العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

محاولة اغتيال ترامب وما وراء العنف في أمريكا

بقلم: د. منار الشوربجي

الثلاثاء ٢٣ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

لم‭ ‬تفاجئني‭ ‬محاولة‭ ‬الاغتيال‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬ترامب،‭ ‬وإنما‭ ‬المفاجأة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬التوقيت‭.. ‬فممارسة‭ ‬العنف‭ ‬بالانتخابات‭ ‬الحالية‭ ‬بدأت‭ ‬مبكرًا‭ ‬عن‭ ‬الموعد‭ ‬الذي‭ ‬توقعته،‭ ‬أي‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬للحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭. ‬والأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجئًا،‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة‭.. ‬فأمريكا‭ ‬ليست‭ ‬غريبة‭ ‬عن‭ ‬العنف‭ ‬والاغتيالات،‭ ‬فرؤساء‭ ‬أمريكيون‭ ‬عدة‭ ‬قتلوا‭ ‬باغتيالات‭ ‬سياسية،‭ ‬منهم‭ ‬إبراهام‭ ‬لينكولن‭ ‬وجون‭ ‬كينيدي،‭ ‬وآخرهم‭ ‬ريجان‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬لمحاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬فاشلة‭.‬

والاغتيالات‭ ‬ليست‭ ‬غريبة‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬مرشحي‭ ‬الرئاسة‭. ‬فقد‭ ‬اغتيل‭ ‬روبرت‭ ‬كينيدي‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬1968‭ ‬وتعرض‭ ‬جورج‭ ‬والاس‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬1972‭ ‬لإصابات‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬اغتياله‭. ‬بل‭ ‬توجد‭ ‬حالة‭ ‬مماثلة‭ ‬لحالة‭ ‬ترامب‭. ‬إذ‭ ‬ترك‭ ‬تيودور‭ ‬روزفلت‭ ‬الرئاسة‭ ‬في‭ ‬1909،‭ ‬فتولاها‭ ‬بعده‭ ‬وليام‭ ‬تافت‭. ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬روزفلت‭ ‬للترشح‭ ‬عام‭ ‬1912‭ ‬فتعرض‭ ‬لمحاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬نجا‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬زخم‭ ‬العنف‭ ‬السياسي‭ ‬عاد‭ ‬ليطل‭ ‬بوجهه‭ ‬القبيح‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الأخير،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬انتخابات‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬مرشحة‭ ‬بقوة‭ ‬لتكون‭ ‬مسرحًا‭ ‬له‭. ‬فالأمريكيون،‭ ‬لا‭ ‬ساستهم‭ ‬فقط،‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬استقطاب‭ ‬بالغ‭ ‬الحدة‭. ‬والمجتمع‭ ‬منقسم‭ ‬علي‭ ‬نفسه‭ ‬بالتساوي‭ ‬تقريبًا‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬الأغلبية‭ ‬الضحلة‭ ‬التي‭ ‬يفوز‭ ‬بها‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬أو‭ ‬الجمهوريون‭ ‬بمجلسي‭ ‬النواب‭ ‬والشيوخ‭.‬

لكن‭ ‬الاستقطاب‭ ‬السياسي‭ ‬وحده‭ ‬ليس‭ ‬كافيًا‭ ‬لتوقع‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الحالية،‭ ‬وإنما‭ ‬توجد‭ ‬متغيرات‭ ‬إضافية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭. ‬ففضلًا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬مدججة‭ ‬أصلًا‭ ‬بالسلاح‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الأفراد،‭ ‬فإن‭ ‬ترامب،‭ ‬منذ‭ ‬ترشحه‭ ‬للرئاسة‭ ‬في‭ ‬2015،‭ ‬أطلق‭ ‬مارد‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬من‭ ‬قمقمه‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية،‭ ‬فإن‭ ‬ترامب،‭ ‬بمواقفه‭ ‬السياسية‭ ‬ولغة‭ ‬خطابه‭ ‬الحافلة‭ ‬بالعنف‭ ‬اللفظي،‭ ‬أقحمه‭ ‬لقلب‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬وأضفي‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬عنفه‭ ‬وفكره‭ ‬الرافض‭ ‬للآخر‭ ‬الديني‭ ‬والعرقي‭. ‬وطوال‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬ترامب،‭ ‬برزت‭ ‬أحداث‭ ‬عنف‭ ‬متكررة‭ ‬ارتكبها‭ ‬ذلك‭ ‬التيار‭ ‬ضد‭ ‬جماعات‭ ‬مختلفة،‭ ‬دون‭ ‬إدانة‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬ترامب‭ ‬والجمهوريين‭ ‬بالكونجرس‭. ‬ثم‭ ‬رفض‭ ‬ترامب‭ ‬الاعتراف‭ ‬بهزيمته‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2020‭ ‬فكانت‭ ‬واقعة‭ ‬الاقتحام‭ ‬المسلح‭ ‬للكونجرس‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أنصاره‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬يناير‭ ‬2021‭. ‬وهناك‭ ‬دلائل‭ ‬عدة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬على‭ ‬أهبة‭ ‬الاستعداد‭ ‬لاستخدام‭ ‬عنف‭ ‬أوسع‭ ‬حال‭ ‬هزيمة‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭.‬

لكن‭ ‬أحداثا‭ ‬جديدة‭ ‬رجحت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬وقائع‭ ‬العنف‭ ‬أثناء‭ ‬الانتخابات‭ ‬الحالية‭ ‬لا‭ ‬فقط‭ ‬بعدها‭. ‬فالعنف‭ ‬المفرط‭ ‬الذي‭ ‬استخدمته‭ ‬الشرطة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬الاعتصامات‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬جرس‭ ‬إنذار‭ ‬آخر‭. ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬منظمات‭ ‬وقوى‭ ‬عدة‭ ‬أنها‭ ‬تنوي‭ ‬تنظيم‭ ‬مسيرات‭ ‬ومظاهرات‭ ‬تحيط‭ ‬بالقاعة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬سينعقد‭ ‬فيها‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬للحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬أغسطس،‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬تنصيب‭ ‬بايدن‭ ‬مرشحًا‭ ‬للحزب‭ ‬الديمقراطي‭. ‬والأرجح‭ ‬أن‭ ‬تقابله‭ ‬الشرطة‭ ‬بالعنف‭ ‬نفسه‭. ‬أما‭ ‬قاعات‭ ‬المؤتمر‭ ‬فمرشحة‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬لفوضى،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تشابكًا‭ ‬بالأيدي‭ ‬وأكثر‭.‬

والأخطر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬أن‭ ‬60%‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬يؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬الانتخابات‭ ‬‮«‬لن‭ ‬تحل‮»‬‭ ‬المشكلات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬يعانون‭ ‬منها‭. ‬وانسداد‭ ‬القنوات‭ ‬السلمية‭ ‬للتغيير‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬للعنف‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬تبعات‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬ترامب‭ ‬فمتعددة‭. ‬ففي‭ ‬بلد‭ ‬يعاني‭ ‬أصلا‭ ‬استقطابًا‭ ‬حادًا،‭ ‬لن‭ ‬تؤثر‭ ‬الواقعة،‭ ‬على‭ ‬الأرجح،‭ ‬على‭ ‬نتيجة‭ ‬الانتخابات‭ ‬بين‭ ‬ترامب‭ ‬وبايدن،‭ ‬وإنما‭ ‬ستزيد‭ ‬من‭ ‬تمترس‭ ‬كل‭ ‬فريق‭ ‬بشكل‭ ‬أعمق‭ ‬وراء‭ ‬مرشحه‭. ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬السياسيين‭ ‬الجمهوريين‭ ‬الذين‭ ‬صرح‭ ‬بعضهم‭ ‬علنا‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬مؤامرة‮»‬‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الفيدرالية،‭ ‬بل‭ ‬حمّل‭ ‬بعضهم‭ ‬المسؤولية‭ ‬لبايدن‭ ‬شخصيا،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬بطبيعتها‭ ‬فيها‭ ‬الصورة‭ ‬والدلالات‭ ‬الرمزية‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬المضمون‭ ‬وشخص‭ ‬المرشح‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬سيتحول‭ ‬وجه‭ ‬ترامب‭ ‬المخضب‭ ‬بالدماء‭ ‬إلى‭ ‬أيقونة‭ ‬تستنفر‭ ‬أنصاره‭ ‬وتجعلهم‭ ‬أكثر‭ ‬استعدادًا‭ ‬لممارسة‭ ‬العنف‭ ‬المفرط‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا