيرما‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا‭ ‬حيث‭ ‬تتباهى‭ ‬المرأة‭ ‬بمط‭ ‬شفتها‭ ‬السفلى،‭ ‬بوضع‭ ‬طبق‭/‬صحن‭ ‬فيها،‭ ‬وعاما‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬تطول‭ ‬الشفة‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬احتواء‭ ‬طبق‭ ‬قطره‭ ‬20‭ ‬سنتيمترا،‭ ‬وإذا‭ ‬تدلت‭ ‬الشفة‭ ‬السفلى‭ ‬حتى‭ ‬الصدر‭ ‬تعتبر‭ ‬المرأة‭ ‬السيرماوية‭ ‬قمة‭ ‬في‭ ‬الحلاوة‭ ‬والإثارة‭. ‬وهناك‭ ‬المرأة‭ ‬الزرافة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬جزر‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادي‭ ‬حيث‭ ‬تضع‭ ‬المرأة‭ ‬حلقات‭ ‬ضاغطة‭ ‬على‭ ‬رقبتها‭ ‬حتى‭ ‬تطول‭ ‬الرقبة‭ ‬ويبلغ‭ ‬طولها‭ ‬أحيانا‭ ‬40‭ ‬سنتيمترا‭.‬

ومن‭ ‬يثقبون‭ ‬مختلف‭ ‬أعضاء‭ ‬جسمهم‭ ‬يندمون‭ ‬لاحقا‭ ‬عندما‭ ‬تبقى‭ ‬تلك‭ ‬الأعضاء‭ ‬مشوهة‭ ‬مدى‭ ‬الحياة،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬البعض‭ ‬يدفع‭ ‬ثمنا‭ ‬باهظا‭ ‬فوريا‭ ‬لأن‭ ‬ثقب‭ ‬الجسم‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬محلات‭ ‬‮«‬غير‭ ‬طبية‮»‬‭ ‬مما‭ ‬يعرضهم‭ ‬لفيروسات‭ ‬الكبد‭ ‬والإيدز‭ ‬وتسمم‭ ‬الدم‭ ‬وهذه‭ ‬جميعا‭ ‬أمراض‭ ‬قاتلة‭.. ‬آخذا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬أنواع‭ ‬الثقوب‭ ‬شيوعا‭ -‬وهو‭ ‬ثقب‭ ‬الأذن‭- ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقرحات‭ ‬تستمر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬3‭ ‬إلى‭ ‬4‭ ‬أشهر‭.. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الناس‭ ‬تتجمل‭ ‬لعيون‭ ‬الآخرين،‭ ‬ولم‭ ‬أسمع‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬لفت‭ ‬الأنظار‭ ‬بجمال‭ ‬أذنيه‭ ‬بقرط‭ ‬أو‭ ‬بدونه‭.. ‬ولا‭ ‬أفهم‭ ‬لماذا‭ ‬تضع‭ ‬فتاة‭ ‬حلقة‭ ‬او‭ ‬زرا‭ ‬في‭ ‬بطنها‭ ‬طالما‭ ‬يفترض‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تكشف‭ ‬بطنها‭ ‬أمام‭ ‬الآخرين‭. ‬أما‭ ‬أغبى‭ ‬تلك‭ ‬الممارسات‭ ‬فوضع‭ ‬زر‭ ‬في‭ ‬اللسان،‭ ‬فيبدو‭ ‬صاحبه‭ ‬وكأن‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬البلغم‭ ‬علقت‭ ‬بلسانه،‭ ‬وهذا‭ ‬مثير‭ ‬للقرف‭ ‬وليس‭ ‬الاستحسان‭! ‬

‭(‬على‭ ‬ذكر‭ ‬ميونيخ،‭ ‬ففي‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مهرجان‭ ‬للبيرة‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬وجاء‭ ‬ريكاردو‭ ‬الايطالي‭ ‬من‭ ‬بلاده‭ ‬بسيارته‭ ‬ليستمتع‭ ‬بالبيرة‭ ‬ببلاش‭ ‬وظل‭ ‬يشرب‭ ‬نهارا‭ ‬بأكمله،‭ ‬وعندما‭ ‬أتى‭ ‬المساء،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يتذكر‭ ‬أين‭ ‬ترك‭ ‬سيارته،‭ ‬وقضى‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬يبحث‭ ‬عنها،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يئس‭ ‬من‭ ‬العثور‭ ‬عليها‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا،‭ ‬ولكنه‭ ‬تلقى‭ ‬اتصالا‭ ‬من‭ ‬شرطة‭ ‬ميونيخ‭ ‬بالعثور‭ ‬على‭ ‬السيارة‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬مهرجان‭ ‬البيرة‭ ‬فركب‭ ‬طائرة‭ ‬وسافر‭ ‬واسترد‭ ‬سيارته‭.. ‬يعني‭ ‬إذا‭ ‬قال‭ ‬لك‭ ‬أحدهم‭ ‬إنه‭ ‬يشرب‭ ‬لـ‮«‬ينسى‮»‬‭ ‬فصدّقه‭!!)‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا