العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

غاليليو جاسوسا

أحمد‭ ‬الله‭ ‬أنه‭ ‬مدّ‭ ‬في‭ ‬أيامي‭ ‬وشهدت‭ ‬عصر‭ ‬البوينغ‭ ‬والآيس‭ ‬كريم،‭ ‬والتلفزيون‭ ‬وهواتف‭ ‬نوكيا‭ ‬وآيفون،‭ ‬والسيارة‭ ‬ذات‭ ‬الكاميرا‭ ‬ونظام‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬كتبت‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬سعادتي‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬الطبيب‭ ‬أنني‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬نظارة‭ ‬طبية،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬النظارة‭ ‬والسيجارة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان‭ ‬من‭ ‬علامات‭ (‬الثقافة‭ ‬والوجاهة‭)‬،‭ ‬وقبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬عرض‭ ‬علي‭ ‬طبيب‭ ‬عيون‭ ‬تربطني‭ ‬به‭ ‬صداقة‭ ‬قوية،‭ ‬إجراء‭ ‬عملية‭ ‬تشطيب‭ ‬قرنية‭ ‬لي‭ ‬بالليزر‭ ‬مجاناً،‭ ‬كي‭ ‬استغنى‭ ‬عن‭ ‬النظارة،‭ ‬فرفضت‭ ‬عرضه‭ ‬شاكراً‭ ‬لثلاثة‭ ‬أسباب‭:  ‬أولهما‭ ‬إنني‭ ‬أخاف‭ ‬من‭ ‬الليزر‭ ‬لأنني‭ ‬سمعت‭ ‬أنه‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬وثانيهما‭ ‬أنني‭ ‬أدمنت‭ ‬النظارة‭ ‬وأتضايق‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬أرتديها،‭ ‬وثالثهما‭ ‬أن‭ ‬النظارة‭ ‬تتلف‭ ‬شكل‭ ‬العين،‭ ‬وتجعل‭ ‬الجفون‭ ‬مجعدة‭ ‬ومكرمشة‭ ‬ومقرمشة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬عيني‭ ‬وبسبب‭ ‬استخدام‭ ‬النظارات‭ ‬منذ‭ ‬سن‭ ‬مبكرة،‭ ‬صار‭ ‬شكلهما‭ ‬صينيا‭ (‬يكسف‭ ‬ويفشَّل‭) ‬والاستغناء‭ ‬عن‭ ‬النظارة‭ ‬سيفضح‭ ‬عيني،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بقية‭ ‬تقاطيع‭ ‬وجهي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سيجعلني‭ (‬مُعقَّداً‭).‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬صار‭ ‬الموبايل‭ ‬ملازماً‭ ‬لي‭ ‬مثل‭ ‬النظارة،‭ ‬ومثل‭ ‬الملايين‭ ‬فإنني‭ ‬أحمله‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬فوق‭ ‬توصيل‭ ‬الكلام‭ ‬الشفهي‭ ‬والمكتوب‭ ‬مني‭ ‬وإلى‭ ‬الآخرين‭ ‬وبالعكس،‭ ‬يقوم‭ ‬أيضا‭ ‬بدور‭ ‬المنبه‭ ‬الذي‭ ‬يذكرني‭ ‬بمواعيدي‭ ‬وارتباطاتي،‭ ‬وتصلني‭ ‬عبره‭ ‬رسائل‭ ‬ومقاطع‭ ‬فيديو‭ (‬تفطس‭) ‬من‭ ‬الضحك‭. ‬ولكنه‭ ‬تحول‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬إلى‭ ‬عبء،‭ ‬فمثلاً‭ ‬تأتيني‭ ‬مكالمات‭ ‬كثيرة‭ ‬أثناء‭ ‬قيادتي‭ ‬السيارة،‭ ‬ومن‭ ‬عادتي‭ ‬أن‭ ‬أتجاهل‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬المكالمات‭ ‬لأن‭ ‬سلامتي‭ ‬وسلامة‭ ‬الآخرين‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬اعتبار،‭ ‬ولكن‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬المكالمة‭ ‬مهمة‭. ‬والمشكلة‭ ‬هي‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬رؤية‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التلفون‭ ‬‮«‬الموبايل‮»‬‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬أخلع‭ ‬نظارتي،‭ ‬وإذا‭ ‬خلعت‭ ‬النظارة‭ ‬فإن‭ ‬السيارات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬كتلة‭ ‬من‭ ‬الدخان‭ (‬قمت‭ ‬بتعطيل‭ ‬خاصية‭ ‬بلو‭ ‬توث‭ ‬في‭ ‬السيارة‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬الكلام‭ ‬خلال‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬حتى‭ ‬بالتخاطب‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يركبون‭ ‬فيها‭ ‬معي‭).‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬أمره‭ ‬سهل‭ ‬فبالإمكان‭ ‬إيقاف‭ ‬السيارة‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬المكالمة،‭ ‬ولكن‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬المقبلة‭ ‬ستجعل‭ ‬الهاتف‭ ‬الجوال‭ ‬كارثة‭: ‬تكون‭ ‬تشق‭ ‬طريقك‭ ‬بصعوبة‭ ‬وسط‭ ‬الآلاف‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬للتسوق‭ ‬فيقترب‭ ‬منك‭ ‬محيياً‭ ‬شخص‭ ‬ثقيل‭ ‬الظل‭ ‬ظل‭ ‬يطاردك‭ ‬طوال‭ ‬شهرين‭ ‬طالباً‭ ‬سلفة‭ ‬لأنه‭ ‬يريد‭ ‬تطليق‭ ‬زوجته‭ ‬الثانية،‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬الصداق‭ ‬المؤجل،‭ ‬وقد‭ ‬تتغيب‭ ‬عن‭ ‬عملك‭ ‬المسائي‭ ‬لأن‭ ‬حماتك‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صحية‭ ‬حرجة‭ ‬وتم‭ ‬نقلها‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬العناية‭ ‬الفائقة‭ ‬في‭ ‬المستشفى،‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬فيسألك‭ ‬رئيسك‭ ‬المباشر‭:  ‬شفت‭ ‬هدف‭ ‬الهلال‭ ‬الثالث‭ ‬كان‭ ‬شلون‭ ‬يهبل‭ ‬ويجنن،‭ ‬فتكاد‭ ‬تجن‭ ‬لأنك‭ (‬أدخلت‭) ‬حماتك‭ ‬المستشفى‭ ‬كذباً،‭ ‬كعذر‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الملعب‭ ‬لمتابعة‭ ‬مباراة‭ ‬الهلال‭ ‬ضد‭ ‬زحل‭. ‬ولكنك‭ ‬جلست‭ ‬وقد‭ ‬لففت‭ ‬وجهك‭ ‬جيداً‭ ‬بالغترة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬لا‭ ‬يجلس‭ ‬فيه‭ ‬سوى‭ ‬‮«‬الغوغاء‮»‬،‭ ‬وكنت‭ ‬متأكداً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬معارفك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قريباً‭ ‬منك،‭ ‬ولم‭ ‬تغادر‭ ‬الملعب‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬إطفاء‭ ‬الأنوار‭ ‬تفادياً‭ ‬لاحتمال‭ ‬مقابلة‭ ‬أحد‭ ‬زملاء‭ ‬العمل‭ ‬الذين‭ ‬سمعوا‭ ‬بأمر‭ ‬الحماة‭ ‬طريحة‭ ‬العناية‭ ‬الفائقة‭! ‬

لا‭ ‬تحسب‭ ‬أن‭ ‬رئيسك‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬مُنجَّم‭ ‬أو‭ ‬ضارب‭ ‬للودع‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬رآك‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬الملعب،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬هناك‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬استعان‭ ‬بغاليليو،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭ ‬لتحديد‭ ‬المواقع‭ ‬عبر‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬وهذا‭ ‬النظام‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يدلك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬شخصاً‭ ‬ما‭ ‬رقم‭ ‬هاتفه‭ ‬مسجل‭ ‬في‭ ‬هاتفك‭ ‬الجوال‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬محددة،‭ ‬بل‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقودك‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬يقف‭ ‬أو‭ ‬يسير‭. ‬ولو‭ ‬حصلت‭ ‬زوجتك‭ ‬على‭ ‬هاتف‭ ‬مرتبط‭ ‬بنظام‭ ‬غاليليو‭ ‬فإنها‭ ‬ستخرب‭ ‬بيتك‭ ‬لأنه‭ ‬يستطيع‭ ‬إرشادها‭ ‬إلى‭ ‬أسماء‭ ‬وأماكن‭ ‬المتاجر‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬تنزيلات‭ ‬أو‭ ‬عروض‭ ‬خاصة‭ ‬أو‭ ‬سلع‭ ‬جديدة،‭ ‬كما‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تزعم‭ ‬أنك‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬بينما‭ ‬السيد‭ ‬غاليليو‭ ‬يقول‭ ‬إنك‭ ‬في‭ ‬محل‭ ‬مساج‭ ‬في‭ ‬فندق‭.‬

وعند‭ ‬تزويد‭ ‬السيارات‭ ‬بهذا‭ ‬النظام‭ ‬فإنه‭ ‬يقوم‭ ‬بشل‭ ‬حركة‭ ‬سيارتك‭ ‬إذا‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬سيارة‭ ‬أخرى‭ ‬بدرجة‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اصطدام‭ ‬بينهما،‭ ‬وسترحب‭ ‬شركات‭ ‬التأمين‭ ‬بهذا‭ ‬النظام‭ ‬لأنه‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬صندوق‭ ‬أسود‭ ‬يرصد‭ ‬طريقتك‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬وقد‭ ‬ترفض‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬التأمين‭ ‬على‭ ‬سيارتك‭ ‬لأن‭ ‬لديها‭ ‬أدلة‭ ‬قاطعة‭ ‬بأنك‭ ‬مستهتر‭ ‬وقليل‭ ‬العقل‭ ‬وانتحاري‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا