العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

التكنولوجيا المالية وريادة الأعمال في الوطن العربي

بقلم: د. أسعد حمود السعدون {

الجمعة ٢٨ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

لاريب‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬توصف‭ ‬بأّنها‭ ‬المنتجات‭ ‬والخدمات‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المعاصرة‭ ‬لتحسين‭ ‬نوعية‭ ‬الخدمات‭ ‬المالية‭ ‬التقليدية،‭ ‬وتتميز‭ ‬برخصها‭ ‬النسبي‭ ‬وسهولة‭ ‬وسرعة‭ ‬وصول‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الافراد‭ ‬إليها،‭ ‬وأنها‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بها‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الخدمات‭ ‬المالية‭ ‬وأساليب‭ ‬تطويرها،‭ ‬والترويج‭ ‬لها،‭ ‬وتقديمها،‭ ‬واستهلاكها،‭ ‬وأنها‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬تقنيات‭ ‬التمويل‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬وتقنيات‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وخدمات‭ ‬الشبكات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وتحليلات‭ ‬البيانات‭ ‬الضخمة،‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

فقد‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬المؤسسات‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الخدمات‭ ‬المالية‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬المحمول‭ ‬والأجهزة‭ ‬والألواح‭ ‬الذكية،‭ ‬مما‭ ‬يسر‭ ‬حصول‭ ‬المؤسسات‭ ‬والأفراد‭ ‬على‭ ‬القروض‭ ‬لتمويل‭ ‬المشروعات،‭ ‬وتحويل‭ ‬واستلام‭ ‬الأموال،‭ ‬ودفع‭ ‬أثمان‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات،‭ ‬وأوجدت‭ ‬فرصا‭ ‬ممتازة‭ ‬لتمويل‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المشروعات‭ ‬شديدة‭ ‬المخاطر‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬إسهامها‭ ‬متميزا‭ ‬وواعدا‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬رواد‭ ‬الأعمال‭ ‬الذين‭ ‬يمتلكون‭ ‬أفكارا‭ ‬إبداعية‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬المال‭ ‬الكافي‭ ‬لتنفيذها،‭ ‬ويسرت‭ ‬لهم‭ ‬عمليات‭ ‬تقييم‭ ‬كفاءتهم‭ ‬المالية‭ ‬وقدرات‭ ‬مشروعاتهم‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬وسداد‭ ‬التزاماتهم‭ ‬المالية‭ ‬عبر‭ ‬الوسائل‭ ‬الرقمية،‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬وأكثر‭ ‬كفاءة،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعزز‭ ‬راحة‭ ‬وأمان‭ ‬المعاملات‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يفتح‭ ‬أيضاً‭ ‬طرقاً‭ ‬جديدة‭ ‬للشركات‭ ‬الصغيرة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬عملاء‭ ‬واسعة‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحدود‭ ‬الوطنية‭ ‬لتنفتح‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬خدماتها‭ ‬متاحة‭ ‬لمجموعة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المقترضين،‭ ‬وبكلفة‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬تطلبه‭ ‬البنوك،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬ومنصاتها‭ ‬المتخصصة‭ ‬بالإقراض،‭ ‬تتميز‭ ‬بتدني‭ ‬مستوى‭ ‬تكاليفها‭ ‬التشغيلية،‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬الفروع‭ ‬المادية‭ ‬والأعمال‭ ‬الورقية،‭ ‬وتوظيف‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬المعززة‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والتعلم‭ ‬الآلي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الآفاق‭ ‬لتعزيز‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬عبر‭ ‬إسهامها‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬إبداعات‭ ‬رواد‭ ‬الأعمال،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬أعمال‭ ‬رواد‭ ‬الأعمال‭ ‬دون‭ ‬تكبد‭ ‬تكاليف‭ ‬كبيرة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬ساعدت‭ ‬خوارزميات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬كميات‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬لتحديد‭ ‬الأنماط‭ ‬والاتجاهات‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬وبمختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬مما‭ ‬يساعد‭ ‬رواد‭ ‬الأعمال‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬أفكارهم‭ ‬إلى‭ ‬مشروعات‭ ‬ريادية‭ ‬منتجة،‭ ‬وتحفيزهم‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬جريئة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬البيانات،‭ ‬وتحسين‭ ‬عملياتهم،‭ ‬وتمكينهم‭ ‬من‭ ‬اختراق‭ ‬الأسواق‭. ‬

ذلك‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬أسواق‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬الساعية‭ ‬نحو‭ ‬التقدم،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المهمة‭ ‬والمؤثرة‭ ‬في‭ ‬نمو‭ ‬اقتصاداتها،‭ ‬لذا‭ ‬تسعى‭ ‬حكوماتها‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬تلبية‭ ‬متطلباتها‭ ‬التشغيلية،‭ ‬ورعاية‭ ‬وتحفيز‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬الأعمال،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعمال‭ ‬أو‭ ‬ممن‭ ‬يتمتعون‭ ‬بروح‭ ‬المبادرة،‭ ‬ويمتلكون‭ ‬مهارات‭ ‬تؤهلهم‭ ‬للأبداع‭ ‬والابتكار‭. ‬

أما‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬فإن‭ ‬الآمال‭ ‬كانت‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬حقيقي‭ ‬لرواد‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬بما‭ ‬يمكنهم‭ ‬من‭ ‬تحويل‭ ‬أفكارهم‭ ‬إلى‭ ‬مشروعات‭ ‬منتجة‭ ‬تخدم‭ ‬حاضر‭ ‬ومستقبل‭ ‬بلادنا‭ ‬العربية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬حتى‭ ‬بالحدود‭ ‬الدنيا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬وحصولها‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬والتحفيز‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي‭ ‬واستفادتها‭ ‬من‭ ‬البيئات‭ ‬التنظيمية‭ ‬التجريبية‭ ‬وما‭ ‬مثلته‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬حاضنات‭ ‬أعمال‭ ‬موسعة،‭ ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬وفرته‭ ‬الحكومات‭ ‬من‭ ‬تشريعات‭ ‬مواتية‭ ‬لانطلاقتها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬لاسيما‭ ‬المتخصصة‭ ‬بالتمويل،‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬شركات‭ ‬مالية‭ ‬تقليدية‭ ‬تقدم‭ ‬قروضا‭ ‬وتمويلات‭ ‬صغيرة‭ ‬بفوائد‭ ‬مرتفعة‭ ‬وبشروط‭ ‬وآليات‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬شروط‭ ‬وآليات‭ ‬البنوك‭ ‬التقليدية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنها‭ ‬ابتعدت‭ ‬عن‭ ‬نموذج‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬الذي‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭ ‬الأدبيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬الذي‭ ‬تنتشر‭ ‬تطبيقاته‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬والدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬عموما،‭ ‬والذي‭ ‬يعتمد‭ ‬نظم‭ ‬التمويل‭ ‬الجماعي‭ ‬والتمويل‭ ‬من‭ ‬نظير‭ ‬إلى‭ ‬نظير،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬وبنوكها‭ ‬المركزية‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬والاستجابة‭ ‬السريعة‭ ‬لدعوة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعظم‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬المنامة،‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬وتوجيه‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬نهضة‭ ‬اقتصادية‭ ‬حقيقية‭ ‬عبر‭ ‬دعم‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬ومراجعة‭ ‬وتقييم‭ ‬نشاطات‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬القائمة‭ ‬فيها،‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬مدى‭ ‬إسهامها‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬يؤمل‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أداة‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬نمو‭ ‬وتطور‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مدفوعا‭ ‬باحتياجات‭ ‬وتوقعات‭ ‬العملاء‭ ‬المتغيرة‭ ‬باستمرار،‭ ‬ومع‭ ‬تقدم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وتغير‭ ‬سلوكيات‭ ‬المستهلكين،‭ ‬ينبغي‭ ‬لشركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬التكيف‭ ‬لتلبية‭ ‬هذه‭ ‬المتطلبات‭ ‬المتطورة‭.‬

وحيث‭ ‬إن‭ ‬رواد‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬تعد‭ ‬قاطرة‭ ‬النمو‭ ‬والتطور‭ ‬الحالي‭ ‬والمستقبلي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المالية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تحتضن‭ ‬وتدعم‭ ‬أفكار‭ ‬رواد‭ ‬الأعمال‭ ‬وتوفر‭ ‬لهم‭ ‬التمويل‭ ‬الذي‭ ‬يحولها‭ ‬إلى‭ ‬مشروعات‭ ‬قابلة‭ ‬للتطور‭ ‬والنهوض‭. ‬

 

{ أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

 

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا