العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لماذا بهدلة اللغة

اعتز‭ ‬بقوة‭ ‬بأنني‭ ‬عاشق‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬لغتي‭ ‬الأم‭ (‬التي‭ ‬هي‭ ‬النوبية‭)‬،‭ ‬واعتز‭ ‬بالنهل‭ ‬مما‭ ‬تيسر‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬واعتز‭ ‬بحبي‭ ‬الشديد‭ ‬للشعر‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬جرير‭ ‬والفرزدق‭ ‬وليس‭ ‬انتهاء‭ ‬بقاسم‭ ‬حداد،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬عاتب‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬الخليج‭. ‬كيف‭ ‬يكفلون‭ ‬العمالة‭ ‬الآسيوية‭ ‬ثم‭ ‬يتركون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ - ‬لغة‭ ‬القرآن‭ - ‬تحت‭ ‬كفالة‭ ‬الآسيويين؟‭ ‬دخلت‭ ‬قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬بقالة‭ ‬يديرها‭ ‬هندي‭ ‬واشتريت‭ ‬علكة‭ ‬وسألته‭ ‬عن‭ ‬سعرها‭ ‬فقال‭: ‬ييك‭ ‬روبيه،‭ ‬فأعطيته‭ ‬ريالا‭ ‬وواصلت‭ ‬الوقوف‭ ‬أمامه،‭ ‬فقال‭ ‬لي‭: ‬كلاس‭ ‬بابا،‭ ‬ييك‭ ‬روبية‭ ‬بس‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬سيادة‭ (‬زيادة‭)‬،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬إنه‭ ‬طالما‭ ‬ان‭ ‬سعرها‭ ‬روبيه‭ ‬واحدا‭ ‬فإنني‭ ‬أريد‭ ‬‮«‬باقي‭ ‬المبلغ‮»‬،‭ ‬فلم‭ ‬يفهم‭ ‬مرادي‭ ‬فشرحت‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الريال‭ ‬يساوي‭ ‬نحو‭ ‬16‭ ‬روبية‭ ‬هندية،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يرد‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬15‭ ‬روبية،‭ ‬فنظر‭ ‬الي‭ ‬باستنكار‭ ‬وقال‭: ‬انت‭ ‬مُك‭ (‬مخ‭) ‬ما‭ ‬في‭ ‬بابا؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭: ‬تشيل‭ ‬مني‭ ‬13‭ ‬روبية‭ ‬ثم‭ ‬تشكك‭ ‬في‭ ‬قواي‭ ‬العقلية؟‭ ‬أنا‭ ‬بابا‭ ‬مال‭ ‬انت؟‭ (‬بالمصري‭: ‬كنت‭ ‬خلفتك‭ ‬ونسيتك؟‭).‬

الصحف‭ ‬العربية‭ ‬عموما‭ ‬ترفع‭ ‬شعار‭ ‬لا‭ ‬صوت‭ ‬يعلو‭ ‬فوق‭ ‬صوت‭ ‬الإعلان،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تجد‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬وصفحاتها‭ ‬الأولى‭ ‬مضروبة‭ ‬بالإعلانات،‭ ‬ونصف‭ ‬صفحاتها‭ ‬الداخلية‭ ‬ملغاة‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالضغط‭ ‬الإعلاني،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬ازدراء‭ ‬بالقارئ‭ ‬واستخفاف‭ ‬به،‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬قارئ‭ ‬يشتري‭ ‬صحيفة‭ ‬لقراءة‭ ‬إعلانات‭ ‬يعرف‭ ‬أنها‭ ‬تستهبله‭ ‬وتستكرده‭ ‬وتستغفله‭!! ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الإعلانات‭ ‬العربية‭ ‬عموما‭ ‬‮«‬تمتاز‮»‬‭ ‬بركاكة‭ ‬مثيرة‭ ‬للإعجاب،‭ (‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬خليجية‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬إعلان‭ ‬–‭ ‬والله‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أقول‭ ‬شهيد‭ ‬–‭ ‬فحواه‭ ‬كما‭ ‬يلي‭: ‬مطلوب‭ ‬خادمة‭ ‬‮«‬جديدة‮»‬‭ ‬واتصلت‭ ‬برقم‭ ‬هاتف‭ ‬صاحب‭ ‬الإعلان،‭ ‬متقمصا‭ ‬دور‭ ‬شخص‭ ‬يدير‭ ‬مكتبا‭ ‬لتوريد‭ ‬العمالة‭ ‬وسألته‭ ‬ماذا‭ ‬يقصد‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬الخادمة‭ ‬جديدة؟‭ ‬فصاح‭ ‬الله‭ ‬يفضح‭ ‬جماعة‭ ‬الجريدة‭. ‬أبلغت‭ ‬مسؤولا‭ ‬في‭ ‬الإعلانات‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬رغبتي‭ ‬في‭ ‬خادمة‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬خبرة‭ ‬خليجية،‭ ‬حتى‭ ‬تدربها‭ ‬زوجتي‭ ‬على‭ ‬يديها،‭ ‬فجعلوها‭ ‬‮«‬جديدة‮»‬‭).‬

ولا‭ ‬تتفوق‭ ‬على‭ ‬الإعلانات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الركاكة‭ ‬إلا‭ ‬أسماء‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية‭:  ‬‮«‬محلات‭ ‬التشويش‮»‬‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬متجرا‭ ‬يعلن‭ ‬صاحبه‭ ‬أن‭ ‬سيشوش‭ ‬عليك؟‭  ‬وهناك‭ ‬‮«‬ملحمة‭ ‬المواشي‮»‬‭: ‬ألا‭ ‬يعطي‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬الانطباع‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جزارين‭ ‬يذبحون‭ ‬البشر؟‭  ‬أو‭ ‬أن‭ ‬كلمة‭ ‬المواشي‭ ‬عائدة‭ ‬إلى‭ ‬أصحاب‭ ‬الملحمة؟‭  ‬هل‭ ‬تذكرون‭ ‬اسم‭ ‬المحل‭ ‬الذي‭ ‬حدثتكم‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الخرطوم‭ ‬بحري‭: ‬‮«‬ثلاجة‭ ‬البشرية‮»‬‭!! ‬هل‭ ‬هي‭ ‬مشرحة‭ ‬تابعة‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وتحفظ‭ ‬بها‭ ‬الجثث‭ ‬لبيعها‭ ‬لطلاب‭ ‬كليات‭ ‬الطب؟‭.. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬سطراً‭ ‬آخر‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬أزال‭ ‬مخاوفي‭: ‬هنا‭ ‬يباع‭ ‬الثلج‭ ‬البارد‭!! ‬وهكذا‭ ‬أساء‭ ‬بقصد‭ ‬أو‭ ‬بغير‭ ‬قصد‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬لأنه‭ ‬يوحي‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬ثلجا‭ ‬حارا‭ ‬أو‭ ‬ساخنا‭. ‬والله‭ ‬العظيم‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬العبارة‭ ‬التفسيرية‭ ‬مكتوبة‭ ‬هكذا‭: ‬هوناء‭ ‬يوباع‭ ‬الثلج‭ ‬البارد‭!!‬

إمارة‭ ‬رأس‭ ‬الخيمة‭ ‬سنت‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قانوناً‭ ‬يفرض‭ ‬غرامات‭ ‬مالية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬لافتة‭ ‬تجارية‭ ‬أو‭ ‬إعلانية‭ ‬بها‭ ‬خطأ‭ ‬لغوي،‭ ‬ولكنني‭ ‬تساءلت‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬سيوكل‭ ‬أمر‭ ‬تطبيق‭ ‬ذلك‭ ‬القانون؟‭  ‬حملة‭ ‬بكالريوسات‭ ‬آخر‭ ‬الزمن‭ ‬الذين‭ ‬يحدثونك‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬‮«‬الظاد»؟‭  ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فالخطوة‭ ‬جديرة‭ ‬بالإشادة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إزالة‭ ‬الأخطاء‭ ‬الصريحة‭ ‬فقط،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬فإن‭ ‬خزينة‭ ‬الإمارة‭ ‬ستمتلئ‭ ‬بالدراهم‭ ‬لأن‭ ‬أمر‭ ‬كتابة‭ ‬اللافتات‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬متروك‭ ‬لأبناء‭ ‬شبه‭ ‬القارة‭ ‬الهندية‭. ‬وإذا‭ ‬ضمنت‭ ‬لي‭ ‬سلطات‭ ‬الإمارة‭ ‬عمولة‭ ‬محددة‭ ‬فإنني‭ ‬ولكوني‭ ‬عشت‭ ‬تسع‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬وبي‭ ‬ولع‭ ‬بتجميع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعبث‭ ‬اللغوي،‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لتزويدها‭ ‬بملف‭ ‬كامل‭ ‬للجرائم‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬التجار‭ ‬بحق‭ ‬العربية،‭ ‬ولن‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬عينات‭ ‬منها‭ ‬هنا‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬مقاضاة‭ ‬أولئك‭ ‬التجار‭ ‬لي‭ ‬وللصحيفة،‭ ‬ولكنني‭ ‬سأذكر‭ ‬اسم‭ ‬صيدلية‭ ‬أغلقت‭ ‬أبوابها‭: ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬اسمها‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬‮«‬فيروز‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬الخطاط‭ ‬أسماها‭ ‬بالعربية‭ ‬‮«‬فيروس‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬البدهي‭ ‬أن‭ ‬تفلس‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬إغلاقها‭!!‬

ومؤسسة‭ ‬‮«‬الانطلاقة‮»‬‭ ‬صارت‭ ‬بالترجمة‭ ‬الهندوغلوفية‭ ‬راشنس‭ ‬rashness‭ ‬للمقاولات،‭ ‬والكلمة‭ ‬تعني‭ ‬التهور‭ ‬والاندفاع‭ ‬دون‭ ‬حساب‭ ‬العواقب،‭ ‬وهكذا‭ ‬جنى‭ ‬مترجم‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬واختفت‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬المقاولات‭ (‬يشهد‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬حدث‭ ‬فعلا‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬الخرطوم‭ ‬محل‭ ‬للحلاقة‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬صالون‭ ‬‮«‬زعمطة‮»‬،‭ ‬والزعمطة‭ ‬في‭ ‬العامية‭ ‬السودانية‭ ‬هي‭ ‬النتف‭ ‬والقص‭ ‬العشوائي،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬الصالون‭ ‬من‭ ‬الناطقين‭ ‬بغير‭ ‬العربية‭ ‬وراح‭ ‬ضحية‭ ‬خطاط‭ ‬مهذار‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬صالونه‭ ‬صار‭ ‬ناجحا‭ ‬لأن‭ ‬غرابة‭ ‬الاسم‭ ‬جذبت‭ ‬اليه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشبان،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فمعظم‭ ‬قصّات‭ ‬الشعر‭ ‬الشبابية‭ ‬في‭ ‬زماننا‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬زعمطة‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا