العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن بركاتي المكتسبة والموروثة

كتبت‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬عن‭ ‬عشبة‭ ‬قام‭ ‬لبنانيون‭ ‬بتسويقها‭ ‬بزعم‭ ‬انها‭ ‬تقوم‭ ‬مقام‭ ‬الحبة‭ ‬الزرقاء،‭ ‬وكان‭ ‬دليلهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬رعاة‭ ‬الضأن‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬البلاد‭ ‬اكتشفوا‭ ‬فعالية‭ ‬تلك‭ ‬النبتة‭ ‬واسمها‭ ‬شرش‭ ‬الزلوع‭ ‬مع‭ ‬التيوس،‭ ‬وبهذا‭ ‬قال‭ ‬من‭ ‬تولوا‭ ‬الترويج‭ ‬لتلك‭ ‬النبتة‭ ‬ان‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬أولى‭ ‬من‭ ‬الغنم‭ ‬والبقر‭ ‬بتلك‭ ‬النبتة،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬لها‭ ‬الرواج،‭ ‬وإلا‭ ‬لطلع‭ ‬علينا‭ ‬البعض‭ ‬بزعم‭ ‬ان‭ ‬أكل‭ ‬التِبِن‭ ‬يطيل‭ ‬الشعر‭ ‬والعمر‭.‬

في‭ ‬السودان،‭ ‬وبفضل‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬لدينا‭ ‬عشبة‭ ‬اسمها‭ ‬المورينقا‭ ‬التي‭ ‬يقال‭ ‬إنها‭ ‬تعالج‭ ‬360‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الأمراض،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬العشابون‭ ‬عندنا‭ ‬يبذلون‭ ‬الجهد‭ ‬والوقت‭ ‬لاختراع‭ ‬امراض‭ ‬يستكملون‭ ‬بها‭ ‬القائمة‭ ‬تلك،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نبشوا‭ ‬في‭ ‬الموسوعات‭ ‬الطبية‭ ‬ولم‭ ‬يجدوا‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬مرض،‭ ‬وعلينا‭ ‬تقديم‭ ‬الدعوة‭ ‬لمواطنين‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العرب،‭ ‬لحضور‭ ‬ندوة‭ ‬عن‭ ‬إنجازات‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الطب‭ ‬الحديث،‭ ‬وإقناعهم‭ ‬بأن‭ ‬المورينقا‭ ‬تخفض‭ ‬الكولسترول‭ ‬وتقوم‭ ‬مقام‭ ‬الديتول،‭ ‬بل‭ ‬وبديل‭ ‬مضمون‭ ‬المفعول‭ ‬للبترول،‭ ‬وتجعل‭ ‬الطفل‭ ‬ابن‭ ‬الستة‭ ‬شهور‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬أبو‭ ‬الهول

وبالمناسبة‭ ‬فقد‭ ‬تداويت‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭ ‬وصباي‭ ‬بنبتات‭ ‬الحرجل‭ ‬والحلبة‭ ‬والسنمكة،‭ ‬وعندما‭ ‬تعرضت‭ ‬لكسر‭ ‬في‭ ‬العظام‭ ‬صنعوا‭ ‬لي‭ ‬جبيرة‭ ‬من‭ ‬جريد‭ ‬النخل،‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬‮«‬الجبس‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬الأعلاف‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نتداوى‭ ‬بها‭ ‬مجربة‭ ‬عبر‭ ‬القرون،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬فهلوة‭ ‬تجعل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هب‭ ‬ودب‭ ‬يعمل‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬حكيم‭ ‬وبصير‮»‬،‭ ‬ويبيع‭ ‬الحشائش‭ ‬عبر‭ ‬منافذ‭ ‬أنيقة،‭ ‬وأذكر‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬وقبل‭ ‬الانتشار‭ ‬الوبائي‭ ‬للبلطجة‭ ‬العشبية،‭ ‬أن‭ ‬سودانيا‭ ‬زعم‭ ‬في‭ ‬التسعينات‭ ‬أنه‭ ‬توصل‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬للبرسيم‭ ‬نفس‭ ‬خصائص‭ ‬الحبة‭ ‬الزرقاء،‭ ‬وصدقه‭ ‬كثيرون،‭ ‬وضايقوا‭ ‬المواشي‭ ‬في‭ ‬قوتها،‭ ‬ثم‭ ‬اقتنعوا‭ ‬عن‭ ‬تجربة،‭ ‬بأن‭ ‬البرسيم‭ (‬الجت‭) ‬يجعل‭ ‬الرجل‭ ‬‮«‬بهيم‭ ‬وعقيم‮»‬‭!! ‬وعن‭ ‬تجربة‭ ‬أعيد‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬كتبت‭ ‬عنه‭ ‬كثيرا،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬علاج‭ ‬للسعال‭ ‬الديكي‭ ‬هو‭ ‬لبن‭ ‬الحمير‭!! ‬لبن‭ ‬أنثى‭ ‬الحمار‭ ‬بالتحديد‭! ‬فقد‭ ‬عالجني‭ ‬أهلي‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المرض‭ ‬اللعين‭ ‬بأن‭ ‬سقوني‭ ‬لبن‭ ‬حمارة‭ ‬جربانة‭ ‬ليومين‭ ‬متتاليين‭ ‬فشفيت‭ ‬تمامًا،‭ ‬ولكن‭ ‬ومن‭ ‬يومها‭ ‬لم‭ ‬أنجح‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬أي‭ ‬مسألة‭ ‬رياضيات،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬لبن‭ ‬الحمير‭ ‬يحصن‭ ‬الإنسان‭ ‬ضد‭ ‬الرياضيات‭ ‬عموما‭ ‬والجبر‭ ‬خصوصا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ضد‭ ‬الفيزياء‭ ‬والكيمياء‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬تسبب‭ ‬بواسير‭ ‬الدماغ،‭ ‬وتصلُّب‭ ‬النخاع‭. ‬وأفاد‭ ‬شهود‭ ‬عيان‭ ‬أن‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬كان‭ ‬مصابا‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬بالتهاب‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬أذنيه‭ ‬لأشهر‭ ‬طويلة،‭ ‬وبفضل‭ ‬الوصفات‭ ‬العجيبة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬صب‭ ‬الزيت‭ ‬الدافئ‭ ‬المخلوط‭ ‬بالعطرون‭ (‬الكربونات‭ ‬الحجرية‭) ‬في‭ ‬الأذن‭ ‬المصابة،‭ ‬بدأت‭ ‬الأذن‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬الحمم‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬والجيوب‭ ‬الأنفية،‭ ‬ثم‭ ‬كنت‭ ‬أداعب‭ ‬قطة‭ ‬صغيرة،‭ ‬وأمسكت‭ ‬بقدمها‭ ‬الأمامية‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬حك‭ ‬أذني‭ ‬الملتهبة‭ ‬بمخالبها،‭ ‬حتى‭ ‬نزفت‭ ‬دما‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬لذكرها‭. ‬وشفيت‭ ‬أذني‭ ‬تماما‭.‬

أي‭ ‬والله‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬الأهل‭ ‬والجيران‭. ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬اعتبرني‭ ‬الأهل‭ ‬والجيران‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الكرامات،‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬المحرومات‭ ‬من‭ ‬الإنجاب‭ ‬كن‭ ‬يقدمن‭ ‬لي‭ ‬الحلوى،‭ ‬ويتمسحن‭ ‬بي‭ ‬طلبا‭ ‬للمعجزات،‭ ‬وإن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬تطلقت‭ ‬من‭ ‬زوجها،‭ ‬أو‭ ‬فقدت‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬الإنجاب‭ ‬نهائيًا‭. ‬وما‭ ‬عزز‭ ‬مكانتي‭ ‬الإعجازية‭ ‬والكرامية‭ ‬والبركاتية،‭ ‬أن‭ ‬أجدادي‭ ‬كانوا‭ ‬فقهاء،‭ ‬ويداوون‭ ‬الناس‭ ‬بالقرآن،‭ ‬وإلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقسمون‭ ‬بقبور‭ ‬أجدادي،‭ ‬ويقدمون‭ ‬إليها‭ ‬النذور،‭ ‬وافترضت‭ ‬تلك‭ ‬الجماهير‭ ‬الوفية‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬مبروك‮»‬‭ ‬بالوراثة‭ ‬ولكنها‭ ‬صدمت‭ ‬عندما‭ ‬التحقت‭ ‬بالمدارس‭ ‬النظامية‭ ‬ثم‭ ‬قررت‭ ‬دخول‭ ‬الجامعة‭ ‬فأشاعوا‭ ‬أنني‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬شيوعيا‭ ‬ملعونا‮»‬‭ ‬وجردوني‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الكرامات‭ ‬والبركات‭.‬‮ ‬

وقد‭ ‬قررت‭ ‬الآن‭ ‬مراجعة‭ ‬موقفي،‭ ‬واسترداد‭ ‬بركاتي‭ ‬الوراثية،‭ ‬وسجادة‭ ‬أجدادي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬السوق‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أمثالي‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يجمعون‭ ‬بين‭ ‬عنصري‭ ‬الوراثة‭ ‬والدراسة،‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطب‭ ‬والصيدلة‭ ‬وإعداد‭ ‬‮«‬العمل‮»‬‭ ‬لكل‭ ‬حالة،‭ ‬وتحصين‭ ‬أندية‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬من‭ ‬الهزيمة‭ ‬باستخدام‭ ‬عنصري‭ ‬الوراثة‭ ‬والانترنت،‭ ‬مما‭ ‬سيضفي‭ ‬علي‭ ‬هيبة‭ ‬إضافية،‭ ‬ويؤهلني‭ ‬لأكون‭ ‬دجالا‭ ‬عصريا‭ ‬يرتدي‭ ‬الجاكيت‭ ‬والكرافتة،‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬الجن‭ ‬و«السوفت‭ ‬وير‮»‬‭ ‬والضب‭ ‬الأعور‭ ‬و«الماوس‮»‬،‭ ‬وترقبوا‭ ‬قريبا‭ ‬إعلانا‭ ‬تلفزيونيا‭ ‬‮«‬مستوصف‭ ‬سي‭. ‬دي‭. ‬جعفر‭ ‬عباس،‭ ‬لعلاج‭ ‬عسر‭ ‬الهضم‭ ‬والنعاس،‭ ‬وحسم‭ ‬الوسواس‭ ‬الخناس‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا