العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن حضور وغياب الورد في حياتنا (1)

أبدأ‭ ‬بالهمس‭ ‬في‭ ‬أُذن‭ ‬الرجال‭ ‬بأن‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬شهر‭ ‬النساء‭ ‬ففيه‭ ‬عيد‭ ‬الأم،‭ ‬ويوم‭ ‬المرأة‭ ‬العالمي،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬فبراير‭ ‬المنصرم‭ ‬‮«‬عيد‮»‬‭ ‬فالنتاين‭ ‬اختصاصي‭ ‬شؤون‭ ‬الحب‭ ‬والقلب،‭ ‬سمسار‭ ‬الورود‭ ‬الحمراء،‭ ‬وقد‭ ‬شكوت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أم‭ ‬الجعافر‭ ‬تطالبني‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬الأم‭ ‬بأن‭ ‬أقدم‭ ‬لها‭ ‬هدية،‭ ‬وليس‭ ‬بيدي‭ ‬حيلة‭ ‬غير‭ ‬الصياح‭: ‬ربنا‭ ‬على‭ ‬المفتري‭.‬

قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع‭ ‬أتاني‭ ‬رجل‭ ‬صادقته‭ ‬مؤخراً‭ ‬وجلس‭ ‬أمامي‭ ‬مؤدباً،‭ ‬رغم‭ ‬انه‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭ ‬عادة،‭ ‬وأبلغني‭ ‬انه‭ ‬يريد‭ ‬دعوتي‭ ‬أنا‭ ‬وزوجتي‭ ‬إلى‭ ‬العشاء‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬فخيم،‭ ‬وعندما‭ ‬لبينا‭ ‬الدعوة‭ ‬فوجئت‭ ‬بأن‭ ‬مناسبتها‭ ‬مرور‭ ‬عامين‭ ‬على‭ ‬زواجه‭! ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يشأ‭ ‬ان‭ ‬يخبرني‭ ‬بمناسبة‭ ‬الدعوة‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يعرض‭ ‬نفسه‭ ‬للهزء‭ ‬والسخرية،‭ ‬أو‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يكبدني‭ ‬عناء‭ ‬شراء‭ ‬هدية‭ ‬له‭ ‬ولحرمه،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬واردا‭ ‬أن‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك‭ ‬قط‭! ‬شخصان‭ ‬تزوجا‭ ‬ويريدان‭ ‬ان‭ ‬يتذكرا‭ ‬يوم‭ ‬زواجهما‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يهمني‭ ‬في‭ ‬ذلك؟‭ ‬أنا‭ ‬مالي؟

ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬قررت‭ ‬مقاطعة‭ ‬صاحبي‭ ‬ذاك‭! ‬لماذا؟‭ ‬لأن‭ ‬بعلتي‭ ‬الحالية‭ ‬كشرت‭ ‬عن‭ ‬أنيابها‭ ‬فور‭ ‬عودتنا‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬وقالت‭ ‬لي‭: ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تفكر‭ ‬ولو‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الاحتفال‭ ‬بذكرى‭ ‬زواجنا‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬الناس‭ ‬المتحضرون؟‭ ‬قلت‭ ‬لها‭: ‬لأنني‭ ‬لست‭ ‬متحضراً‭ ‬بدرجة‭ ‬كافية‭! ‬ماذا‭ ‬تتوقعين‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬نشأ‭ ‬وترعرع‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬تعداد‭ ‬الماعز‭ ‬والدجاج‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تعداد‭ ‬البشر؟‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬أنا‭ ‬فعلا‭ ‬متخلف‭ ‬لأنني‭ ‬مثلا‭ ‬لا‭ ‬احتفل‭ ‬بيوم‭ ‬ميلادي،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬عيالي‭ ‬بتجاهل‭ ‬الاحتفال‭ ‬بأيام‭ ‬مولدهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يبلغوا‭ ‬العاشرة‭ ‬وكنت‭ ‬أقدم‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬رشاوى‭ ‬تناهز‭ ‬قيمتها‭ ‬كلفة‭ ‬الحفلات؟‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭ ‬أن‭ ‬قدمت‭ ‬لأحد‭ ‬وردة‭ ‬أو‭ ‬قدم‭ ‬لي‭ ‬أحدهم‭ ‬وردة‭ ‬إلا‭ ‬وأنا‭ (‬هو‭) ‬هي‭ ‬في‭ ‬المستشفى،‭ ‬وفي‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬لزمت‭ ‬فيها‭ ‬سرير‭ ‬المستشفى،‭ ‬وحاصرني‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬المتحضرين‭ ‬بالزهور،‭ ‬تشاءمت‭ ‬لأنني‭ ‬تذكرت‭ ‬غاندي‭ ‬ومحرقات‭ ‬الهندوس‭ ‬للموتى‭ ‬والتي‭ ‬تكون‭ ‬عادة‭ ‬مغطاة‭ ‬بالورود‭! ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬شاباً‭ ‬سودانياً‭ ‬من‭ ‬جيلي‭ ‬قدم‭ ‬للفتاة‭ ‬التي‭ ‬يحبها‭ ‬أو‭ ‬يعتزم‭ ‬الزواج‭ ‬بها‭ ‬وردة‭! ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬بنت‭ ‬ناس‭ ‬كانت‭ ‬ستفسخ‭ ‬الخطوبة،‭ ‬اما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬بنت‭ ‬‮«‬الذين‮»‬‭ ‬فإنها‭ ‬ستبلغ‭ ‬عنه‭ ‬سلطات‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬أو‭ ‬ستعتبره‭ ‬شاذاً‭ ‬جنسياً‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬ان‭ ‬الرجل‭ ‬مكتمل‭ ‬الرجولة‭ ‬وناضج‭ ‬العقل‭ ‬لا‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬البشر‭ ‬الأسوياء‭ ‬بالنباتات‭ ‬ومنتجاتها‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قيمتها‭ ‬الجمالية‭! (‬وأدركت‭ ‬لاحقا‭ ‬أن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬المشاعر‭ ‬بالورود‭ ‬أقوى‭ ‬وأروع‭ ‬من‭ ‬الكلمات،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬أفضل‭ ‬تقديم‭ ‬هدية‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬مادية‭ ‬ومعنوية‭ ‬لمن‭ ‬أعرف‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬للورد‭ ‬في‭ ‬قاموس‭ ‬حياتهم‭).‬

ويفاقم‭ ‬من‭ ‬تخلفي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هذا‭ ‬انني‭ ‬لست‭ ‬مقتنعاً‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬بأنني‭ ‬متزوج‭! ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬انني‭ ‬لست‭ ‬مقتنعاً‭ ‬بزوجتي‭ ‬بل‭ ‬يعني‭ ‬انني‭ ‬أتصرف‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬اليومية‭ ‬وكأنني‭ ‬خالي‭ ‬طرف‭! ‬ولا‭ ‬يحسبن‭ ‬أحدكم‭ ‬أنني‭ ‬ألعب‭ ‬بذيلي‭ ‬أو‭ ‬‮«‬أذاكر‮»‬‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ظهر‭ ‬زوجتي،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هناك‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬تقمص‭ ‬دور‭ ‬الزوج‭ ‬أو‭ ‬الأب‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬كرسي‭ ‬معين‭ ‬ويعود‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬فيسري‭ ‬حظر‭ ‬التجول‭ ‬وتنعدم‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬البيت‭! ‬بالعكس‭ ‬فأنا‭ ‬أكبر‭ ‬مصدر‭ ‬للإزعاج‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬وكنت‭ ‬أوقظ‭ ‬عيالي‭ ‬في‭ ‬صغرهم‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬بالمسدسات‭ ‬المائية‭! ‬ولي‭ ‬بنت‭ ‬تعتزم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الماجستير‭ ‬في‭ ‬نقدي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المظهر‭ ‬والمخبر،‭ ‬ولكنها‭ ‬قريبة‭ ‬إلى‭ ‬قلبي‭ ‬جداً‭ ‬لأنها‭ ‬مزعجة‭ ‬ولأنها‭ ‬لا‭ ‬تحب‭ ‬الرتابة‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬إرغامها‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تقتنع‭! ‬نامي‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬فالساعة‭ ‬الآن‭ ‬العاشرة‭! ‬فترد‭ ‬بكل‭ ‬برود‭: ‬ومن‭ ‬قال‭ ‬لك‭ ‬ان‭ ‬النوم‭ ‬يأتي‭ ‬بالأمر‭ ‬في‭ ‬العاشرة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬العاشرة؟‭ ‬سؤال‭ ‬منطقي‭.‬

لم‭ ‬أكن‭ ‬أتصور‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬الشباب‭ ‬انه‭ ‬سيأتي‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬أعود‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬بيتي‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬معينة‭ ‬حاملا‭ ‬معي‭ ‬الخس‭ ‬والبطيخ‭ ‬والخبز‭ ‬والبنادول‭ (‬ما‭ ‬من‭ ‬امرأة‭ ‬إلا‭ ‬وتموت‭ ‬في‭ ‬البنادول‭!) ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أتصور‭ ‬انه‭ ‬سيأتي‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬أكون‭ ‬مسؤولاً‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬الحالة‭ ‬الصحية‭ ‬لـ«شخصة‮»‬‭ ‬تقيم‭ ‬معي‭ (‬والمشكلة‭ ‬هي‭ ‬ان‭ ‬النساء‭ ‬لا‭ ‬يصبن‭ ‬بالأمراض‭ ‬المستعصية‭ ‬أو‭ ‬المزمنة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬الزواج‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا