العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

من أوراق جدي القديمة.. اشحذ المنشار

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١٦ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

يحكي‭ ‬جدي‭ ‬في‭ ‬أوراقه‭ ‬الصفراء‭  ‬القديمة هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬عن‭ ‬صديقه،‭ ‬يقول‭: ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬صديق‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬التحطيب،‭ ‬وكان‭ ‬الحطب‭ ‬يأتي‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬بعيد‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬شحيح،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬مُصر‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬غيره‭.‬

وكان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الأماكن‭ ‬البعيدة‭ ‬التي‭ ‬يقطع‭ ‬فيها‭ ‬الأشجار‭ ‬باستخدام‭ ‬منشاره‭ ‬البالي،‭ ‬ويعود‭ ‬في‭ ‬المساء‭ ‬ليبيع‭ ‬الحطب‭ ‬للراغبين‭ ‬فيه،‭ ‬وكان‭ ‬يجني‭ ‬بضع‭ ‬قطع‭ ‬من‭ ‬المال‭. ‬

وذات‭ ‬يوم‭ ‬أخذ‭ ‬استراحة‭ ‬وأتي‭ ‬معي‭ ‬إلى‭ ‬السوق،‭ ‬وهناك‭ ‬جلسنا‭ ‬في‭ ‬القهوة‭ (‬المقهى‭) ‬نحتسي‭ ‬الشاي،‭ ‬وشاهده‭ ‬أحد‭ ‬الجالسين‭ ‬معنا‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التحطيب‭ ‬وقطع‭ ‬الأشجار،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬ترغب،‭ ‬فأنا‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬للتاجر‭ ‬الذي‭ ‬نعمل‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬يوظفك‭ ‬معنا،‭ ‬فإن‭ (‬فلان‭ ‬‭ ‬اسم‭ ‬التاجر‭) ‬رجل‭ ‬شهم‭ ‬وأمين‭ ‬وصادق،‭ ‬وسيجزل‭ ‬لك‭ ‬العطاء‭ ‬إذ‭ ‬يجزي‭ ‬كل‭ ‬ذي‭ ‬حق‭ ‬حقه،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬الذي‭ ‬تعيش‭ ‬فيه‭.‬

فكر‭ ‬صديقي‭ ‬قليلا،‭ ‬ثم‭ ‬التفت‭ ‬إليّ‭ ‬وقال‭: ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬؟

قلت‭: ‬على‭ ‬بركة‭ ‬الله،‭ ‬هذا‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭.‬

وبالفعل،‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني‭ ‬ذهبا‭ ‬معًا‭ ‬إلى‭ ‬تاجر‭ ‬الأخشاب،‭ ‬واتفقا‭ ‬على‭ ‬مبلغ‭ ‬نظير‭ ‬كل‭ ‬شجرة‭ ‬يقطعها‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬قدم‭ ‬له‭ ‬التاجر‭ ‬منشارًا‭ ‬وفأسًا‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬المنشار‭ ‬البالي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يملكه،‭ ‬ثم‭ ‬دله‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬الأشجار‭ ‬والحطب‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬عليه‭.‬

يقول‭ ‬جدي،‭ ‬ذهب‭ ‬صديقي‭ ‬متحمسًا‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني،‭ ‬فقطع‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬حوالي‭ ‬15‭ ‬شجرة،‭ ‬وجزأها‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬صغيرة‭ ‬وحضرها‭ ‬للبيع،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬اليوم،‭ ‬نظر‭ ‬التاجر‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬صديقي‭ ‬ففرح‭ ‬بذلك،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬بوركت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‮»‬‭. ‬ثم‭ ‬دفع‭ ‬له‭ ‬مستحقاته‭ ‬من‭ ‬المال‭. ‬نظر‭ ‬صديقي‭ ‬إلى‭ ‬كمية‭ ‬المال‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ففرح‭ ‬بها،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬ضعف‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬عادة‭ ‬يكسبه‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬السابقة‭.‬

استمر‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنوال‭ ‬مدة‭ ‬أسبوع‭ ‬تقريبًا،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثاني‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬صديقي‭ ‬أن‭ ‬يقطع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬أشجار،‭ ‬ويحضرهم،‭ ‬وعندما‭ ‬شاهد‭ ‬التاجر‭ ‬تلك‭ ‬الكمية‭ ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬شيئًا،‭ ‬وإنما‭ ‬كالعادة‭ ‬دفع‭ ‬له‭ ‬المبلغ‭ ‬المستحق‭ ‬فقط‭. ‬واستمر‭ ‬الانخفاض‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الأشجار‭ ‬المقطوعة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنوال،‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثالث‭ ‬حوالي‭ ‬7‭ ‬أشجار،‭ ‬والأسبوع‭ ‬الرابع‭ ‬5‭ ‬أشجار‭ ‬وهكذا‭. ‬عندها‭ ‬قام‭ ‬صاحبي‭ ‬بوضع‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬إذ‭ ‬اعتقد‭ ‬أنه‭ ‬فقد‭ ‬الحماس‭ ‬أو‭ ‬خارت‭ ‬قواه‭ ‬الجسدية‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬لذلك‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يعتذر‭ ‬من‭ ‬التاجر‭ ‬ويبرئ‭ ‬نفسه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقطع‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬يخفض‭ ‬من‭ ‬المستحقات‭ ‬اليومية‭ ‬لقطع‭ ‬الأشجار‭.‬

وعندما‭ ‬دخل‭ ‬صديقي‭ ‬على‭ ‬التاجر‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬جدي‭ ‬في‭ ‬أوراقه‭ ‬الصفراء‭ ‬‭ ‬وشرح‭ ‬له‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬لها‭ ‬سببًا‭ ‬واضحًا‭ ‬وطلب‭ ‬أن‭ ‬يغفر‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬القصور‭.‬

قال‭ ‬التاجر‭: ‬قل‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬تفعل‭ ‬طوال‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي؟

قال‭ ‬صديقي‭: ‬كنت‭ ‬أذهب‭ ‬كل‭ ‬صباح،‭ ‬وفي‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬الشروق،‭ ‬وأبكر‭ ‬بساعات،‭ ‬وأستمر‭ ‬في‭ ‬القطع‭ ‬والتقطيع،‭ ‬وأعمل‭ ‬بكل‭ ‬جهد‭ ‬ومثابرة،‭ ‬ولا‭ ‬أعود‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وربما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تغيب‭ ‬الشمس‭ ‬بساعات،‭ ‬وكنت‭ ‬أبذل‭ ‬قصارى‭ ‬جهدي‭ ‬كي‭ ‬أقطع‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬يوميًّا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬أكسب‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬ولكن‭.. ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يحصل‭ ‬معي‭.‬

التاجر‭: ‬متى‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬شحذت‭ (‬حددّت‭) ‬فيها‭ ‬منشارك‭ ‬وفأسك؟‭ ‬متى‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬أخذت‭ ‬راحة‭ ‬لنفسك؟‭ ‬متى‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬جلست‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬بيتك‭ ‬وأطفالك؟

فوجئ‭ ‬صديقي‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬التاجر،‭ ‬فقال‭: ‬ليس‭ ‬لدي‭ ‬الوقت‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬مشغولاً‭ ‬طوال‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬الأشجار‭. ‬ولماذا‭ ‬أشحذ‭ ‬منشاري‭ ‬وهو‭ ‬يعمل؟

التاجر‭: ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬للعمل‭ ‬غدًا،‭ ‬وإنما‭ ‬خذ‭ ‬منشارك‭ ‬وفأسك‭ ‬واذهب‭ ‬بهما‭ ‬إلى‭ ‬الحداد‭ ‬وحدّهما‭ ‬واشحذهما،‭ ‬وخذ‭ ‬استراحة‭ ‬واجلس‭ ‬مع‭ ‬أولادك‭ ‬ومالك‭ ‬حق‭ ‬محفوظ‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

وفي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬أخذ‭ ‬صديقي‭ ‬المنشار‭ ‬والفأس‭ ‬للحداد‭ ‬لإعداد‭ ‬شحذهما‭ ‬وتأهيلهما‭ ‬حتى‭ ‬يستعد‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬الحداد‭: ‬أيها‭ ‬الرجل‭ ‬إن‭ ‬منشارك‭ ‬وفأسك‭ ‬تم‭ ‬استهلاكهما‭ ‬بأبشع‭ ‬صورة،‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬دائمًا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شحذ‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيل‭.‬

ينهي‭ ‬جدي‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬ذلك؟

وأنا‭ ‬اقرأ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأوراق‭ ‬الصفراء‭ ‬الخاصة‭ ‬بجدي‭ ‬ومن‭ ‬صندوقه‭ ‬الحديدي،‭ ‬كنت‭ ‬أتذكر‭ ‬كتاب‭ (‬العادات‭ ‬السبعة‭ ‬للناس‭ ‬الأكثر‭ ‬فعالية‭) ‬للكاتب‭ ‬ستيفن‭ ‬كوفي‭ ‬والذي‭ ‬حدد‭ ‬مصطلح‭ (‬اشحذ‭ ‬المنشار‭) ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬العادة‭ ‬السابعة،‭ ‬ترى‭ ‬ماذا‭ ‬يقول‭ ‬كوفي‭:‬

‮«‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تتضمن‭ ‬عملية‭ ‬التجديد‭ ‬الذاتي‭ ‬تجديدًا‭ ‬متوازنًا‭ ‬للأبعاد‭ ‬الأربعة‭ ‬لطبيعتنا‭: ‬البدنية‭ ‬والروحية‭ ‬والعقلية‭ ‬والاجتماعية‭/ ‬العاطفية‭. ‬ورغم‭ ‬أهمية‭ ‬تجديد‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الأبعاد،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التجديد‭ ‬لا‭ ‬يصبح‭ ‬فعالاً‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تعاملنا‭ ‬مع‭ ‬الأبعاد‭ ‬الأربعة‭ ‬تعاملاً‭ ‬حكيمًا‭ ‬ومتوازنًا،‭ ‬فإهمال‭ ‬واحد‭ ‬منها‭ ‬يؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬في‭ ‬البقية‭.‬

وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يصدق‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬والأفراد‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬ففي‭ ‬مؤسسة‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬البعد‭ ‬البدني‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬اقتصادي،‭ ‬والبعد‭ ‬العقلي‭ ‬أو‭ ‬النفسي‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬التقدير‭ ‬والتطوير‭ ‬واستخدام‭ ‬المواهب،‭ ‬أما‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬العاطفي‭ ‬فإنه‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬وأسلوب‭ ‬معاملة‭ ‬الناس،‭ ‬ويتعلق‭ ‬البعد‭ ‬الروحي‭ ‬باكتشاف‭ ‬المعاني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأغراض‭ ‬أو‭ ‬الإسهامات‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬التكامل‭ ‬المؤسسي‭.‬

وعندما‭ ‬تهمل‭ ‬مؤسسة‭ ‬أي‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬الأربعة‭ ‬فإنه‭ ‬يؤثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬سلبيًا‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬بأسرها،‭ ‬وتتحول‭ ‬الطاقات‭ ‬الخلاقة‭ ‬والإبداعية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتكاتف‭ ‬معًا‭ ‬بإيجابية‭ ‬إلى‭ ‬طاقة‭ ‬هدامة‭ ‬تستخدم‭ ‬ضد‭ ‬المؤسسة،‭ ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬قوى‭ ‬مفيدة‭ ‬للنمو‭ ‬والإنتاجية‮»‬‭.‬

ماذا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك؟

يعني‭ ‬بكل‭ ‬بساطة،‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬التجديد‭ ‬الذاتي‭ ‬للنفس‭ ‬والبدن‭ ‬بصورة‭ ‬يومية،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬شحذ‭ ‬المنشار‭ ‬يعني‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أعظم‭ ‬ما‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭ ‬وهي‭ ‬نفسه،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭ ‬برنامج‭ ‬متزن‭ ‬للتجديد‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬الأربعة‭ ‬من‭ ‬حياته‭: ‬الجانب‭ ‬الجسدي،‭ ‬والاجتماعي‭/‬العاطفي،‭ ‬والعقلي،‭ ‬والروحي‭.‬

فعندما‭ ‬يعمل‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬تجديد‭ ‬طاقته‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬الأربعة،‭ ‬فإنه‭ ‬حتمًا‭ ‬سيحقق‭ ‬النمو‭ ‬والتغيير‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬فشحذ‭ ‬المنشار‭ ‬يساعده‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬طاقته‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬له‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬بكل‭ ‬هدوء‭ ‬وسعادة،‭ ‬وهذا‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬التحديات،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬الشحذ‭ ‬والتجديد؛‭ ‬يصبح‭ ‬الجسد‭ ‬واهنًا‭ ‬ضعيفًا،‭ ‬والعقل‭ ‬آليًا،‭ ‬والمشاعر‭ ‬جافة،‭ ‬والروح‭ ‬مرهقة،‭ ‬ويصبح‭ ‬الإنسان‭ ‬أنانيًّا‭. ‬

حسنٌ،‭ ‬ماذا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نفعل؟

يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬حياتنا‭ ‬وتجديدها‭ ‬وفقًا‭ ‬للأبعاد‭ ‬الأربعة‭ ‬التي‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ (‬العادات‭ ‬السبعة‭) ‬كالتالي‭:‬

أولاً‭: ‬البعد‭ ‬البدني؛‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يعتني‭ ‬بجسمه،‭ ‬وبصحة‭ ‬جسمه،‭ ‬وبالطعام‭ ‬الصحي،‭ ‬وبممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬بانتظام،‭ ‬وإدارة‭ ‬الضغوط،‭ ‬وإدارة‭ ‬الغضب،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.‬

ثانيًا‭: ‬البعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعاطفي؛‭ ‬ويعني‭ ‬أن‭ ‬نُحسن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أنفسنا‭ ‬وقراءة‭ ‬مشاعرنا،‭ ‬وأن‭ ‬نحسن‭ ‬قراءة‭ ‬مشاعر‭ ‬الآخرين‭ ‬والتعامل‭ ‬معهم،‭ ‬وهنا‭ ‬تأتي‭ ‬أهمية‭ ‬علاقة‭ ‬الإنسان‭ ‬بالآخرين‭ ‬وصلته‭ ‬بهم‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬الوالدين‭ ‬والزوج‭ ‬أو‭ ‬الزوجة،‭ ‬والأرحام،‭ ‬وزملاء‭ ‬العمل،‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬وكذلك‭ ‬مختلف‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬علاقتنا‭ ‬مع‭ ‬أهم‭ ‬الناس‭ ‬سيئة‭ ‬فمهما‭ ‬حققنا‭ ‬من‭ ‬نجاحات‭ ‬فلن‭ ‬نكون‭ ‬سعداء‭.‬

ثالثًا‭: ‬البعد‭ ‬العقلي؛‭ ‬وربما‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬ينمي‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬القراءة،‭ ‬وحضور‭ ‬الندوات‭ ‬والملتقيات‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬والعلمية،‭ ‬المناقشات‭ ‬الجادة‭ ‬الهادفة،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بقدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬فالتعلم‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬شهادة‭ ‬تنال‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬الخبرة‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬يأخذها‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬مدرسة‭ ‬الحياة،‭ ‬وهناك‭ ‬فرق‭ ‬جِدُّ‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬ومدرسة‭ ‬الحياة،‭ ‬ففي‭ ‬المدرسة‭ ‬نأخذ‭ ‬الدروس‭ ‬والمعلومات‭ ‬ثم‭ ‬نذهب‭ ‬إلى‭ ‬الاختبار‭ ‬وبعدها‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬الشهادة،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬فشاء‭ ‬الإنسان‭ ‬أم‭ ‬أبى‭ ‬فإنه‭ ‬سيمر‭ ‬بامتحانات‭ ‬كثيرة‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬دروسا‭ ‬يتعلم‭ ‬منها‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬أو‭ ‬يحبط‭ ‬منها‭ ‬كذلك‭ ‬إن‭ ‬شاء‭.‬

رابعًا‭: ‬البعد‭ ‬الروحاني؛‭ ‬ما‭ ‬رسالتك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة؟‭ ‬ما‭ ‬أعمق‭ ‬ما‭ ‬تؤمن‭ ‬به‭ ‬وتريد‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إليه؟‭ ‬ما‭ ‬الغاية‭ ‬العظمى‭ ‬التي‭ ‬أوجدك‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البسيطة‭ ‬لأجلها؟‭ ‬ما الطريق‭ ‬الذي‭ ‬تسير‭ ‬به‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬سيوصلك؟

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬شحذ‭ ‬المنشار‭ ‬ليست‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فقد‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جزئياته‭ ‬يدعو‭ ‬وبصريح‭ ‬العبارة‭ ‬إلى‭ ‬شحذ‭ ‬المنشار‭ ‬سواء‭ ‬بصورة‭ ‬يومية‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬الصلوات‭ ‬الخمس‭ ‬وقيام‭ ‬الليل‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬بصورة‭ ‬شهرية‭ ‬وذلك‭ ‬بختم‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وفعل‭ ‬أعمال‭ ‬الخير،‭ ‬وبصورة‭ ‬سنوية‭ ‬مثل‭ ‬مواسم‭ ‬رمضان‭ ‬والحج‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.‬

ولقد‭ ‬ورد‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الإيمان‭ ‬ليخلقُ‭ ‬في‭ ‬جوف‭ ‬أحدكم‭ ‬كما‭ ‬يخلق‭ ‬الثوب،‭ ‬فاسألوا‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يجدد‭ ‬الإيمان‭ ‬في‭ ‬قلوبكم‮»‬،‭ ‬رواه الطبراني‭ ‬والحاكم‭. ‬ولقد‭ ‬فهم‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الفكرة‭ ‬فقد‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الأثر‭ ‬أن‭ ‬الصحابي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬رواحة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬قال‭ ‬لأبي‭ ‬الدرداء‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬حينما‭ ‬التقى‭ ‬‮«‬هيا‭ ‬بنا‭ ‬نؤمن‭ ‬ساعة،‭ ‬فإن‭ ‬القلب‭ ‬أسرع‭ ‬تقلبًا‭ ‬من‭ ‬القدر‭ ‬إذا‭ ‬استجمعت‭ ‬غليانًا‮»‬،‭ ‬وقول‭ ‬معاذ‭ ‬بن‭ ‬جبل‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬لصاحبه‭ ‬وهو‭ ‬يذكره‭ ‬‮«‬اجلس‭ ‬بنا‭ ‬نؤمن‭ ‬ساعة‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬تعد‭ ‬منهاج‭ ‬حياة‭ ‬وجزء‭ ‬امن‭ ‬مفهوم‭ ‬الفكر‭ ‬والعقيدة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬نود‭ ‬أن‭ ‬نخرجها‭ ‬ونطلقها‭ ‬من‭ ‬المساجد‭ ‬وأن‭ ‬نحصرها‭ ‬في‭ ‬العبادات‭ ‬فقط،‭ ‬فالإسلام‭ ‬دين‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحبس‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬فقط‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح؛‭ ‬هل‭ ‬اطلع‭ (‬ستيفن‭ ‬كوفي‭) ‬على‭ ‬المنهاج‭ ‬الإسلامي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬كتابه‭ (‬العادات‭ ‬السبعة‭)‬؟‭ ‬لا‭ ‬أعلم‭. ‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا