العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

سياسات «العالم المنافق» والنتائج العكسية

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الجمعة ٢١ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

الكل‭ ‬بات‭ ‬واعيا‭ ‬لتصريحات‭ ‬وزراء‭ ‬ونواب‭ ‬وقادة‭ ‬عسكريين‭ ‬وصحفيين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬عديد‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بشأن‭ ‬نزع‭ ‬الإنسانية‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ووصفه‭ ‬بأقذع‭ ‬الصفات‭ ‬الهمجية‭ ‬بهدف‭ ‬شيطنة‭ ‬ذلك‭ ‬الشعب‭ ‬وتبرير‭ ‬القضاء‭ ‬عليه‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬تثبت‭ ‬التطور‭ ‬‮«‬الطبيعي‮»‬‭ ‬لعملية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وبشكل‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس،‭ ‬ويتابعها‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬صوتا‭ ‬وصورة‭.‬

الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الجارية‭ ‬كشفت‭ ‬سوءات‭ ‬الكثيرين‭ ‬حيث‭ ‬فشل‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمون‭ ‬وغيرهم‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬لشعب‭ ‬أعزل،‭ ‬ولم‭ ‬يصدر‭ ‬عنهم‭ ‬موقف‭ ‬قوي‭ ‬يمكنه‭ ‬ردع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ووقف‭ ‬جرائمه‭. ‬كما‭ ‬إن‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬هذه،‭ ‬عرت‭ ‬ادعاءات‭ ‬الغرب‭ ‬وإعلامه‭ ‬ونخبته‭ ‬حول‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬حيث‭ ‬بات‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬المقصود‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭ ‬الغربي‭ ‬حصرًا،‭ ‬أما‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬غير‭ ‬الغربي‭ ‬فلا‭ ‬تدخل‭ ‬تحت‭ ‬هذه‭ ‬المواثيق‭ ‬التي‭ ‬تقر‭ ‬بالحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬للإنسان‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬عرقه‭ ‬ودينه‭ ‬ولونه‭ ‬وجنسه‭.‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬سقطت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬سقوطا‭ ‬مروعا‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الانحياز‭ ‬الأعمى‭ ‬للرواية‭ ‬الصهيونية‭ (‬مقابل‭ ‬السردية‭ ‬الفلسطينية‭) ‬حيث‭ ‬انكشف‭ ‬زيف‭ ‬تلك‭ ‬الرواية‭ ‬وهي‭ ‬تروج،‭ ‬مع‭ ‬الشبكات‭ ‬الداعمة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬لحملات‭ ‬التخويف‭ ‬والترويع‭ ‬والاستهداف‭ ‬داخل‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والأمريكية‭ ‬على‭ ‬الخصوص،‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ينتقد‭ ‬جرائم‭ ‬الكيان‭.‬

النفاق‭ ‬الغربي‭ ‬تجاه‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬يتجلَّى‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬تأكيدهم‭ ‬أن‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬‮«‬حقاَ‭ ‬لا‭ ‬جدال‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تحتل‭ ‬أراضيهم‭ ‬وتمارس‭ ‬ضدهم‭ ‬أبشع‭ ‬الجرائم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬حتى‭ ‬غرق‭ ‬هؤلاء‭ ‬المنافقون‭ ‬في‭ ‬أكاذيب‭ ‬شنيعة،‭ ‬رغم‭ ‬تصريحات‭ ‬لفظية‭ ‬لزعماء‭ ‬غربيين،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬تؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬وقف‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ (‬وحرب‭ ‬التهجير‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭)‬،‭ ‬وتحذيرات‭ ‬آخرين‭ ‬للكيان‭ ‬من‭ ‬خسارته‭ ‬معركة‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬وفقدانه‭ ‬سرديته‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬السوشيال‭ ‬ميديا‮»‬‭ ‬وما‭ ‬تنقله‭ ‬من‭ ‬صور‭.‬

‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬السيناتور‭ ‬الأمريكي‭ (‬ميت‭ ‬رومني‭) ‬اعترف‭ ‬بأن‭ ‬خسارة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬لمعركة‭ ‬السردية‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬الضغط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إغلاق‭ ‬تطبيق‭ ‬‮«‬التيك‭ ‬توك‮»‬‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الادعاء‭ ‬الحصري‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬خطر‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‮»‬‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تبرير‭ ‬إصدار‭ ‬قانون‭ ‬بيع‭ ‬أو‭ ‬إغلاق‭ ‬‮«‬التيك‭ ‬توك‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬عام‭.‬

من‭ ‬المعيب‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المنافقين‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬نية‭ ‬بعد‭ ‬لاستيعاب‭ ‬حقيقة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حبس‭ ‬روح‭ ‬الإنسان‭ ‬الفلسطيني‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬وأنه،‭ ‬دائما،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬ابتكار‭ ‬طرق‭ ‬جديدة‭ ‬للتحرر‭ ‬رفضا‭ ‬للدونية‭ ‬والسجن‭ ‬والقتل‭ ‬الدائمين،‭ ‬والنهوض‭ ‬من‭ ‬الرماد‭ ‬كما‭ ‬طائر‭ ‬الفينيق‭.‬

وعليه،‭ ‬ستبقى‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬المستمرة‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬عملية‭ ‬تواطؤ‭ ‬ضد‭ ‬شعب‭ ‬أعزل،‭ ‬وستبقى‭ ‬صور‭ ‬الدمار‭ ‬والقتل‭ ‬بوحشية‭ ‬لأطفال‭ ‬ونساء‭ ‬وشيوخ‭ ‬وعموم‭ ‬أهل‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬كابوسا‭ ‬يطاردهم‭. ‬

وبالمقابل،‭ ‬لن‭ ‬ينجح‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقبله‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يقفزوا‭ ‬على‭ ‬جراحه‭ ‬وآلامه،‭ ‬والأهم‭ ‬أن‭ ‬يستغلوها‭ ‬لفرض‭ ‬أجندات‭ ‬لا‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬تطلعات‭ ‬الشعب،‭ ‬وستفشل‭ ‬أفكاره‭ ‬حول‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتحكم‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬عسكريا‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬عليهم‭ ‬حكما‭ ‬محليا‭ ‬أو‭ ‬أجنبيا‭!‬

وهذا‭ ‬هو،‭ ‬بالذات،‭ ‬جوهر‭ ‬الهمسة‭ ‬التي‭ ‬يتوجب‭ ‬تفريغها‭ ‬في‭ ‬آذان‭ ‬العالم‭ ‬المنافق‭ ‬هذا،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تستكمل‭ ‬شعوب‭ ‬الدنيا‭ (‬بما‭ ‬فيها‭ ‬جماهير‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭) ‬حالة‭ ‬فقدان‭ ‬الثقة‭ ‬المتنامية‭ ‬بخصوص‭ ‬مقولات‭ ‬‮«‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬والشرعية‭ ‬الدولية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬غدت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭- ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬‮…‬‭ ‬المتصهين‭!‬

ولقد‭ ‬بات‭ ‬واضحاً‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬تكريس‭ ‬هذا‭ ‬النفاق‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬مضي‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬غيّها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬انفضاح‭ ‬جوهرها‭ ‬الاحتلالي‭ ‬الأبادي،‭ ‬وتظهير‭ ‬السردية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بخصوص‭ ‬الصراع‭ ‬وتاريخه،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬انفضاح‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬المنافقة‭ ‬أمام‭ ‬جماهيرها‭.‬

والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬تأكد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬غربال‮»‬‭ ‬النفاق‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬حجب‭ ‬شمس‭ ‬الحقيقة،‭ ‬ولأن‭ ‬استمرار‭ ‬سياسة‭ ‬النفاق‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭ ‬بحيث‭ ‬إنه‭ ‬أضعف‭ ‬ويضعف‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ومنافقيها‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬معا‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا