العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«ميتا» والتلاعب بالعقل البشري

بقلم: يوسف صوفـي

الثلاثاء ٠٦ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

الـ«ميتا‮»‬،‭ ‬هو‭ ‬شيء‭ ‬أصبح‭ ‬فجأة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أجندة‭ ‬ضخمة‭ ‬متعددة‭ ‬المستويات‭ ‬لاستيعاب‭ ‬الوعي‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكتروني‭ ‬ليخلق‭ ‬تجربة‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬افتراضي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬محاكاة‭ ‬العواطف‭ ‬والإيماءات‭ ‬البشرية‭. ‬يشمل‭ ‬الـ«ميتا‮»‬‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بأكملها‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الفعلي‭ ‬والافتراضي‭ ‬للتلاعب‭ ‬بالعقل‭ ‬والإدراك‭ ‬البشري‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬إدراك‭ ‬الفرق‭ ‬بينهما‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الفكرة‭!‬‮ ‬

إن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مايكروسوفت‭ (‬أي‭ ‬بيل‭ ‬جيتس‭) ‬وفيسبوك‭ (‬أي‭ ‬مارك‭ ‬زوكربيرج‭) ‬جعلت‭ ‬هذا‭ ‬حقيقة‭ ‬واقعة‭. ‬لنبدأ‭ ‬بمارك‭ ‬زوكربيرج‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬رواد‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الكبرى‭ (‬فيسبوك‭) ‬التي‭ ‬توسعت‭ ‬لتصبح‭ ‬المنظمة‭ ‬المروعة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬عليها‭ ‬الآن‭. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬زوكربيرج‭ ‬متورطاً،‭ ‬فهذا‭ ‬أمر‭ ‬سيئ‭ ‬للإنسانية‭. ‬فقد‭ ‬أشرف‭ ‬وهيأ‭ ‬منظمة‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬أضرار‭ ‬سيكولوجية‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬لأعداد‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬وخاصة‭ ‬الشباب،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬عنها‭ ‬علناً‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التلاعب‭ ‬بوعي‭ ‬وتصورات‭ ‬ونفسية‭ ‬الشباب‭ ‬والأشخاص‭ ‬المعرضين‭ ‬للخطر‭ ‬لتحقيق‭ ‬الربح‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬واحد‭ ‬ولتحقيق‭ ‬شيء‭ ‬أكثر‭ ‬شراً‭ ‬وفظاعة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬آخر‭. ‬لقد‭ ‬انتحر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬وشباب‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الزهور‭ ‬بسبب‭ ‬أشياء‭ ‬حدثت‭ ‬عبر‭ ‬الفيسبوك‭ ‬ومع‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الأخرى‭ (‬إنستغرام،‭ ‬يوتيوب،‭ ‬جوجل،‭ ‬تويتر‭). ‬‮  ‬

ولنأخذ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فرض‭ ‬الرقابة‭ ‬المنهجية‭ (‬في‭ ‬فترة‭ ‬جائحة‭ ‬الإنفلونزا‭ ‬الموسمية‭) ‬وحذف‭ ‬أي‭ ‬معلومات‭ ‬أخرى‭ ‬متعلقة‭ ‬بهذه‭ ‬اللقاحات‭ ‬المزيفة‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬الحقيقي،‭ ‬ومنح‭ ‬الجمهور‭ ‬الموافقة‭ ‬المستنيرة‭ ‬في‭ ‬منصاتهم‭ ‬الاجتماعية‭ (‬أي‭ ‬رؤية‭ ‬جميع‭ ‬جوانب‭ ‬القصة‭) ‬قبل‭ ‬موافقتهم‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬تقنية‭ ‬النانو‭ ‬الاصطناعية،‭ ‬وأكسيد‭ ‬الجرافين،‭ ‬في‭ ‬أجسادهم‭ (‬انظر‭ ‬إلى‭ ‬أرقام‭ ‬الوفيات‭ ‬والدمار‭ ‬الصحي،‭ ‬التي‭ ‬يتسبب‭ ‬فيها‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬الموافقة‭ ‬المستنيرة‭). ‬فإذا‭ ‬أراد‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬سيئ‭ ‬للإنسانية‭. ‬إنه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يروج‭ ‬لهذا‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬المتحول‭ ‬لالتقاط‭ ‬الإدراك‭ ‬البشري‭. ‬‮  ‬

‭ ‬لويس‭ ‬روزنبرغ،‭ ‬عالم‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬المعروف‭ ‬بتطوير‭ ‬أول‭ ‬نظام‭ ‬واقع‭ ‬معزز‭ ‬وظيفي‭ ‬في‭ ‬مختبر‭ ‬أبحاث‭ ‬القوات‭ ‬الجوية،‭ ‬ومؤسس‭ ‬شركة‭ ‬الواقع‭ ‬الافتراضي‭ ‬للكمبيوتر‭ (‬إيميرشون‭) ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دمج‭ ‬الواقع‭ ‬الافتراضي‭ ‬والواقع‭ ‬المعزز‭ ‬وجعل‭ ‬الناس‭ ‬يتفاعلون‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الرقمي‭ ‬لجزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬الواقع‭ ‬يختفي‭! ‬هذه‭ ‬بعض‭ ‬النقاط‭ ‬المقتبسة‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭:‬‮ ‬

‮«‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬إحساسنا‭ ‬بالواقع‭ ‬ويشوه‭ ‬كيفية‭ ‬تفسير‭ ‬تجربتنا‭ ‬اليومية‭ ‬المباشرة،‭ ‬سوف‭ ‬يمتلئ‭ ‬محيطنا‭ ‬بالأشخاص‭ ‬والأماكن‭ ‬والأشياء‭ ‬والأنشطة‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ستبدو‭ ‬أصيلة‭ ‬للغاية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‮»‬‭.‬

‮«‬المجتمع‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬خطيرة،‭ ‬والواقع‭ ‬المعزز‭ ‬لديه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تضخيم‭ ‬المخاطر‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬لم‭ ‬نشهدها‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬تخيل‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬في‭ ‬بلدتك‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬تمر‭ ‬على‭ ‬الممشى‭ ‬الجانبي،‭ ‬يشبه‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬اليوم،‭ ‬باستثناء‭ ‬أنه‭ ‬يطفو‭ ‬فوق‭ ‬رأس‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬ترى‭ ‬فقاعة‭ ‬كبيرة‭ ‬متوهجة‭ ‬من‭ ‬المعلومات،‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬النية‭ ‬بريئة‭ (‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭)‬،‭ ‬مما‭ ‬يسمح‭ ‬للأشخاص‭ ‬بمشاركة‭ ‬هواياتهم‭ ‬واهتماماتهم‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ (‬حسنًا،‭ ‬اعتدنا‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بـ«المحادثة‮»‬،‭ ‬هل‭ ‬تتذكر؟‭)‬

‮«‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬الأطراف‭ ‬الثلاثة‭ ‬يمكنها‭ ‬إدخال‭ ‬المحتوى‭ ‬الخاص‭ ‬بهم‭ (‬ربما‭ ‬كطبقة‭ ‬مدفوعة‭ ‬الأجر‭) ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬لبعض‭ ‬اللاعبين‭ ‬رؤيتها‭ ‬ويستخدمون‭ ‬تلك‭ ‬الطبقة‭ ‬لوضع‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬بكلمات‭ ‬وامضة‭ ‬جريئة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬مدمن‭ ‬كحول،‭ ‬أو‭ ‬مهاجر،‭ ‬أو‭ ‬ملحد،‭ ‬أو‭ ‬عنصري،‭ ‬أو‭ ‬كلمات‭ ‬أقل‭ ‬مشحونة‭ ‬مثل‭ ‬ديمقراطي‭ ‬أو‭ ‬جمهوري،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬علامة‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬الآخرين‭ ‬يمكنهم‭ ‬رؤيتهم‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة،‭ ‬ويمكن‭ ‬بسهولة‭ ‬تصميم‭ ‬التراكبات‭ ‬الافتراضية‭ ‬لتضخيم‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي،‭ ‬ونبذ‭ ‬مجموعات‭ ‬معينة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إثارة‭ ‬الكراهية‭ ‬وانعدام‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬دموية‮»‬‭. ‬‮ ‬

لذا‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬إنشاؤه‭ ‬تقنياً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬حولنا‭ ‬هو‭ ‬إنشاء‭ ‬هذه‭ ‬الطبقات‭ ‬الأخرى‭ ‬داخل‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬لإيقاعنا‭ ‬في‭ ‬شرك‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬نفقد‭ ‬تماماً‭ ‬أي‭ ‬إحساس‭ ‬بالوجود‭ (‬الواقع‭ ‬الأساسي‭) ‬واتصالنا‭ ‬مع‭ ‬خالق‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬تصبح‭ ‬النفس‭ ‬بأكملها‭ ‬مفتونة‭ ‬تماماً‭ ‬ومستوعبة‭ ‬التزييف‭ ‬المولد‭ ‬تكنولوجياً‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الذي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليه‭ ‬قوة‭ ‬غير‭ ‬إنسانية‭ ‬ذات‭ ‬توجهات‭ ‬شيطانية‭! ‬لقد‭ ‬عشنا‭ ‬فترة‭ ‬كافية‭ ‬لرؤية‭ ‬هذا‭ ‬التقدم‭ ‬السريع‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬من‭ ‬الأجهزة‭ ‬المحمولة،‭ ‬وحتى‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬المحمول‭ ‬إلى‭ ‬الأجهزة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬ارتداؤها‭. ‬لقد‭ ‬وصلنا‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬الأجهزة‭ ‬القابلة‭ ‬للزرع‭ (‬انظر‭ ‬إلى‭ ‬شريحة‭ ‬إيلون‭ ‬ماسك‭). ‬‮ ‬

نحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الرقائق‭ ‬الدقيقة‭ ‬القابلة‭ ‬للزرع‭ ‬ومازال‭ ‬الناس‭ ‬يتساءلون‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬بعد؟‭  ‬الخطة‭ ‬هي‭ ‬ربط‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بالعقل‭ ‬البشري‭. ‬يكمن‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جعل‭ ‬الناس‭ ‬يدمنون‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬هواتفهم‭ ‬الذكية‭ ‬كخطوة‭ ‬أولى،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تستدرجهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدامهم‭ ‬الأجهزة‭ ‬القابلة‭ ‬للارتداء،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يدخل‭ ‬الأمر‭ ‬تحت‭ ‬الجلد‭ ‬البشري‭. ‬ماذا‭ ‬سيحدث‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬لوعي‭ ‬وإدراك‭ ‬الجنس‭ ‬البشري‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬ربطه‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي؟‭ ‬ماذا‭ ‬سيحدث‭ ‬للذكاء‭ ‬الطبيعي‭ ‬ومهارات‭ ‬التفكير‭ ‬الناقد؟‮ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا