العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تداعيات الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في المجال الدبلوماسي

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

السبت ٠٦ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

أدى‭ ‬التطور‭ ‬السريع‭ ‬لقدرات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬تزايد‭ ‬الوعي‭ ‬بالإمكانات‭ ‬الإيجابية‭ ‬الهائلة‭ ‬والمخاطر‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬استخدامه‭ ‬غير‭ ‬المنظم؛‭ ‬مما‭ ‬حفز‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬لتنظيم‭ ‬استخدامه‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭. ‬واستضافت‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬القمة‭ ‬العالمية‭ ‬لسلامة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وقامت‭ ‬28‭ ‬دولة‭ -‬بعد‭ ‬التشاور‭ ‬مع‭ ‬صناع‭ ‬السياسات‭ ‬والخبراء‭ ‬الفنيين‭ ‬وممثلي‭ ‬الشركات‭ ‬العاملة‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭- ‬بالاتفاق‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬قدر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الرقابة‭. ‬وفي‭ ‬أعقابها،‭ ‬أشاد‭ ‬ماريانو‭ ‬كويلار،‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬كارنيغي‭ ‬للسلام‭ ‬الدولي،‭ ‬بنجاحها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬سبق‭ ‬دبلوماسي‭ ‬كبير،‭ ‬نحو‭ ‬مسار‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬وتأمين‭ ‬أكبر‭ ‬فائدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬سريعة‭ ‬التطور‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬تعزز‭ ‬الحوار‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـدبلوماسية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬فإن‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المفاوضين‭ ‬أو‭ ‬قادة‭ ‬العالم،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬موضوعًا‭ ‬يستحق‭ ‬الاهتمام‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬أصبح‭ ‬متاحا،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬العدد‭ ‬العالمي‭ ‬لمستخدميه‭ ‬الـ700‭ ‬مليون‭ ‬بنهاية‭ ‬العقد‭ ‬الحالي،‭ ‬فقد‭ ‬استعانت‭ ‬به‭ ‬كذلك‭ ‬الوكالات‭ ‬الحكومية‭ ‬ووزارات‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬المهام‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأولية‭ ‬والبسيطة‭ ‬والمتكررة،‭ ‬مثل‭ ‬تجميع‭ ‬البيانات،‭ ‬وكتابة‭ ‬الرسائل،‭ ‬والمساعدة‭ ‬في‭ ‬الجدولة‭ ‬بأقصى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭ ‬عبر‭ ‬تقنياته‭ ‬التوليدية‭ ‬التي‭ ‬تحاكي‭ ‬السلوكيات‭ ‬والأنماط‭ ‬البشرية،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬تقدمًا‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬حذر‭ ‬جيروم‭ ‬دوبري،‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬ألبرت‭ ‬هيرشمان‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬دمج‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬وما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬تعرض‭ ‬جوهر‭ ‬الممارسة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬للخطر،‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬تحلت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬سرية‭ ‬عبر‭ ‬قرون‭.‬

وفي‭ ‬تقرير‭ ‬بعنوان‭ ‬وكلاء‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬الدبلوماسية‭.. ‬تعزيز‭ ‬الاستقرار‭ ‬أم‭ ‬الفوضى؟‭ ‬أشار‭ ‬جيرالد‭ ‬مكماهون‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬هارفارد‭ ‬كينيدي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬قد‭ ‬غير‭ ‬بالفعل‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬الحروب،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الواضح‭ ‬كيف‭ ‬ستُستخدم‭ ‬تقنياته‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬وفن‭ ‬الحكم‭. ‬فمن‭ ‬ناحية،‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬المعلومات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الفعلي،‭ ‬وإنشاء‭ ‬نماذج‭ ‬بيانات‭ ‬توضح‭ ‬النتائج‭ ‬المحتملة‭ ‬للقرارات‭ ‬الرئيسية،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تولد‭ ‬مشهدًا‭ ‬حذرًا‭ ‬ومحسوبًا‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬بها،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬أكثر‭ ‬استقرارًا‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬حذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الإمكانات‭ ‬الجامحة‭ ‬له‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬الفوضى،‭ ‬وتحفز‭ ‬القادة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الأزمات‭ ‬عالية‭ ‬المخاطر،‭ ‬مع‭ ‬نية‭ ‬متعمدة‭ ‬لاستغلال‭ ‬الخوارزمية،‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬كوسيلة‭ ‬لإبقاء‭ ‬الخصوم‭ ‬الجيوسياسيين‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬التوازن‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬أوضح‭ ‬جيمس‭ ‬توبين،‭ ‬من‭ ‬مكتبة‭ ‬مجلس‭ ‬اللوردات،‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬تعريف‭ ‬واحد‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭ ‬لما‭ ‬يشمله‭ ‬مصطلح‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي؛‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬ضمن‭ ‬مصطلحاته‭ ‬الواسعة‭ ‬أنظمة‭ ‬كمبيوتر‭ ‬متقدمة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬عادةً‭ ‬ذكاءً‭ ‬بشريًا‭. ‬وتتراوح‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬من‭ ‬البسيطة،‭ ‬مثل‭ ‬تجميع‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬البيانات،‭ ‬إلى‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الكلام،‭ ‬وأعمال‭ ‬الترجمة،‭ ‬والإدراك‭ ‬البصري،‭ ‬وحتى‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬كم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬تستند‭ ‬إليها‭ ‬عملياته،‭ ‬يمكن‭ ‬برمجة‭ ‬أنظمته‭ ‬لتعلم‭ ‬كيفية‭ ‬توقع‭ ‬الأحداث‭ ‬المستقبلية‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬السوابق‭ ‬الماضية،‭ ‬سواء‭ ‬تضمن‭ ‬ذلك‭ ‬مسارات‭ ‬السيارات‭ ‬ذاتية‭ ‬القيادة،‭ ‬أو‭ ‬تسديد‭ ‬المعاملات‭ ‬المصرفية‭ ‬المحددة‭ ‬سلفًا‭.‬

وبالفعل،‭ ‬لعب‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الدولية‭. ‬ففي‭ ‬المجال‭ ‬الأمني،‭ ‬يشير‭ ‬مكماهون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬تُعتبر‭ ‬أول‭ ‬ساحة‭ ‬معركة‭ ‬حقيقية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬كما‭ ‬يعكس‭ ‬استخدام‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لتقنياته‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬غزة،‭ ‬قضايا‭ ‬متزايدة‭ ‬تتعلق‭ ‬بشرعية‭ ‬وحدود‭ ‬استخدامه‭. ‬وعليه،‭ ‬فمن‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات‭ ‬الجارية‭ ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ستكون‭ ‬عليه‭ ‬العمليات‭ ‬القتالية‭ ‬المستقبلية‭ ‬مع‭ ‬اعتماده‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الفنون‭ ‬والتطبيقات‭ ‬العسكرية‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فإن‭ ‬اعتماد‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬يبدو‭ ‬أكثر‭ ‬محدودية‭. ‬وأوضح‭ ‬مكماهون،‭ ‬أن‭ ‬تقنياته‭ ‬التوليدية‭ ‬المُلمة‭ ‬بالسلوكيات‭ ‬البشرية،‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬مساعد‭ ‬افتراضي‭ ‬يتمتع‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬رسائل‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬إلى‭ ‬جدولة‭ ‬الاجتماعات،‭ ‬وحجوزات‭ ‬السفر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬زيادة‭ ‬الكفاءة‭ ‬والفعالية‭ ‬للمستخدم‭ ‬في‭ ‬واجبات‭ ‬أخرى‭.‬

وتم‭ ‬بالفعل‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬جودة‭ ‬إنجاز‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭. ‬ففي‭ ‬منتدى‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬فبراير2023،‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬صندوق‭ ‬مارشال‭ ‬الألماني،‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬تحدث‭ ‬مفوض‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لشؤون‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكتروني‭ ‬والسياسة‭ ‬الرقمية،‭ ‬ناثانيال‭ ‬فيك،‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬البيانات،‭ ‬والإحاطات‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬أعدها‭ ‬برنامج‭ ‬الدردشة‭ ‬الآلي‭ ‬المزود‭ ‬بتقنية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬شات‭ ‬جي‭ ‬بي‭ ‬تي،‭ ‬قريبة‭ ‬بدرجة‭ ‬كافية‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يقوله‭ ‬المتحدث‭ ‬المعني‭ ‬بتلك‭ ‬المهمة‭. ‬وأوضح‭ ‬أندرو‭ ‬مور،‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬السحابي‭ ‬وحلول‭ ‬الصناعة‭ ‬في‭ ‬منصة‭ ‬جوجل‭ ‬كلاود،‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬تحسن‭ ‬النماذج‭ ‬اللغوية،‭ ‬سوف‭ ‬تتمكن‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬من‭ ‬تلبية‭ ‬مهام‭ ‬البحث‭ ‬وتلخيص‭ ‬المعلومات‭ ‬بسرعة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬إمداد‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬بالبيانات‭ ‬اللازمة‭ ‬قبل‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬مفاوضات‭ ‬جدية‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مكماهون،‭ ‬أقر‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬انجذابا‭ ‬واضحا‭ ‬لزيادة‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدبلوماسيين،‭ ‬وموظفي‭ ‬الخدمة‭ ‬المدنية،‭ ‬ووزارات‭ ‬الخارجية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬حذر‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬النظر‭ ‬بجدية‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬طويل‭ ‬المدى‭ ‬لهذه‭ ‬التقنيات‭ ‬على‭ ‬فن‭ ‬ممارسة‭ ‬الحكم‭.‬

وبالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬تطبيقاته‭ ‬الراهنة‭ ‬لإنشاء‭ ‬صور‭ ‬رمزية،‭ ‬بهدف‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الذكريات‭ ‬والقصص‭ ‬القديمة‭ ‬عن‭ ‬أشخاص‭ ‬فارقوا‭ ‬الحياة‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬المتاحة‭ -‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوسائط‭ ‬والتسجيلات‭ ‬الصوتية‭ ‬والأعمال‭ ‬والمواد‭ ‬المكتوبة‭ ‬عنهم‭- ‬رأى‭ ‬مكماهون،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التطبيقات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬جدوى‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬للتفاوض‭ ‬على‭ ‬صفقات‭ ‬معقدة،‭ ‬أو‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬عالية‭ ‬المخاطر،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مساعدة‭ ‬المسؤولين‭ ‬على‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬طباع‭ ‬نظرائهم‭ ‬من‭ ‬الخصوم‭ ‬قبل‭ ‬الاجتماع‭ ‬بهم‭ ‬شخصيًا‭. ‬وتسمح‭ ‬البصمة‭ ‬الرقمية‭ -‬التي‭ ‬توصف‭ ‬بأنها‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يتعلق‭ ‬بك‭ ‬أو‭ ‬بما‭ ‬تنشره‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬والخاصة‭ ‬بالقادة‭ ‬والسفراء‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭- ‬بإنشاء‭ ‬نسخ‭ ‬مُفصلة‭ ‬لأمثالهم‭ ‬الافتراضيين‭ ‬بواسطة‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬

وأضاف‭ ‬مكماهون،‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التطوير‭ ‬الإضافي‭ ‬للتقنيات،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكنها‭ ‬أيضًا‭ ‬توفير‭ ‬إحساس‭ ‬موثوق‭ ‬برؤى‭ ‬الخصم،‭ ‬والسماح‭ ‬لمستخدميها‭ ‬بمعرفة‭ ‬الاستجابات‭ ‬والتحركات‭ ‬المحتملة،‭ ‬وردود‭ ‬الفعل‭ ‬المضادة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الخصوم،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬النظري‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬تجسيد‭ ‬صور‭ ‬رمزية‭ ‬لزعماء‭ ‬دوليين‭ ‬ووزراء‭ ‬خارجية‭ ‬آخرين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬زيادة‭ ‬التفاهم‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمسائل‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الحساسة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الشفافية‭ ‬والاستقرار‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬وصفه‭.‬

لكن‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬يهدد‭ ‬الاستخدام‭ ‬الموسع‭ ‬لهذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬طبيعة‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬التذبذب‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭. ‬وتقع‭ ‬عمليات‭ ‬التزييف،‭ ‬والتضليل‭ ‬المعلوماتي‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬تلك‭ ‬المخاوف‭ ‬والتهديدات‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬امتلاك‭ ‬أنظمة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬قدرات‭ ‬إنتاجية‭ ‬هائلة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لأي‭ ‬قواعد‭ ‬سلوك،‭ ‬أو‭ ‬قيود‭ ‬أخلاقية‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬عامل‭ ‬خطورة‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية،‭ ‬حيث‭ ‬يُنظر‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تتفوق‭ ‬بشكل‭ ‬شامل‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬والأوساط‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬والخطورة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية،‭ ‬وأساليب‭ ‬محاكاة‭ ‬المعارك‭ ‬العسكرية‭ ‬للطائرات‭ ‬المقاتلة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬المفاوضات‭ ‬الدقيقة‭ ‬سريعة‭ ‬الوتيرة،‭ ‬تتفوق‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ -‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬البيانات‭ ‬عبر‭ ‬أنظمة‭ ‬الكمبيوتر‭- ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مقارنته‭ ‬بالنتائج‭ ‬الأكثر‭ ‬ترجيحًا‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يتوصل‭ ‬إليها‭ ‬البشر‭ ‬فعليا‭. ‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬أوضح‭ ‬مكماهون،‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬كان‭ ‬ناجحًا‭ ‬في‭ ‬الاختبارات‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬طيارون‭ ‬مقاتلون‭ ‬متمرسون‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة؛‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬إبداع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬في‭ ‬تصور‭ ‬التحركات‭ ‬المتوقعة‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬القتالية‭ ‬المعقدة،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬غرضها‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الوطنية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أساليب‭ ‬غير‭ ‬تقليدية،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬ضعف‭ ‬قدرة‭ ‬أي‭ ‬محلل‭ ‬بشري‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬حجم‭ ‬وملامح‭ ‬تفوق‭ ‬عمليات‭ ‬صنع‭ ‬القرارات‭ ‬المستقبلية‭ ‬والتنبؤ‭ ‬بها‭ ‬والناتجة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التقنيات‭.‬

وبالتالي،‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬رأى‭ ‬دوبري،‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬البسيطة،‭ ‬أمر‭ ‬مقبول‭ ‬لصانعي‭ ‬السياسات؛‭ ‬لأنه‭ ‬تحكمها‭ ‬إجراءات‭ ‬واضحة‭ ‬ومستقرة،‭ ‬فإن‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬تُمارس‭ ‬حيال‭ ‬المبعوثين‭ ‬الأجانب‭ ‬تعد‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬فن‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬والذكاء‭ ‬والخبرة‭ ‬والإبداع؛‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬التقنيات‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬حقًا‭ ‬تداعيات‭ ‬ما‭ ‬تنتجه‭ ‬من‭ ‬قرارات،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬السماح‭ ‬لها‭ ‬بأن‭ ‬تحل‭ ‬محل‭ ‬الدبلوماسيين،‭ ‬والسفراء‭ ‬كعناصر‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬إدارة‭ ‬الحكم‭. ‬وأدرك‭ ‬مكماهون،‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬استخدامها‭ ‬المتزايد‭ ‬في‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوض‭ ‬نظريات‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬العقلانية،‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬دعمت‭ ‬الحلول‭ ‬المعتدلة‭ ‬الواقعية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬نصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الشكوك،‭ ‬الاحتمالات‭ ‬الحقيقية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬الخبيثة‭ ‬باستخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬لتشويه‭ ‬نوايا‭ ‬ونتائج‭ ‬تلك‭ ‬التقنيات‭ ‬عمدا،‭ ‬عبر‭ ‬تضخيم‭ ‬أدائها‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬منافسيها،‭ ‬بينما‭ ‬يخفون‭ ‬طموحاتهم‭ ‬العدائية‭ ‬الحقيقية‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬وافق‭ ‬مكماهون،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التطوير‭ ‬المستمر‭ ‬للتطبيقات‭ ‬الأكثر‭ ‬تقدمًا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬سعي‭ ‬الحكومات‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬إخفاء‭ ‬نواياها،‭ ‬وتحقيق‭ ‬عنصر‭ ‬المفاجأة،‭ ‬في‭ ‬سلوكياتها‭ ‬التخريبية‭ ‬والخطيرة‭. ‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬شبه‭ ‬دوبري،‭ ‬تطبيق‭ ‬أنظمة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬التي‭ ‬طورتها‭ ‬الشركات‭ ‬لتوجيه‭ ‬المحادثات‭ ‬الثنائية،‭ ‬والمتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية،‭ ‬بأنه‭ ‬أشبه‭ ‬بجلب‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحة‭ ‬والجهات‭ ‬الخبيثة‭ ‬غير‭ ‬الخاضعين‭ ‬للرقابة‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المحادثات،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ينذر‭ ‬بالخطر‭ ‬سواء‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الهجمات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والتسريبات‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬بينما‭ ‬تواصل‭ ‬الحكومات‭ ‬تعزيز‭ ‬تدابيرها‭ ‬الوقائية‭ ‬بشأن‭ ‬الاستخدام‭ ‬غير‭ ‬المنظم‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬الأمن،‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬التعليم‭ ‬وغيرها،‭ ‬يتم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأهمية‭ ‬دور‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬العمليات؛‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬العليا،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الوضع‭ ‬مختلفا‭. ‬

وكما‭ ‬أوضح‭ ‬مكماهون،‭ ‬فإن‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬نفسها‭ ‬قد‭ ‬تتغير‭ ‬قريبا؛‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬تفسير‭ ‬مناقشات‭ ‬القادة‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬المفاوضات،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬أيضا‭ ‬الصور‭ ‬الرمزية‭ ‬الرقمية‭ ‬لقادة‭ ‬العالم،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤها‭ ‬بواسطة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا