الاستنبات هو جلب بذور من بيئة معينة وزرعها في بيئة أخرى، وقد تكون هذه البذور بذورا علمية تتفق عليها الأمم، فمثلًا: اتفقت البشرية على أن الحقائق ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وأنه ليس هناك كيمياء أمريكية، وكيمياء روسية، كما أنه ليس هناك كهرباء بريطانية، وأخرى فرنسية وفي الوقت الذي تتفق فيه البشرية حول هذه المفاهيم العلمية، فإن الأمم تختلف حول التقاليد والأعراف، فكل أمة لها تقاليدها وأعرافها، وبقدر اتفاق البشرية على الحقائق العلمية، فهي تختلف حول الأعراف والتقاليد، وكما أن سبيل الأمم إلى التقدم هو الإجماع على ضرورة وأهمية استنبات بذور النهضة العلمية، وجلب العقول العلمية المتميزة في الشرق والغرب وذلك لإحداث نهضة علمية تدفع الأمة إلى اللحاق بركب التقدم، وتخير أفضل العقول التي برعت في شتى ميادين العلم، من المعوقات التي يضعها الغرب في سبيل مشروع النهضة العلمية الإسلامية، فالغرب مثلًا يمنع الطلبة الذين ينتمون إلى الدول الإسلامية من الحصول على دراسات علمية تتعلق بعلوم الذرة، وحين يرى الغرب طلبة نابهين في هذه المجالات يحاول أن يستقطبهم، فإن لم يستطع ذلك تخلص منهم بالقتل.
أما ما يخص استنبات المدنية التي لها علاقة بالأعراف والتقاليد، والتي هي بعيدة كل البعد عن المجالات العلمية، والتي تتعلق بالذرة وعلومها، واستنبات بذورها التي يخشى الغرب من ظهور نوابغ من علماء الإسلام، وتأملوا كيف يهتم الغرب بالدراسات الإنسانية التي تتعلق بحياة الإنسان والبيئة التي يعيش فيها، ويعايشها، ولنضرب مثالًا في مجال التربية والتعليم ، ومحاولة غرس مفاهيم تتصادم مع تعاليم الإسلام، فينشأ الطلاب على قيم ومفاهيم ليست إسلامية، بل وتصادم القيم الإسلامية، ويرغب فيها وما تعاني منه بعض المجتمعات الإسلامية مع هذه المنظومات التربوية التي ليست بسببها، بل بسبب جهلنا في كيفية التعامل معها وذلك حين نأخذ جانبًا منها ونهمل جوانبها الأخرى هذا هو السبب في نجاح هذه المنظومات في الغرب وفشلها عندنا.
كذلك في ميدان هندسة البناء التي لا تقوم على قيم في بلادنا الإسلامية لكن المهندسين الذين تلقوا علومهم في الغرب والشرق يقتطعون بعض هذه المفاهيم الشاذة حين تتعارض مع تعاليم الإسلام، فيجعلون مثلًا فناء البيت أو (الحوش) هو فًي الوسط وتحيط به الغرف من كل الجهات، فتحافظ على خصوصية المكان بينما لا تتحقق هذه الخصوصية لو بُني الفناء أو الحوش في الخارج والغرف في الداخل، أيضًا حين يتم بناء الشرفات التي لا تجد ربة المنزل أي بأس في أن تجلس في الشرفة وهي بقميص النوم.
كذلك يأتي دعاة العصرية والفرنجة بأفكار تحررية لا يرون فيها بأسًا، وهي في الواقع يأباها الإسلام ويستنكرها، ومن هذه الأفكار إطلاق العنان والحرية للبنت حين تبلغ الثمانية عشرة من عمرها أن تعيش وحدها، ولها الحرية في أن تساكن من تشاء من الرجال، وأن تتولى بنفسها أمر معيشتها، وهذا أمر لا يقبله الإسلام، لأن البنت في الإسلام تظل في مسؤولية أسرتها المتمثلة في الأب والأشقاء، وإذا تغيرت أحوالها بالطلاق أو بموت زوجها – كما أشرنا إلى ذلك من قبل– إذًا فالفتاة في الإسلام تظل في بيت والدها أو أشقائها حتى تتزوج، فإذا طلقت أو مات عنها زوجها عادت إلى بيت الأسرة، وإذا لم توفق في زيجة أخرى تعود الفتاة إلى رعاية الأسرة، ولهذا فلا نعجب حين نرى اهتمام الإسلام بالأسرة وتماسكها، يقول تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريما (23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا (24)) سورة الإسراء.
إذًا، فالكفالة متبادلة في الإسلام، وهذا ما أشارت إليه الآيتان في سورة الإسراء، وأن ما يقدمه الأبناء إلى آبائهم تضمنت من إحسان ورعاية هو سداد دَيْنٍ مستحق على الأبناء لآبائهم.
ذلكم هو الإسلام، وذلك هو عطاؤه ورعايته التي يبذلها للمرأة في جميع أحوالها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك