العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ما البأس في كونك أسمر (1)

كِلت‭ ‬خلال‭ ‬اليومين‭ ‬الماضيين‭  ‬من‭ ‬الثناء‭ ‬على‭ ‬الجنس‭ ‬الأسود‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يجعل‭ ‬القارئ‭ ‬يحسب‭ ‬انهم‭ ‬شعب‭ ‬الله‭ ‬المختار،‭ ‬ولكن‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الهذر‭ ‬فلست‭ ‬أعتقد‭ ‬ان‭ ‬شخصا‭ ‬يتفوق‭ ‬على‭ ‬آخر‭ ‬بسبب‭ ‬اللون‭ ‬او‭ ‬العرق‭ ‬او‭ ‬الجنسية‭ ‬او‭ ‬الجندر،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬فإنني‭ ‬أعتب‭ ‬على‭ ‬السمر‭ ‬الذين‭ ‬يسعون‭ ‬الى‭ ‬اكتساب‭ ‬بشرة‭ ‬‮«‬فاتحة‮»‬،‭ ‬وكأنما‭ ‬البشرة‭ ‬السمراء‭ ‬‮«‬قافلة‮»‬،‭ ‬وعجيب‭ ‬أمر‭ ‬النساء،‭ ‬إذ‭ ‬البيضاوات‭ ‬منهن‭ ‬يعرضن‭ ‬أنفسهن‭ ‬للأشعة‭ ‬فوق‭ ‬البمبية‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬الإسهال‭ ‬والسرطان‭ ‬لاكتساب‭ ‬السمرة،‭  ‬وأجمل‭ ‬عبارة‭ ‬غزل‭ ‬تود‭ ‬الفتاة‭ ‬ذات‭ ‬البشرة‭ ‬البيضاء‭ ‬سماعها‭ ‬هي‭ ‬‮«‬واااو‭ ‬لونك‭ ‬صار‭ ‬برونزاج‮»‬،‭ ‬والبرونز‭ ‬معدن‭ ‬ابن‭ ‬سفاح‭ ‬وهجين‭ ‬ينشأ‭ ‬عن‭ ‬خلط‭ ‬النحاس‭ ‬بالقصدير،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهو‭ ‬مثل‭ ‬البغل‭ ‬بلا‭ ‬شخصية،‭ ‬وذوو‭ ‬البشرة‭ ‬الفاتحة‭ ‬يستعرون‭ ‬من‭ ‬السمرة‭ ‬ولهذا،‭ ‬وكلما‭ ‬اكتسبت‭ ‬أجسادهم‭ ‬سمرة‭ ‬قالوا‭ ‬إنها‭ ‬صارت‭ ‬‮«‬برونزاج‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬عشق‭ ‬البيضاوات‭ ‬والشقراوات‭ ‬للسمرة،‭ ‬فإذا‭ ‬تقدم‭ ‬شخص‭ ‬مثلي‭ ‬تتوافر‭ ‬لديه‭ ‬السمرة‭ ‬الطبيعية‭ ‬بكميات‭ ‬تجارية‭ ‬ولديه‭ ‬فائض‭ ‬منها‭ ‬للتصدير،‭ ‬طالبا‭ ‬يد‭ ‬واحدة‭ ‬منهن‭ (‬ما‭ ‬هذا‭ ‬التعبير‭ ‬العجيب؟‭  ‬الراغب‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬يطلب‭ ‬الفتاة‭ ‬كاملة‭ ‬على‭ ‬بعضها،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬يدها،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬يدها‭ ‬هي‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬يريد،‭ ‬وتحضرني‭ ‬هنا‭ ‬حكاية‭ ‬معلمة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مدارس‭ ‬البنات‭ ‬الابتدائية‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تغرس‭ ‬في‭ ‬تلميذاتها‭ ‬القيم‭ ‬الرفيعة‭ ‬وسألتهن‭:  ‬إذا‭ ‬أدخلت‭ ‬يدي‭ ‬في‭ ‬جيب‭ ‬رجل‭ ‬وسرقت‭ ‬حافظة‭ ‬نقوده‭ ‬فماذا‭ ‬أكون‭: ‬أجبن‭ ‬عنها‭ ‬بالإجماع‭:  ‬تكونين‭ ‬زوجته‭)‬،‭  ‬المهم‭ ‬إذا‭ ‬طلبت‭ ‬يدها‭ ‬بالحلال،‭ ‬صرخت‭ ‬‮«‬يا‭ ‬لهوي‭ ‬يا‭ ‬مصيبتي‭ ‬يا‭ ‬فضيحتي‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬يجتمع‭ ‬حولي‭ ‬الجيران‭ ‬ويوسعونني‭ ‬ضرباً‭ ‬لأنني‭ ‬خدشت‭ ‬بطلبي‭ ‬ذاك‭ ‬حياءها‭ ‬وربما‭ ‬شرفها،‭ ‬أما‭ ‬السمراوات‭ ‬فأمرهن‭ ‬أعجب‭ ‬لأنهن‭ ‬ولا‭ ‬غيرهن‭ ‬من‭ ‬يعطين‭ ‬البيضاوات‭ ‬الإحساس‭ ‬بالتفوق‭ ‬والتفرد‭.  ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ركبهن‭ ‬هوس‭ ‬اكتساب‭ ‬اللون‭ ‬الفاتح،‭ ‬فأصبحت‭ ‬تجد‭ ‬فتاة‭ ‬ذات‭ ‬وجه‭ ‬حنطاوي‭ ‬وذراع‭ ‬كالفحم‭ ‬الحجري،‭ ‬وكلها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬كقرد‭ ‬من‭ ‬مدغشقر‭.‬

ما‭ ‬البأس‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬أسود‭ ‬وأسمر‭ ‬اللون؟‭  ‬جميع‭ ‬الرجال‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬سود‭ ‬ومتزوجون‭ ‬بسمراوات‭ ‬وسوداوات‭ ‬وأنجبوا‭ ‬منهن‭ ‬أطفالاً‭ ‬عاديين‭ ‬الوانهم‭ ‬مثل‭ ‬الزفت‭ ‬وعقولهم‭ ‬تزن‭ ‬بلاداً‭ ‬بحالها‭ ‬وأحوالها،‭ ‬ولكن‭ ‬الإجابة‭ ‬معروفة‭: ‬في‭ ‬بعضنا‭ ‬عنصرية‭ ‬حتى‭ ‬النخاع،‭ ‬ولكننا‭ ‬لا‭ ‬نصرح‭ ‬بذلك‭ ‬لأن‭ ‬التصريح‭ ‬يحرمنا‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬سب‭ ‬أمريكا‭ ‬وأوروبا‭ ‬ووصمهما‭ ‬بالعنصرية‭. ‬حتى‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الذي‭ ‬اشتق‭ ‬اسمه‭ ‬من‭ ‬السواد‭ ‬يمارس‭ ‬البعض‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬ذوي‭ ‬الأصول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وعرب‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬يسمون‭ ‬الفول‭ ‬السوداني‭ ‬فستق‭ ‬العبيد،‭ ‬وليس‭ ‬المقصود‭ ‬بذلك‭ ‬أهل‭ ‬جمهورية‭ ‬السودان‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬عموم‭ ‬الأفارقة‭ ‬الذين‭ ‬ينتجون‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬الزيتية‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭ ‬فقد‭ ‬تعرضت‭ ‬لإساءة‭ ‬عنصرية‭ ‬أتتني‭ ‬من‭ ‬امرأة‭ ‬مناضلة‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬فقد‭ ‬كتبت‭ ‬ذات‭ ‬عام‭ ‬مقالا‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬المجلة‮»‬‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬عقوق‭ ‬المرأة‮»‬،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المناضلة‭ ‬قرأته‭ ‬وهي‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬لأنها‭ ‬حسبته‭ ‬هجوماً‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬فثارت‭ ‬عارمة‭ ‬وعادت‭ ‬إلى‭ ‬جاهليتها‭: ‬

إذا‭ ‬ما‭ ‬غضبنا‭ ‬غضبة‭ ‬مضرية‭ ‬هتكنا‭ ‬حجاب‭ ‬الشمس‭ ‬أو‭ ‬تمطر‭ ‬الدما

ولأنها‭ ‬منافحة‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬النساء‭ ‬وتتخذ‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬متساوية Rights Equal اسما‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬فقد‭ ‬تصدت‭ ‬للعدوان‭ ‬الجعفري‭ ‬الغاشم‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬وبدأت‭ ‬رسالتها‭ ‬إليّ‭ ‬ببيت‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬الرصين‭:‬

لا‭ ‬تشتري‭ ‬العبد‭ ‬إلا‭ ‬والعصا‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬العبيد‭ ‬لأنجاس‭ ‬مناكيد

وبما‭ ‬أنني‭ ‬ذلك‭ ‬العبد‭ ‬فقد‭ ‬أصبت‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أعول‭ ‬على‭ ‬دفاع‭ ‬مثيلاتها‭ ‬وأمثالها‭ ‬عن‭ ‬حقوقي،‭ ‬لأن‭ ‬حقوق‭ ‬الأقليات‭ ‬المضطهدة‭ ‬كل‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ،‭ ‬يعني‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تناضل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حقوق‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬وأن‭ ‬تتحامل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لطم‭ ‬الخدود‭ ‬وشق‭ ‬الجيوب‭ ‬لانتهاك‭ ‬طالبان‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬والتهليل‭ ‬للفتك‭ ‬بالإنسان‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وفات‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬البائسة‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أفتأ‭ ‬أذكر‭ ‬القراء‭ ‬بسواد‭ ‬لوني‭ ‬وسواد‭ ‬حظي‭ ‬الذي‭ ‬جعلني‭ ‬فريسة‭ ‬لأطماع‭ ‬ناوومي‭ ‬كامبل‭ ‬العاطفية،‭ ‬ولا‭ ‬أفوت‭ ‬فرصة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تأكيد‭ ‬اعتزازي‭ ‬بالانحدار‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬عنترة‭ ‬بن‭ ‬زبيبة‭ (‬أفعل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تعطيني‭ ‬السلطات‭ ‬السعودية‭ ‬جواز‭ ‬سفر‭ ‬يكفل‭ ‬لي‭ ‬الإقامة‭ ‬الشرعية‭ ‬في‭ ‬الطائف‭ ‬أو‭ ‬أبها‭ ‬بقية‭ ‬سنوات‭ ‬عمري‭)‬،‭ ‬وأعتزم‭ ‬مخاطبة‭ ‬السلطات‭ ‬المصرية‭ ‬قريباً‭ ‬للاعتراف‭ ‬بي‭ ‬وريثاً‭ ‬لكافور‭ ‬الأخشيدي‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بمنحي‭ ‬مكافأته‭ ‬التقاعدية‭ ‬منزلاً‭ ‬في‭ ‬منتجع‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا