العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كيف نستثمر مواقف التنديد العالمية بجرائم الكيان الصهيوني؟

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الثلاثاء ٠٤ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

مع‭ ‬استمرار‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬‮«‬قطاع‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬وتزايد‭ ‬عمليات‭ ‬القتل‭ ‬والاغتيال‭ ‬في‭ ‬‮«‬الضفة‭ ‬الغربية‮»‬‭ ‬وتدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الصعد،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬العدوان‭ ‬الصهيوني‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬اتساع‭ ‬الانقسام‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ولدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الدولي‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬الأخير،‭ ‬كانت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬داعمة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬هجوم‭ ‬حركة‭ ‬المقاومة‭ ‬الإسلامية‭ (‬حماس‭) ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭. ‬لكن‭ ‬أعمال‭ ‬الإبادة‭ ‬المستمرة‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وعدم‭ ‬انصياع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬للقرارات‭ ‬الدولية،‭ ‬أثار‭ ‬ويثير‭ ‬انتقادات‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق،‭ ‬فيما‭ ‬عدلت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬مواقفها‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬داعمة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬حتى‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مؤيدة‭ ‬مئة‭ ‬بالمئة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭.‬

على‭ ‬المستويات‭ ‬الأعلى،‭ ‬بدأت‭ ‬انتقادات‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ (‬أنطونيو‭ ‬جوتيريش‭) ‬وانتهت‭ ‬بصدور‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬إصدار‭ ‬أوامر‭ ‬اعتقال‭ ‬بحق‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ (‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭) ‬ووزير‭ ‬دفاعه‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأفعالهما‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭.‬

ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬صعّدت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬وبخاصة‭ ‬الغربية‭ ‬انتقاداتها‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬واستدعت‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬سفراءها‭ ‬أو‭ ‬قطعت‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬الكيان،‭ ‬فيما‭ ‬أعلنت‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬موقفها‭ ‬المعلن‭ ‬من‭ ‬إقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة،‭ ‬وهي‭ ‬إسبانيا‭ ‬والنرويج‭ ‬وإيرلندا،‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ (‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭) ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬إن‭ ‬فرنسا‭ ‬‮«‬ملتزمة‭ ‬بحق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬باشر‭ ‬بتغيير‭ ‬موقفه‭: ‬‮«‬في‭ ‬غزة،‭ ‬يجب‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬حماس‭ ‬والسكان‭ ‬المدنيين‭. ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬هدنة‭ ‬إنسانية‭ ‬لحماية‭ ‬الفئات‭ ‬الأكثر‭ ‬ضعفا،‭ ‬والسماح‭ ‬باتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬أفضل‭ ‬ضد‭ ‬الإرهابيين‮»‬‭.‬

لكل‭ ‬القرارات‭ ‬الأممية‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬منذ‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬تقريبا‭ ‬صوتت‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وإفريقيا‭ ‬لصالحها،‭ ‬وكذلك‭ ‬فعلت‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬55‭ ‬دولة‭ ‬عضوا،‭ ‬أصدر‭ ‬بيانا‭ ‬دعما‭ ‬لفلسطين،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إنكار‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وخاصة‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬للتوتر‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الدائم‮»‬‭. ‬

كذلك‭ ‬عمت،‭ ‬في‭ ‬ظاهرة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬مواقف‭ ‬التأييد‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬وقضيتهم،‭ ‬وذلك‭ ‬‮«‬بسبب‮»‬‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وتفاعلها‭ ‬الانفضاحي‭ ‬مع‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل‭ ‬الجماهيري‭ ‬التظاهرات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لفلسطين‭ ‬والمنددة‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬جامعات‭ ‬وشوارع‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭.‬

الآن،‭ ‬ما‭ ‬العمل؟‭ ‬دعونا‭ ‬نتفق‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإدانات‭ ‬لم‭ ‬تدن‭ ‬فقط‭ ‬حكومة‭ (‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭) ‬بل‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬هي‭ ‬كشفت‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع‭ ‬الصورة‭ ‬الحقيقية‭ ‬البشعة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وأنها‭ ‬ليست‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تصويرها‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وبالأخص‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ودول‭ ‬أوروبا،‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬واحة‮»‬‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬‮«‬صحراء‮»‬‭ ‬القمع‭ ‬العربي‭ ‬وأنها‭ ‬‮«‬فيلا‭ ‬في‭ ‬غابة‮»‬،‭ ‬دولة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬جيرانها،‭ ‬وتكفل‭ ‬المساواة‭ ‬لكل‭ ‬مواطنيها،‭ ‬وأنها‭ ‬تملك‭ ‬الجيش‭ ‬‮«‬الأكثر‭ ‬أخلاقية‭ ‬في‭ ‬العالم‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬المقولة‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬رددها‭ ‬قادة‭ ‬الكيان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬حيث‭ ‬ثبت‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع‭ ‬أنه‭ ‬الجيش‭ ‬الأكثر‭ ‬قذارة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ويمارس‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭. ‬

والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬فإن‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬‮«‬للبروباجندا‮»‬‭ ‬التي‭ ‬روج‭ ‬لها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬لخداع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬لتثبيت‭ ‬أركان‭ ‬كيانه،‭ ‬وكسب‭ ‬التعاطف‭ ‬العالمي‭ ‬تهاوى‭ ‬وتحطمت‭ ‬صورته‭ ‬التي‭ ‬خلصت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬إبادة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬جيش‭ ‬له‭ ‬ذرة‭ ‬من‭ ‬‮«‬الأخلاقية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬حكومة‭ ‬لديها‭ ‬ذرة‭ ‬من‭ ‬‮«‬الديمقراطية‮»‬‭ ‬والآن‭: ‬ما‭ ‬العمل؟

المطلوب‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الانفضاح‭ ‬العالمي‭ ‬هو‭ ‬استثماره‭ ‬بطريقة‭ ‬تضمن‭ ‬ديمومته‭ ‬والعمل‭ ‬عليها‭ ‬منذ‭ ‬اللحظة،‭ ‬وهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تكرس‭ ‬وتعزز‭ ‬وترسخ‭ ‬الصورة‭ ‬القبيحة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الانتصار‭ ‬للحقيقة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬الرواية‭ ‬الاسرائيلية‭. ‬

وعملية‭ ‬الاستثمار‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭ ‬الانفضاح‭ ‬هي‭ ‬أساساَ‭ ‬مسؤولية‭ ‬فلسطينية،‭ ‬بدعم‭ ‬ضروري‭ ‬من‭ ‬المنظومتين‭ ‬العربية‭ ‬والاسلامية‭ ‬وجميع‭ ‬القوى‭ ‬الرسمية‭ ‬والشعبية‭ ‬العالمية‭ ‬الشاهدة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الانفضاح‭. ‬

وغني‭ ‬عن‭ ‬الذكر‭ ‬إن‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬الاستثمار‮»‬‭ ‬المنوه‭ ‬عنها‭ ‬تحتاج،‭ ‬أولاَ‭ ‬واخيراً،‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مجال،‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬إطلاقاَ،‭ ‬لاستثمار‭ ‬وديمومة‭ ‬ومأسسة‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬النضال‭ ‬السياسي‭ ‬و‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬‮«‬الناعم‮»‬‭ ‬متواكبا‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المقاومات‭ ‬‮«‬غير‭ ‬الناعمة‮»‬‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬والتي‭ ‬لطالما‭ ‬استخدمتها‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬معاركها‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬والاستعمار‭ ‬والاضطهاد‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكاله‮…‬‭.‬وبالتأكيد‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬أقرته‭ ‬القوانين‭ ‬والشرائع‭ ‬الدولية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا