العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إسقاطات أحداث غزة على سورة يوسف

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٦ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

لعل‭ ‬القارئ‭ ‬لسورة‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬يلاحظ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬صورة‭ ‬واحدة،‭ ‬والشخصية‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬السورة،‭ ‬وهو‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭. ‬فنبي‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬يرتحل‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬من‭ ‬مكيدة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬ولكن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬والمكائد‭ ‬يُظهر‭ ‬لنا‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬النفوس‭ ‬البشرية‭ ‬السوية‭ ‬وغير‭ ‬السوية،‭ ‬والمكائد،‭ ‬والخداع،‭ ‬وطبائع‭ ‬البشر،‭ ‬وأنت‭ ‬كقارئ‭ ‬لهذه‭ ‬السورة‭ ‬تقرأ‭ ‬أيضًا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬النفسية‭ ‬للبشر،‭ ‬وعندما‭ ‬تأتي‭ ‬وتقارنها‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬العالمية‭ ‬والمحلية‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬التقارب‭ ‬الشديد‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الصور‭ ‬البشرية،‭ ‬فالإنسان‭ ‬هو‭ ‬هو‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬طوال‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭. ‬لنحاول‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬بعض‭ ‬الإسقاطات‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬النماذج‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬وأحداث‭ ‬غزة‭.‬

الصورة‭ ‬الأولى؛‭ ‬أخوة‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭: ‬يمكننا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الآيات‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬أنه‭ ‬بعدما‭ ‬اتفق‭ ‬أخوة‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬قتله‭ ‬أو‭ ‬رميه‭ ‬في‭ ‬البئر،‭ ‬قال‭ ‬قائل‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬9‭ (‬اقتلوا‭ ‬يُوسُفَ‭ ‬أَوِ‭ ‬اطرحوه‭ ‬أرضا‭ ‬يخل‭ ‬لكم‭ ‬وجه‭ ‬أبيكم‭ ‬وَتَكُونُواْ‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬قوما‭ ‬صَالِحِينَ‭)‬،‭ ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك؟

الذي‭ ‬يعنيه‭ ‬بحسب‭ ‬التفاسير‭ ‬وبحسب‭ ‬ما‭ ‬نفهم‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬بين‭ ‬الأخوة‭ ‬على‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ينبض‭ ‬فيهم‭ ‬عرق‭ ‬الندم،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬من‭ ‬سياق‭ ‬الآية‭ ‬السابقة‭ ‬أنهم‭ ‬عزموا‭ ‬على‭ ‬التوبة‭ ‬من‭ ‬جريمتهم‭ ‬تلك‭ ‬الشائنة‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬أنفسهم‭ ‬أنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬تمام‭ ‬العلم‭ ‬أنهم‭ ‬سيقومون‭ ‬بجريمة‭ ‬لا‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬العقل‭ ‬ولا‭ ‬المنطق‭ ‬ولا‭ ‬عقيدة‭ ‬وشريعة‭ ‬سيدنا‭ ‬يعقوب‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬دين‭ ‬التوحيد‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬السوية‭ ‬وقوانينها،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإنهم‭ ‬عزموا‭ ‬تمام‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬الشنيعة،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أنهم‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬سيقومون‭ ‬بالتوبة،‭ ‬وذلك‭ ‬يمكن‭ ‬قراءته‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجزئية‭ ‬من‭ ‬الآية‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ (‬وَتَكُونُواْ‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬قوما‭ ‬صالحين‭)‬،‭ ‬ولكنهم‭ ‬لم‭ ‬يسألوا‭ ‬أنفسهم،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬قبول‭ ‬توبتهم‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬وما‭ ‬مبرراتهم‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة؟

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فجيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬يقوم‭ ‬يوميًّا‭ ‬بالإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬وبأبشع‭ ‬الصور،‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬وكل‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬والشرقي،‭ ‬وكذلك‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬بمنظماته‭ ‬الإنسانية‭ ‬وغير‭ ‬الإنسانية‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬جريمة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاق‭ ‬والقيم‭ ‬والتاريخ‭ ‬وكل‭ ‬الأعراف،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يقوم‭ ‬بتلك‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬رادع،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬سوف‭ ‬يُترك‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يحاسبه‭ ‬أحد،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مساءلته‭: ‬لماذا‭ ‬فعلت‭ ‬فعلتك؟‭ ‬

وربما‭ ‬لأن‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬يعرف‭ ‬حق‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬بقضه‭ ‬وقضيضه‭ ‬سيقف‭ ‬أمام‭ ‬الإعلام‭ ‬ليس‭ ‬ليعتذر‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬ليطلب‭ ‬الغفران،‭ ‬وإنما‭ ‬ليبرر‭ ‬جريمته‭ ‬بأبشع‭ ‬الأكاذيب‭ ‬والنفاق‭ ‬البشري،‭ ‬إنها‭ ‬صورة‭ ‬أبشع‭ ‬من‭ ‬صورة‭ ‬أخوة‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬عندما‭ ‬جاءوا‭ ‬عشاءً‭ ‬يبكون،‭ ‬ليبرروا‭ ‬جريمتهم‭ ‬أمام‭ ‬سيدنا‭ ‬يعقوب‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬بأن‭ ‬الذئب‭ ‬أكل‭ ‬أخاهم،‭ ‬وكان‭ ‬العذر‭ ‬أقبح‭ ‬من‭ ‬الذنب‭. ‬

الصورة‭ ‬الثانية؛‭ ‬زوجة‭ ‬العزيز‭: ‬بعدما‭ ‬تربى‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬وعاش‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬عزيز‭ ‬مصر،‭ ‬وظهرت‭ ‬ملامح‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬شكله‭ ‬وجسمه،‭ ‬وحتى‭ ‬تفكيره‭ ‬وقدراته‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجالات،‭ ‬وجدت‭ ‬امرأة‭ ‬العزيز‭ ‬أنها‭ ‬منجذبة‭ ‬له،‭ ‬مولعة‭ ‬به،‭ ‬وأن‭ ‬رغباتها‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬حدود‭ ‬ولا‭ ‬قيود،‭ ‬فهي‭ ‬امرأة‭ ‬العزيز‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يرفض‭ ‬لها‭ ‬طلب،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لديها‭ ‬مباح‭ ‬ومستجاب،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬يرفض‭ ‬لها‭ ‬هذا‭ ‬الغلام‭ ‬تلك‭ ‬الرغبة‭ ‬المتأججة‭ ‬في‭ ‬قلبها‭ ‬ونفسها‭.‬

إلا‭ ‬أنها‭ ‬تفاجأ‭ ‬أن‭ ‬رغبتها‭ ‬لم‭ ‬تلق‭ ‬القبول‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الغلام،‭ ‬فحاولت‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬فر‭ ‬من‭ ‬أمامها،‭ ‬وعند‭ ‬باب‭ ‬الغرفة،‭ ‬يفاجآن‭ ‬بعزيز‭ ‬مصر‭ ‬الذي‭ ‬يهم‭ ‬بدخول‭ ‬الغرفة،‭ ‬فوقفا‭ ‬حائرين،‭ ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفعلا؟

الزوجة‭ ‬الخائنة،‭ ‬المرفهة،‭ ‬الظالمة‭ ‬لنفسها‭ ‬وبيت‭ ‬الزوجية،‭ ‬تركض‭ ‬خلف‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬لإجباره‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬رغباتها،‭ ‬وهو‭ ‬الشاب‭ ‬اليافع‭ ‬الذي‭ ‬يرفض‭ ‬سقوط‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق،‭ ‬يجري‭ ‬نحو‭ ‬منفذ‭ ‬الخروج‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الإثم‭ ‬والخيانة،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الآيات‭ ‬25‭ ‬و26،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ (‬واستبقا‭ ‬الباب‭ ‬وقدت‭ ‬قميصه‭ ‬مِن‭ ‬دُبُر‭ ‬وألفيا‭ ‬سَيِّدَهَا‭ ‬لَدَا‭ ‬الباب‭ ‬قالت‭ ‬مَا‭ ‬جزاء‭ ‬من‭ ‬أرَادَ‭ ‬بأهلك‭ ‬سوءا‭ ‬إلا‭ ‬أَن‭ ‬يسجن‭ ‬أو‭ ‬عَذَابٌ‭ ‬ألِيم‭ ‬قَالَ‭ ‬هِيَ‭ ‬راودتني‭ ‬عَن‭ ‬نفسي‭ ‬وَشَهِدَ‭ ‬شَاهِد‭ ‬من‭ ‬أهلها‭ ‬إن‭ ‬كَانَ‭ ‬قميصه‭ ‬قُدَّ‭ ‬مِن‭ ‬قُبُل‭ ‬فصدقت‭ ‬وَهُوَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الكاذبين‭).‬

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الآيات‭ ‬أن‭ ‬المظلوم‭ ‬لم‭ ‬يتكلم‭ ‬وإنما‭ ‬سكت‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬كرامة‭ ‬عزيز‭ ‬مصر،‭ ‬وأن‭ ‬الظالمة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬نطقت‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬وراحت‭ ‬تشتكي‭ ‬لزوجها‭ ‬ظلم‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬شيئا،‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬ظلمت،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬أجرمت،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬بكت،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬قالت،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬تحدث‭ ‬أولاً،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إننا‭ ‬نعرف‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬دبرت‭ ‬وفعلت‭ ‬الأفاعيل،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬أصدرت‭ ‬قرار‭ ‬العقاب‭ ‬كذلك،‭ ‬فهو‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يسجن‭ ‬أو‭ ‬يعذب،‭ ‬لأنه‭ ‬برئ،‭ ‬وهنا‭ ‬قتلت‭ ‬براءة‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬فوجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬الشبهة‭ ‬والجريمة‭ ‬لذلك‭ ‬تحدث‭ ‬ودافع‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬وهذا‭ ‬الحدث‭ ‬يذكرنا‭ ‬بالمثل‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ (‬ضربني‭ ‬وبكى،‭ ‬وسبقني‭ ‬واشتكى‭)‬،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث؟

عندما‭ ‬نتابع‭ ‬سير‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬الآيات،‭ ‬وبعدما‭ ‬يكتشف‭ ‬العزيز‭ ‬أن‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬برئ‭ ‬من‭ ‬التهمة‭ ‬المنسوبة‭ ‬إليه،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬برئ‭ ‬يلتفت‭ ‬إليه‭ ‬العزيز،‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬من؟‭ ‬ليس‭ ‬إلى‭ ‬زوجته‭ ‬الظالمة‭ ‬الخائنة‭ ‬وإنما‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬البريء‭ ‬ليقول‭ ‬له‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬29‭ (‬يُوسُفُ‭ ‬أعرض‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬واستغفري‭ ‬لذنبك‭ ‬إنَّكِ‭ ‬كُنتِ‭ ‬مِنَ‭ ‬الخاطئين‭). ‬فأصبح‭ ‬يوسف‭ ‬هو‭ ‬المتهم‭ ‬والظالم‭ ‬هنا،‭ ‬وبقيت‭ ‬هي‭ ‬هي‭ ‬لم‭ ‬يمسها‭ ‬شيء‭.‬

ما‭ ‬زالت‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬‭ ‬آسف‭ ‬أقصد‭ ‬زوجة‭ ‬العزيز‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تنتقم‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تنال‭ ‬رغباتها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُرفض،‭ ‬فتجمع‭ ‬نساء‭ ‬المدينة‭ ‬اللاتي‭ ‬تحدثن‭ ‬عن‭ ‬فضيحتها،‭ ‬وتُدخل‭ ‬عليهن‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬ويحدث‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬وتصر‭ ‬أشد‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬رغباتها‭ ‬وفعلها،‭ ‬ولكنه‭ ‬أصر‭ ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬برفضه‭ ‬القاطع‭.‬

وهنا‭ ‬تأتي‭ ‬قمة‭ ‬الدراما‭ ‬والظلم‭ ‬والفساد‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي‭ ‬ليدخل‭ ‬البريء‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬وتترك‭ ‬المجرمة‭ ‬الظالمة‭ ‬لنفسها‭ ‬وزوجها‭ ‬وأهلها‭ ‬حرة‭ ‬طليقة‭.‬

لنعيد‭ ‬قراءة‭ ‬المشهد‭ ‬بطريقتنا،‭ ‬

لنتصور‭ ‬أن‭ ‬امرأة‭ ‬العزيز‭ ‬هي‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وزوجها‭ ‬هي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ودول‭ ‬الغرب،‭ ‬وصديقه‭ ‬الذي‭ ‬أفتى‭ ‬أن‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬برئ‭ ‬من‭ ‬التهمة‭ ‬المنسوبة‭ ‬إليه‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬وسيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬هي‭ ‬المقاومة‭.‬

فدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬تعربد‭ ‬وتقتل‭ ‬وتشرد‭ ‬وتبيد‭ ‬وتقوم‭ ‬بكل‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تسجيلها‭ ‬في‭ ‬الوثائق،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الوثائق‭ ‬والأقلام‭ ‬قد‭ ‬امتلأت‭ ‬عن‭ ‬الآخر،‭ ‬فهي‭ ‬الطفلة‭ ‬المدللة‭ ‬المرفهة‭ ‬للعزيز‭ ‬ودول‭ ‬الغرب،‭ ‬فكل‭ ‬طلباتها‭ ‬مستجابة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أي‭ ‬استثناء،‭ ‬تطلب‭ ‬الأسلحة‭ ‬والعتاد‭ ‬والجيوش،‭ ‬فتستجيب‭ ‬لها‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭.‬

تقصف‭ ‬المدن،‭ ‬تبيدها‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيها،‭ ‬ثم‭ ‬يتكشف‭ ‬العالم‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬وتأتي‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬لتقر‭ ‬بجريمة‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬أمام‭ ‬العالم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬تعاتب‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬شيء،‭ ‬وإنما‭ ‬تضع‭ ‬كل‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬المقاومة،‭ ‬على‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬فتارة‭ ‬تهددهم‭ ‬بالسلاح،‭ ‬وتارة‭ ‬باللجوء‭ ‬والتزام‭ ‬معاهدة‭ ‬السلام‭ ‬ووقف‭ ‬القتال،‭ ‬وتارة‭ ‬بطردهم‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬وتستمر‭ ‬بتهديد‭ ‬المقاومة،‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬ومحكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬والجميع‭ ‬أقرت‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالاً‭ ‬للشك،‭ ‬أنها‭ ‬احتلال‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬حق‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬لأنها‭ ‬أساسًا‭ ‬احتلال،‭ ‬فكيف‭ ‬لمحتل‭ ‬أن‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬صاحب‭ ‬الأرض‭ ‬والقضية؟

وقبل‭ ‬أن‭ ‬تسدل‭ ‬الستارة‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الأخير،‭ ‬يعاقب‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬بالسجن،‭ ‬وكذلك‭ ‬أصدرت‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬قرارها‭ ‬بسجن‭ ‬قادة‭ ‬المقاومة،‭ ‬سواء‭ ‬بسواء‭ ‬مع‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب،‭ ‬لماذا؟‭ ‬هل‭ ‬لأنها‭ ‬تريد‭ ‬استعادة‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬الوجود؟

أخوة‭ ‬يوسف‭ ‬وزوجة‭ ‬العزيز‭ ‬وكذلك‭ ‬العزيز‭ ‬نفسه‭ ‬وصديقه‭ ‬يتكررون‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬غزة،‭ ‬ولكن‭ ‬بأسماء‭ ‬ووجوه‭ ‬أخرى،‭ ‬ووجوه‭ ‬جميلة‭ ‬وهندام‭ ‬مرتب،‭ ‬وأثاث‭ ‬يختلف‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬مختلف‭ ‬إلا‭ ‬الأكاذيب‭ ‬هي‭ ‬هي،‭ ‬كلهم‭ ‬يريدون‭ ‬رمي‭ ‬المقاومة‭ ‬واتهام‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬بتهم‭ ‬لم‭ ‬يقم‭ ‬بها،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬أخلاقه‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بها،‭ ‬كلهم‭ ‬يريدون‭ ‬من‭ ‬البريء‭ ‬أن‭ ‬يقر‭ ‬بالجريمة،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يرتكب‭ ‬الجريمة،‭ ‬الجريمة‭ ‬ارتكبت‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إثبات‭ ‬وشهود،‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬الصدق‭ ‬مع‭ ‬النفس‭.‬

الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ودول‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬يعرفون‭ ‬تمام‭ ‬المعرفة‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬أخوة‭ ‬يوسف‭ ‬ومن‭ ‬هي‭ ‬زوجة‭ ‬العزيز،‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬البريء،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يجرؤون‭ ‬على‭ ‬التحدث‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬ولا‭ ‬يجرؤون‭ ‬أن‭ ‬يعلقوا‭ ‬الجرس‭ ‬ويقولون‭ ‬من‭ ‬المذنب،‭ ‬ربما‭ ‬نعرف‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬الأسباب‭ ‬ولكن‭ ‬الحقائق‭ ‬تتحدث،‭ ‬كما‭ ‬غض‭ ‬العزيز‭ ‬البصر‭ ‬عن‭ ‬خيانة‭ ‬زوجته‭ ‬وجريمتها،‭ ‬كما‭ ‬عزم‭ ‬أخوة‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬التوبة‭ ‬بعد‭ ‬تمام‭ ‬الجريمة‭. ‬فهل‭ ‬نعرف‭ ‬لماذا‭ ‬غض‭ ‬عزيز‭ ‬مصر‭ ‬البصر‭ ‬عن‭ ‬جريمة‭ ‬زوجته؟‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭. ‬لماذا‭ ‬فكر‭ ‬أخوة‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬التوبة‭ ‬بعد‭ ‬أداء‭ ‬الجريمة؟‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭.‬

الجريمة‭ ‬تقع‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬العالم،‭ ‬والعالم‭ ‬صامت،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬شرارة‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬زلزال‭ ‬الأقصى‭ ‬يمتد،‭ ‬وسيمتد‭ ‬ليحرق‭ ‬العالم،‭ ‬ربما‭ ‬ليس‭ ‬اليوم‭ ‬وإنما‭ ‬حتمًا‭ ‬سيأتي‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬ستستمر‭ ‬النار‭ ‬والزلزال‭ ‬والطوفان‭ ‬لتحرق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬اشترك‭ ‬في‭ ‬الجريمة‭. ‬

وفي‭ ‬المشهد‭ ‬الختامي‭ ‬والأخير‭ ‬من‭ ‬القصة‭ ‬يتبوأ‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬سدة‭ ‬الحكم،‭ ‬وتنتصر‭ ‬رغبة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬البقاء‭. ‬

zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا