العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأضحى بين الدعوات والأمنيات والتطلعات

بقلم: د. أسعد حمود السعدون

الأحد ١٦ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

من‭ ‬أفضال‭ ‬الله‭ ‬علينا‭ ‬جل‭ ‬في‭ ‬علاه‭ ‬أن‭ ‬جعل‭ ‬لنا‭ ‬مواسم‭ ‬دينية‭ ‬نؤدي‭ ‬بها‭ ‬مناسكنا‭ ‬ونحتفل‭ ‬بعد‭ ‬إنجازها،‭ ‬احتفال‭ ‬فرح‭ ‬لأدائنا‭ ‬تلكم‭ ‬المناسك،‭ ‬واحتفال‭ ‬شكر‭ ‬لله‭ ‬جل‭ ‬في‭ ‬علاه‭ ‬الذي‭ ‬مكننا‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬تلكم‭ ‬المناسك‭ ‬لنفوز‭ ‬بالأجر‭ ‬والثواب‭.‬

وفي‭ ‬وقفة‭ ‬عرفة‭ ‬وعيد‭ ‬الأضحى‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬فرحنا‭ ‬بأداء‭ ‬المناسك،‭ ‬نتوجه‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬من‭ ‬أقدس‭ ‬مقدساتنا‭ ‬لندعوه‭ ‬أن‭ ‬يعين‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وينصرهم‭ ‬على‭ ‬عدوهم‭ ‬ويحميهم‭ ‬من‭ ‬جبروته،‭ ‬ويجعل‭ ‬نيران‭ ‬سلاح‭ ‬العدو‭ ‬بردا‭ ‬وسلاما‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬فلسطين،‭ ‬وأن‭ ‬يرحم‭ ‬شهداءهم‭ ‬ويغفر‭ ‬لهم‭ ‬ويشافي‭ ‬جرحاهم‭ ‬ويرد‭ ‬كيد‭ ‬أعدائهم‭ ‬إلى‭ ‬نحورهم‭.‬

كما‭ ‬نقف‭ ‬خاشعين‭ ‬ندعو‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يغفر‭ ‬لنا‭ ‬ويرحمنا‭ ‬ويعيننا،‭ ‬حيث‭ ‬يجتمع‭ ‬ملايين‭ ‬المسلمين‭ ‬بقلوب‭ ‬مؤمنة‭ ‬خاشعة‭ ‬متطلعة‭ ‬إلى‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وغفرانه‭ ‬وهداه،‭ ‬فلا‭ ‬خوف‭ ‬إلا‭ ‬منه،‭ ‬ولا‭ ‬ملجأ‭ ‬إلا‭ ‬إليه،‭ ‬ولا‭ ‬هدي‭ ‬إلا‭ ‬هداه،‭ ‬ولا‭ ‬طريق‭ ‬إلى‭ ‬الفوز‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬أمر‭ ‬به‭ ‬جل‭ ‬في‭ ‬علاه،‭ ‬معظّمة‭ ‬لخالقها،‭ ‬مذعنة‭ ‬بفطرتها‭ ‬لتعاليم‭ ‬دينها،‭ ‬سائرة‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬نبيها‭ ‬الكريم‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وصحبه‭ ‬الأبرار‭ ‬وآل‭ ‬بيته‭ ‬الأطهار،‭ ‬لا‭ ‬يفرقها‭ ‬لون‭ ‬بشرة‭ ‬أو‭ ‬اختلاف‭ ‬لغة‭ ‬أو‭ ‬موقع‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬اجتماعي‭ ‬أو‭ ‬إمكانات‭ ‬مالية‭ ‬أو‭ ‬قدرات‭ ‬تأثيرية،‭ ‬متوحدة‭ ‬في‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬شأنه‭ ‬في‭ ‬علاه،‭ ‬فهم‭ ‬جميعا‭ ‬مسلمون،‭ ‬فلا‭ ‬عرقية‭ ‬ولا‭ ‬طائفية‭ ‬ولا‭ ‬قبلية‭ ‬ولا‭ ‬فئوية‭ ‬ولا‭ ‬مناطقية‭ ‬ولا‭ ‬مناصبية‭ ‬ولا‭ ‬شحناء‭ ‬ولا‭ ‬تباغض‭ ‬ولا‭ ‬احتراب‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬عرفة،‭ ‬الله‭ ‬ربهم‭ ‬ومحمد‭ ‬نبيهم‭ ‬والقرآن‭ ‬كتابهم،‭ ‬والجنة‭ ‬مطلبهم‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬يدمع‭ ‬عيونهم،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬سواه‭ ‬أمر‭ ‬شخصي،‭ ‬لا‭ ‬موقع‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬ذكر‭ ‬أمام‭ ‬وحدتهم‭ ‬الدينية‭ ‬والمكانية‭. ‬إنهم‭ ‬إخوة‭ ‬الإسلام،‭ ‬إنهم‭ ‬أمة‭ ‬الإسلام،‭ ‬فما‭ ‬أعظم‭ ‬منظرهم‭ ‬وما‭ ‬أجل‭ ‬شعيرتهم،‭ ‬إن‭ ‬العين‭ ‬لتدمع‭ ‬خوفا‭ ‬مما‭ ‬اقترفناه‭ ‬ونحن‭ ‬نلهث‭ ‬حول‭ ‬دنيا‭ ‬فانية،‭ ‬وتدمع‭ ‬عيوننا‭ ‬فرحا‭ ‬بوعد‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬في‭ ‬علاه‭ ‬لعباده‭ ‬التائبين،‭ ‬والقلب‭ ‬يخشع‭ ‬إجلالا‭ ‬للموقف‭ ‬العظيم،‭ ‬الموقف‭ ‬الرباني‭ ‬حيث‭ ‬نعمة‭ ‬الإسلام،‭ ‬فما‭ ‬أعظمها‭ ‬من‭ ‬نعمة‭ ‬أسبغها‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬عباده‭ ‬فزادهم‭ ‬قوة‭ ‬بعد‭ ‬ضعف،‭ ‬ووحدة‭ ‬بعد‭ ‬فرقة،‭ ‬فلا‭ ‬اجتهادات،‭ ‬ولا‭ ‬إفراط،‭ ‬ولا‭ ‬تفريط،‭ ‬ولا‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬شعائر‭ ‬الحج،‭ ‬فزادهم‭ ‬الله‭ ‬أمنا‭ ‬بعد‭ ‬خوف،‭ ‬وأملا‭ ‬بغد‭ ‬أفضل‭ ‬بعد‭ ‬ضياع‭ ‬وتشتت،‭ ‬فما‭ ‬أعظم‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الرباني‭ ‬الذي‭ ‬يشعرنا‭ ‬بأنا‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس،‭ ‬ليس‭ ‬بجبروتها،‭ ‬ولا‭ ‬بتسليحها،‭ ‬وليس‭ ‬باضطهادها‭ ‬أو‭ ‬تعاليها‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬الانتقاص‭ ‬منهم،‭ ‬بل‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬بما‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬خير،‭ ‬بما‭ ‬تأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتنهى‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬من‭ ‬شر‭ ‬وغيره،‭ ‬فنحن‭ ‬بشعائر‭ ‬الدين‭ ‬ومناسكه‭ ‬أمة‭ ‬عظيمة‭ ‬موحدة‭ ‬متساوية‭ ‬في‭ ‬حقوقها‭ ‬وواجباتها،‭ ‬فلا‭ ‬طغيان‭ ‬ولا‭ ‬تقديس‭ ‬لفرد،‭ ‬ولا‭ ‬خضوع‭ ‬إلا‭ ‬لله‭ ‬وحده،‭ ‬كلنا‭ ‬متساوون‭ ‬في‭ ‬شعائر‭ ‬الحج،‭ ‬لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أحد،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬أي‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬ينفعنا‭ ‬أمام‭ ‬الله،‭ ‬فلماذا‭ ‬نخضع‭ ‬لسواه؟‭ ‬ولا‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬رقيب‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الواجبات،‭ ‬ولا‭ ‬وساطة‭ ‬لنيل‭ ‬الأجر‭ ‬والحقوق،‭ ‬فما‭ ‬أعظمه‭ ‬من‭ ‬موقف،‭ ‬وما‭ ‬أروعه‭ ‬من‭ ‬تجمع،‭ ‬إنه‭ ‬تجمع‭ ‬عرفة،‭ ‬والحج‭ ‬عرفة‭.‬

إن‭ ‬الفرد‭ ‬منا‭ ‬ليتمنى‭ ‬أن‭ ‬تطول‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬المباركة‭ ‬أشهرا‭ ‬وسنوات‭ ‬وليس‭ ‬أياما‭ ‬معدودات،‭ ‬إنها‭ ‬ربيع‭ ‬القلوب‭ ‬رغم‭ ‬حرارة‭ ‬الشمس‭ ‬التي‭ ‬يكبحها‭ ‬لهيب‭ ‬الإيمان،‭ ‬حتى‭ ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬ولا‭ ‬نتمنى‭ ‬انتهاء‭ ‬مناسكها‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬سوء‭ ‬حالنا‭ ‬وهوان‭ ‬أمرنا،‭ ‬وتشتت‭ ‬مرئياتنا،‭ ‬وضعفنا‭ ‬وفرقتنا‭ ‬وتفرقنا‭ ‬وضياعنا‭ ‬في‭ ‬أوطاننا‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتعددة‭ ‬مقارنة‭ ‬بجمعنا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬عرفات‭ ‬الله‭ ‬ومنى‭ ‬ومزدلفة‭ ‬وحول‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬كأمة‭ ‬واحدة‭ ‬أمام‭ ‬الله،‭ ‬وقفة‭ ‬عرفة‭ ‬وبقية‭ ‬مناسك‭ ‬الحج‭ ‬لتعطينا‭ ‬أنموذجا‭ ‬لأمة‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الفضل‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساواة،‭ ‬فهل‭ ‬نعي‭ ‬ونتعلم‭ ‬ونرى‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما،‭ ‬تعاونا‭ ‬وتكاملا‭ ‬صادقا‭ ‬بين‭ ‬دولنا‭ ‬وشعوبنا‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إملاءات‭ ‬خارجية،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬خضوع‭ ‬لتوجيهات‭ ‬أجنبية،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬مشكلاتنا‭ ‬واختلافاتنا‭ ‬بمنطق‭ ‬العقل‭ ‬والحكمة‭ ‬بما‭ ‬يوصل‭ ‬إلى‭ ‬الوئام‭ ‬والسلام‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬المكابرة‭ ‬والتعالي‭ ‬والتمييز‭ ‬والتصادم‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬وبما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قيم‭ ‬أمتنا‭ ‬النبيلة،‭ ‬وبناء‭ ‬جسور‭ ‬المحبة‭ ‬والاستقرار‭ ‬والأمان،‭ ‬ويوطد‭ ‬قواعد‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬الإسلامية‭.‬

وختاما‭ ‬نقول‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬على‭ ‬فضله‭ ‬وإحسانه،‭ ‬الذي‭ ‬متعنا‭ ‬بالصحة‭ ‬والعافية‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬الخليجية،‭ ‬ونسأله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬بلادنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬وأطيب‭ ‬التهاني‭ ‬وأسمى‭ ‬التبريكات‭ ‬لقياداتنا‭ ‬الخليجية‭ ‬الحكيمة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها،‭ ‬سيدي‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬وخادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬ملك‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ولصاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬ولصاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬ولشعوبنا‭ ‬الوفية‭ ‬المؤمنة‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬بيعتها‭ ‬وعهودها‭ ‬وولائها،‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬في‭ ‬علاه‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬أعواما‭ ‬عديدة‭ ‬وأزمانا‭ ‬مديدة،‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأمتنا‭ ‬الإسلامية‭ ‬تنهض‭ ‬بخطى‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬البناء‭ ‬والإصلاح‭ ‬والتنمية‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا