العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

برنامج توعية المقبلين على الزواج ضرورة لتحقيق الاستقرار الأسري

بقلم: نبيلة رجب

الأربعاء ٣١ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬إطار‭ ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري،‭ ‬نظم‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬والأوقاف‭ ‬برنامجا‭ ‬توعويا‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬الشرعية‮»‬‭. ‬يهدف‭ ‬البرنامج‭ ‬إلى‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مكتب‭ ‬التوفيق‭ ‬الأسري‭ ‬التابع‭ ‬لوزارة‭ ‬العدل‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬الخلافات‭ ‬الزوجية‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭.‬

خلال‭ ‬حضوري‭ ‬البرنامج،‭ ‬جلست‭ ‬إلى‭ ‬جانبي‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬الثلاثينات‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬تبدو‭ ‬عليها‭ ‬آثار‭ ‬الإرهاق‭ ‬ومن‭ ‬المداخلة‭ ‬التي‭ ‬تقدمت‭ ‬بها‭ ‬يتضح‭ ‬تصدع‭ ‬علاقتها‭ ‬الزوجية‭. ‬بجانبها‭ ‬تجلس‭ ‬ابنتها،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬السبع‭ ‬سنوات،‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬دفترها،‭ ‬تنسج‭ ‬ببراءتها‭ ‬عبارات‭ ‬‮«‬أحبك‭ ‬أمي‮»‬‭ ‬وترسم‭ ‬وكأنها‭ ‬تعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬حياة‭ ‬أمها‭ ‬بأسلوب‭ ‬طفولي‭. ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬كنت‭ ‬أنظر‭ ‬إليها‭ ‬وأبدي‭ ‬إعجابي‭ ‬بصمت،‭ ‬مستشعرًا‭ ‬عمق‭ ‬الحب‭ ‬من‭ ‬أناملها‭. ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الندوة،‭ ‬اقتربت‭ ‬مني‭ ‬الطفلة‭ ‬بنظرة‭ ‬بريئة‭ ‬وقدمت‭ ‬لي‭ ‬قصاصة‭ ‬مطوية‭ ‬بابتسامة‭ ‬خجولة‭ ‬وقالت‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬لك‮»‬‭. ‬فتحتها‭ ‬لأجد‭ ‬رسمة‭ ‬لفتاة‭ ‬بفستان‭ ‬مزين‭ ‬بقلب‭ ‬كبير‭. ‬هدية‭ ‬صغيرة‭ ‬لكنها‭ ‬بحجم‭ ‬الكون،‭ ‬شعرت‭ ‬بمشاعر‭ ‬مختلطة‭ ‬حينها‭. ‬تساءلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭: ‬ألا‭ ‬تستحق‭ ‬هذه‭ ‬الصغيرة‭ ‬أن‭ ‬تنشأ‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أبوين‭ ‬متفاهمين،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬النزاعات‭ ‬والتوترات؟

الزواج‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬قرار،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬التزام‭ ‬عميق‭ ‬يتخذه‭ ‬الشخص‭ ‬بروحه‭ ‬وقلبه‭. ‬هو‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬التي‭ ‬تُبنى‭ ‬عليها‭ ‬أسرته،‭ ‬والشريك‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬دروب‭ ‬الحياة،‭ ‬والمأوى‭ ‬الذي‭ ‬يحتضنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأوقات‭. ‬يعتبر‭ ‬الزواج‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المجتمع‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬إعداد‭ ‬دقيق‭ ‬وحقيقي‭ ‬للمقبلين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭. ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬وجود‭ ‬برنامج‭ ‬توعوي‭ ‬إلزامي،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬شرط‭ ‬التقدم‭ ‬بشهادة‭ ‬الفحص‭ ‬الطبي‭ ‬قبل‭ ‬عقد‭ ‬القران،‭ ‬لتمهيد‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬الأزواج‭ ‬لتأسيس‭ ‬حياة‭ ‬مشتركة‭ ‬صحية‭ ‬مليئة‭ ‬بالتفاهم‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭.‬

الغاية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التهيئة‭ ‬ليست‭ ‬إجراءً‭ ‬روتينيا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬إعداد‭ ‬لبناء‭ ‬أسرة‭ ‬قوية‭ ‬تنبض‭ ‬بالحب‭ ‬والتفاهم،‭ ‬أسرة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬وتربية‭ ‬أبناء‭ ‬يتمتعون‭ ‬بصحة‭ ‬نفسية‭ ‬واستقرار‭ ‬عاطفي‭. ‬أبناء‭ ‬يصبحون‭ ‬نجوما‭ ‬تضيء‭ ‬مستقبل‭ ‬أوطانهم‭. ‬هذا‭ ‬الإعداد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬الطلاق‭ ‬والنزاعات‭ ‬الأسرية،‭ ‬ويعزز‭ ‬من‭ ‬تماسك‭ ‬المجتمع‭ ‬واستقراره،‭ ‬ليصبح‭ ‬نسيجا‭ ‬متينا‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬القوية‭ ‬والمستدامة‭.‬

تجربة‭ ‬تستحق‭ ‬الإشادة‭:‬

أطلقت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬إعداد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تأهيل‭ ‬الشباب‭ ‬المقبلين‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬وتمكينهم‭ ‬من‭ ‬تحمل‭ ‬مسؤولياتهم‭ ‬الأسرية‭ ‬وتزويدهم‭ ‬بالمعرفة‭ ‬والمهارات‭ ‬اللازمة‭ ‬لبناء‭ ‬أسرة‭ ‬آمنة‭ ‬ومستقرة‭. ‬يشمل‭ ‬البرنامج‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬ومحاضرات‭ ‬تتناول‭ ‬مهارات‭ ‬التواصل‭ ‬وحل‭ ‬النزاعات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬استشارات‭ ‬نفسية،‭ ‬اجتماعية،‭ ‬دينية،‭ ‬أسرية‭ ‬واقتصادية‭ ‬للمقبلين‭ ‬على‭ ‬الارتباط‭. ‬ويكون‭ ‬حضور‭ ‬البرنامج‭ ‬إلزاميا‭ ‬لمستحقي‭ ‬المنحة‭ ‬المالية‭ ‬للمتزوجين‭ (‬الزوج‭ ‬والزوجة‭).‬

لا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬تنامي‭ ‬ظاهرة‭ ‬الطلاق‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭ ‬ويؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬التفكير‭ ‬بشكل‭ ‬جاد‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬إعداد‭ ‬الشباب‭ ‬المقبلين‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬النواحي‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬لتجنب‭ ‬الخلافات‭ ‬الزوجية‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬بهم‭ ‬للطلاق‭. ‬تشير‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التأهيل‭ ‬المسبق‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬النزاعات‭ ‬الزوجية‭ ‬وزيادة‭ ‬فرص‭ ‬النجاح‭ ‬الزوجي‭. ‬وفقا‭ ‬لدراسة‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬Journal‭ ‬of‭ ‬Family‭ ‬Psychology‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬الجمعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لعلم‭ ‬النفس،‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬الأزواج‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬التأهيل‭ ‬قبل‭ ‬الزواج‭ ‬كانت‭ ‬نسبة‭ ‬الطلاق‭ ‬لديهم‭ ‬أقل‭ ‬30%‭ ‬مقارنة‭ ‬بأولئك‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يشاركوا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البرامج‭. ‬وهذه‭ ‬النتائج‭ ‬تؤكد‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭ ‬أهمية‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التأهيل‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬لبناء‭ ‬علاقات‭ ‬زوجية‭ ‬ناجحة‭.‬

بناء‭ ‬علاقات‭ ‬زوجية‭ ‬صحية‭ ‬ومستدامة‭ ‬يتطلب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاستعدادات‭ ‬النفسية‭ ‬والفكرية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬برامج‭ ‬توجيهية‭. ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬ليست‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لنجاح‭ ‬العلاقة‭ ‬الزوجية،‭ ‬لكنها‭ ‬تسهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬المهارات‭ ‬الضرورية‭ ‬المطلوبة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭. ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬التوقعات‭ ‬المثالية‭ ‬التي‭ ‬تروجها‭ ‬المسلسلات‭ ‬ومنصات‭ ‬التواصل،‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬الزواج‭ ‬هو‭ ‬علاقة‭ ‬تشاركية‭ ‬تتطلب‭ ‬الوعي‭ ‬والصبر‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التفاهم‭ ‬المتبادل‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬عقبة‭ ‬محتملة،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬فرص‭ ‬النجاح‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭. ‬كمجتمع،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتكاتف‭ ‬لتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬والتوجيه‭ ‬للشباب‭ ‬المقبلين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬لضمان‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬مثمرة‭ ‬ومستقرة‭.‬

وفقا‭ ‬لجون‭ ‬غراي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬الرجال‭ ‬من‭ ‬المريخ‭ ‬والنساء‭ ‬من‭ ‬الزهرة‮»‬،‭ ‬التواصل‭ ‬الفعال‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬المتين‭ ‬للعلاقات‭ ‬الصحية‭ ‬والمزدهرة‭. ‬إن‭ ‬فهم‭ ‬الفروق‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬العميقة‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬لا‭ ‬يحسن‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬بفعالية،‭ ‬بل‭ ‬يفتح‭ ‬أبواباً‭ ‬لحل‭ ‬الخلافات‭ ‬وتأسيس‭ ‬جسور‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬العميق‭. ‬هذا‭ ‬الوعي‭ ‬المتبادل‭ ‬يعزز‭ ‬الاحترام‭ ‬ويؤسس‭ ‬لعلاقات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬والتفاهم،‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬روابط‭ ‬قوية‭ ‬ودائمة‭ ‬تتحدى‭ ‬الزمن‭ ‬والصعاب‭.‬

بدعم‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات،‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نخلق‭ ‬جيلا‭ ‬من‭ ‬الأزواج‭ ‬والآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬الذين‭ ‬يتمتعون‭ ‬بمهارات‭ ‬التواصل‭ ‬والتفاهم،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬لحمة‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ومتانته،‭ ‬ويشكل‭ ‬استثماراً‭ ‬ذا‭ ‬مردودٍ‭ ‬إيجابي‭ ‬على‭ ‬حاضرنا‭ ‬ومستقبل‭ ‬أبنائنا‭ ‬وأحفادنا‭.‬

فلنعمل‭ ‬سويا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الغاية‭ ‬السامية،‭ ‬ولنكن‭ ‬عاملا‭ ‬للتغيير‭ ‬الإيجابي،‭ ‬ساعين‭ ‬لإنشاء‭ ‬مجتمعات‭ ‬تنبض‭ ‬بالأمان‭ ‬والاستقرار،‭ ‬حيث‭ ‬ينعم‭ ‬أطفالنا‭ ‬بطفولة‭ ‬مفعمة‭ ‬بالحب‭ ‬والفرح،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يليق‭ ‬بتلك‭ ‬الطفلة‭ ‬الملهمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬كتابتي‭ ‬لهذه‭ ‬السطور‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا