العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

وداعا لمزاعم الغرب عن الحرية والديمقراطية

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

منذ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬200‭ ‬يوم‭ ‬فقط،‭ ‬كانت‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬تطبل‭ ‬وتجعل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬يرقص‭ ‬على‭ ‬أنغام‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وكلما‭ ‬قامت‭ ‬جماعة‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬باحتجاج‭ ‬على‭ ‬شيء،‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬نوع‭ ‬هذا‭ ‬الاحتجاج،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬بسيطًا،‭ ‬فإن‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬ينتفض‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيه‭ ‬وتطالب‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬وخاصة‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬وبالذات‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬بتفهم‭ ‬مطالب‭ ‬تلك‭ ‬الجماعة،‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬العقلانية‭ ‬وضبط‭ ‬النفس،‭ ‬والحوار‭ ‬وأن‭ ‬تدع‭ ‬الجماعة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬آرائها‭ ‬ويجب‭ ‬تحقيق‭ ‬مطالبها‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مصطلحات‭ ‬كثيرة،‭ ‬لو‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬لطُبع‭ ‬منها‭ ‬اليوم‭ ‬عشرات‭ ‬المجلدات‭ ‬والكتب‭.‬

واليوم‭ ‬وبعد‭ ‬انقضاء‭ ‬الـ‭ ‬200‭ ‬يوم‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬اجتياح‭ ‬غزة،‭ ‬انكشف‭ ‬الخداع،‭ ‬وتطايرت‭ ‬الكلمات‭ ‬فمسحها‭ ‬الهواء‭ ‬المتطاير،‭ ‬إذ‭ ‬تبين‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬كلمات‭ ‬جوفاء،‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬حقيقية‭ ‬حتى‭ ‬عند‭ ‬من‭ ‬سطرها‭ ‬وكتبها،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الحبر‭ ‬الذي‭ ‬كتبت‭ ‬به‭ ‬تلك‭ ‬الشعارات‭ ‬لا‭ ‬يساوي‭ ‬ثمن‭ ‬ورقة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬عليها،‭ ‬فقد‭ ‬انكشفت‭ ‬ومسحت،‭ ‬وتطايرت‭ ‬وتساقطت‭ ‬تحت‭ ‬أقدام‭ ‬تمثال‭ ‬الحرية،‭ ‬أو‭ ‬ذلك‭ ‬الصنم‭ ‬المعبود‭ ‬والذي‭ ‬يدعي‭ ‬أنه‭ ‬يرفع‭ ‬شعارات‭ ‬الحرية‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬صنم‭ ‬الحرية‭ ‬سقط‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬كثرة‭ ‬الشعارات‭ ‬والهتافات‭ ‬والأوراق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لها،‭ ‬فتناثرت‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬مع‭ ‬سقوط‭ ‬الصنم‭ ‬وتكسره‭.‬

يعتقد‭ ‬الغرب‭ ‬أنه‭ (‬منارة‭ ‬الحرية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭)‬،‭ ‬بالأحرى‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يعتقد،‭ ‬ولكنه‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬لذلك‭ ‬وجدت‭ ‬الشعوب‭ ‬الغربية‭ ‬نفسها‭ ‬حرة‭ ‬في‭ ‬التعري‭ ‬وممارسة‭ ‬الخبائث‭ ‬في‭ ‬الحدائق‭ ‬العامة،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يعترض‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فعرفت‭ ‬ذلك‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وبالحرية،‭ ‬وجدت‭ ‬الشعوب‭ ‬الغربية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتعاطى‭ ‬المسكرات‭ ‬والمخدرات،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يعترض،‭ ‬وجدت‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬تحويل‭ ‬الجنس‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬رغبة‭ ‬الوالدين،‭ ‬وجدت‭ ‬نساء‭ ‬الغرب‭ ‬أنهن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينجبن‭ ‬أطفالاً‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الزواج،‭ ‬وجد‭ ‬السارق‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسرق‭ ‬أمام‭ ‬عين‭ ‬القانون‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يتحايل‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬ويجد‭ ‬الفجوات‭ ‬فيه،‭ ‬للمنتحر‭ ‬حرية‭ ‬الانتحار‭ ‬إن‭ ‬رغب،‭ ‬وجد‭ ‬القاتل‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقتل‭ ‬أي‭ ‬نفس‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القانون،‭ ‬وجد‭ ‬الكاتب‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتطاول‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬قيود‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬احترام‭ ‬للمواثيق،‭ ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتلاعب‭ ‬على‭ ‬القوانين‭.‬

في‭ ‬الغرب‭ ‬ينتشر‭ ‬الفساد‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬استثناء،‭ ‬ويستشري‭ ‬التحرش‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المدارس‭ ‬والمعاهد‭ ‬والجامعات،‭ ‬وأمور‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها،‭ ‬كلها‭ ‬يمكن‭ ‬ممارستها‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬انتشرت‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬ترك‭ ‬للشعوب‭ ‬الغربية‭ ‬حرية‭ ‬الاختيار‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الموت‭ ‬والحياة،‭ ‬فمن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬فليذهب‭ ‬بنفسه‭ ‬ليبحث‭ ‬عن‭ ‬العلاج‭ ‬والوقاية،‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬الموت‭ ‬هو‭ ‬النهاية‭ ‬الحتمية‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬لنفسه‭ ‬الدواء،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬مدى‭ ‬تجاهل‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬لحياة‭ ‬وصحة‭ ‬الشعب‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأساسية‭. ‬

في‭ ‬الغرب‭ ‬كله،‭ ‬ينتشر‭ ‬فيروس‭ ‬العنصرية‭ ‬ضد‭ ‬ذوي‭ ‬البشرة‭ ‬السمراء،‭ ‬أيًا‭ ‬كانت‭ ‬أصولهم‭ ‬ودرجاتهم‭ ‬العلمية،‭ ‬فحتى‭ ‬الرواتب‭ ‬والمكافآت‭ ‬تختلف،‭ ‬ليس‭ ‬بين‭ ‬البيض‭ ‬والسمر‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بيضاء،‭ ‬ويمكن‭ ‬للراغبين‭ ‬في‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية‭ ‬للاطلاع‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحقائق‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الغرب‭ ‬يتدخل‭ ‬بكل‭ ‬صلافة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى‭ ‬تحت‭ ‬ستار‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وإثارة‭ ‬الاضطرابات‭ ‬والفوضى‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.  ‬

في‭ ‬أغسطس‭ ‬2022‭ ‬أصدرت‭ ‬الجمعية‭ ‬الصينية‭ ‬لدراسات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬تقريرًا‭ ‬أشارت‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬ارتكبت‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تنتهك‭ ‬فيها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬بشكل‭ ‬خطير،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬والجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والاحتجاز‭ ‬التعسفي،‭ ‬والاعتداء‭ ‬بالتعذيب،‭ ‬وتعذيب‭ ‬السجناء،‭ ‬والعقوبات‭ ‬الأحادية‭ ‬العشوائية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والمناطق‭ ‬المحيطة‭ ‬بها،‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬انتهاكات‭ ‬منهجية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬ضرر‭ ‬دائم‭ ‬وبعيد‭ ‬المدى‭.‬

وأشارت‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬المؤرخ‭ ‬الأمريكي‭ (‬بول‭ ‬أتوود‭) ‬المعنون‭ (‬الحرب‭ ‬والإمبراطورية‭: ‬طريقة‭ ‬الحياة‭ ‬الأمريكية‭) ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬طريقة‭ ‬الحياة‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬فمنذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬عامًا‭ ‬فقط‭ ‬لم‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬حرب،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬‮«‬إمبراطورية‭ ‬حرب‮»‬‭ ‬حقيقية‭.‬

فمنذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬شاركت‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الصراعات‭ ‬والحروب‭ ‬الرئيسية‭ ‬تقريبًا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والمناطق‭ ‬المحيطة‭ ‬بها،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬المنطقة‭ ‬الأكثر‭ ‬تضررًا‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭.‬

وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬الإحصاءات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬مجلة‭ ‬مؤسسة‭ (‬سميثسونيان‭ ‬الأمريكية‭) ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬غطت‭ ‬الحروب‭ ‬والعمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬باسم‭ (‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭) ‬‮«‬حوالي‭ ‬40%‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‮»‬‭.‬

يقول‭ ‬التقرير‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬تحشد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حلفاءها‭ ‬لشن‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ (‬1990-1991‭) ‬وحرب‭ ‬أفغانستان‭ (‬2001-2021‭) ‬وحرب‭ ‬العراق‭ (‬2003-2011‭) ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬انخرطت‭ ‬أيضًا‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الليبية‭ ‬والحرب‭ ‬السورية،‭ ‬مما‭ ‬خلق‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬لقد‭ ‬تسببت‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬المثيرة‭ ‬للحروب‭ ‬في‭ ‬إلحاق‭ ‬ضرر‭ ‬مباشر‭ ‬وخطير‭ ‬ودائم‭ ‬بحق‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والبقاء‭.‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬فقد‭ ‬قمعت‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬بشكل‭ ‬عشوائي‭ ‬الدول‭ ‬والمنظمات‭ ‬غير‭ ‬الممتثلة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وعززت‭ ‬قسرًا‭ ‬القيم‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬فرض‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والأمنية‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬تهيمن‭ ‬عليها‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭. ‬والذي‭ ‬يتمثل‭ ‬هدفها‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والمفاهيمية‭ ‬الغربية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬مسارات‭ ‬التنمية‭ ‬المستقلة‭ ‬لبلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬وقوض‭ ‬بشدة‭ ‬سيادة‭ ‬البلدان‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حقوق‭ ‬شعوبها‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والصحة‭.‬

تحاول‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬فرض‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬وإنشاء‭ ‬أنظمة‭ ‬هشة‭ ‬تابعة‭ ‬لخدمة‭ ‬هيمنتها‭ ‬العالمية،‭ ‬وقد‭ ‬أدت‭ (‬صادراتها‭ ‬المؤسسية‭) ‬القسرية‭ ‬ذات‭ ‬النزعات‭ ‬المعززة‭ ‬للهيمنة‭ ‬إلى‭ ‬شل‭ ‬جهود‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬مساراتها‭ ‬الإنمائية‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭ ‬وتسببت‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬العواقب‭ ‬الوخيمة‭. ‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬لم‭ ‬تُظهر‭ ‬أي‭ ‬احترام‭ ‬لتنوع‭ ‬الحضارات،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬معادية‭ ‬للحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ودمرت‭ ‬التراث‭ ‬التاريخي‭ ‬والثقافي‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وسجنت‭ ‬وعذبت‭ ‬المسلمين‭ ‬بتهور،‭ ‬وانتهكت‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأساسية‭ ‬للبشر‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وأماكن‭ ‬أخرى‭ ‬بشكل‭ ‬خطير‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬قامت‭ ‬بنشر‭ (‬نظرية‭ ‬التهديد‭ ‬الإسلامي‭ ‬‭ ‬الإسلاموفوبيا‭) ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬ودعت‭ ‬إلى‭ ‬تفوق‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية،‭ ‬واحتقرت‭ ‬الحضارة‭ ‬غير‭ ‬الغربية،‭ ‬ووصمت‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بأنها‭ ‬متخلفة‭ ‬وإرهابية‭ ‬وعنيفة‭.‬

ولقد‭ ‬أثبتت‭ ‬لنا‭ ‬سجلات‭ ‬التاريخ‭ ‬بشكل‭ ‬متكرّر‭ ‬أنه‭ ‬أينما‭ ‬تنفذ‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬نظامًا‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ (‬قواعد‭ ‬اللعبة‭) ‬الغربية‭ ‬وتفرض‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭(‬القيم‭ ‬العالمية‭) ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬فعندئذ‭ ‬ستقع‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬مستنقع‭ ‬الفوضى‭ ‬والاضطراب‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬بلا‭ ‬نهاية‭.‬

ولكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬سجلات‭ ‬التاريخ‭ ‬لم‭ ‬تطو‭ ‬بعد،‭ ‬فمنذ‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬بدأت‭ ‬موجات‭ ‬وتيارات‭ ‬الطوفان‭ ‬تتمدد‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬ذاتها‭ ‬ويلقي‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الغرب،‭ ‬شاءت‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬أم‭ ‬لم‭ ‬تشأ،‭ ‬فالشعوب‭ ‬الغربية‭ ‬بدأت‭ ‬تفهم‭ ‬وتتساءل‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬حكوماتها‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المجازر‭ ‬البشعة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وبدأت‭ ‬تتساءل‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ (‬أموال‭ ‬الضرائب‭) ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدفعها‭ ‬لمصلحة‭ ‬من‭ ‬تذهب؟‭ ‬وبدأت‭ ‬تتساءل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬آمنت‭ ‬بها‭ ‬وتشربت‭ ‬بها‭ ‬دماؤهم،‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬صارت؟‭ ‬وأسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬بدأت‭ ‬تطرحها‭ ‬الشعوب‭ ‬على‭ ‬حكوماتها‭ ‬ولم‭ ‬تجد‭ ‬لها‭ ‬أجوبة‭.‬

ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬تلك‭ ‬الموجة‭ ‬إلى‭ ‬طلاب‭ ‬الجامعات،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬أذهل‭ ‬قيادات‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬ومن‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬ضغطًا‭ ‬حقيقًيا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحكومات‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬لذلك‭ ‬انكشف‭ ‬ورقة‭ ‬التوت،‭ ‬وسقطت‭ ‬الأقنعة،‭ ‬وسقطت‭ ‬الحريات‭ ‬والديمقراطيات‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬وهؤلاء‭ ‬الطلاب‭ ‬خرجوا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬غزة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أنفسهم‭ ‬وحياتهم،‭ ‬إذ‭ ‬إنهم‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬كبير‭ ‬قضبانه‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬مجتمعات‭ ‬هشة‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬قيم‭ ‬أخلاقية‭ ‬أو‭ ‬عدالة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬قواعد‭ ‬متينة‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬لها‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭.‬

هؤلاء‭ ‬الطلاب‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬يواجهون‭ ‬الشرطة‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬منعهم‭ ‬وتُضربهم‭ ‬بيد‭ ‬من‭ ‬حديد،‭ ‬لأنهم‭ ‬خرجوا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬آرائهم‭ ‬والمطالبة‭ ‬بالحرية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬سُحل‭ ‬بعضهم‭ ‬وقيد‭ ‬عدد‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬السجون،‭ ‬تساءل‭ ‬الطلاب‭: ‬من‭ ‬الذي‭ ‬استدعى‭ ‬الشرطة؟‭ ‬فوجدوا‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬الجامعة‭ ‬وبالضغط‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬السلطات‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬استدعت‭ ‬الشرطة‭. ‬

تجلس‭ ‬أمام‭ ‬شاشة‭ ‬التلفزيون‭ ‬وتشاهد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬تجري‭ ‬أمامك،‭ ‬فتستغرب‭ ‬وتقول‭ ‬في‭ ‬نفسك‭: ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬هي‭ ‬الدول‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية؟‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭ ‬وتلقننا‭ ‬دروسًا‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآراء‭ ‬وحريات‭ ‬الرأي؟‭    ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬نشاهد‭ ‬ونقرأ‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الكثيرين‭ ‬منا‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يقدسون‭ ‬الغرب‭ ‬وأفكاره‭ ‬وأطروحاته،‭ ‬وصلافته‭ ‬وقيمه‭ ‬الهشة‭.‬

ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬نقول،‭ ‬إن‭ ‬التاريخ‭ ‬لم‭ ‬يطو‭ ‬صفحاته‭ ‬ولم‭ ‬يجف‭ ‬حبره،‭ ‬فالتاريخ‭ ‬يسجل،‭ ‬والوقائع‭ ‬تكتب،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الفضائيات‭ ‬المفتوحة،‭ ‬لذلك‭ ‬ننصح‭ ‬الجميع‭ ‬بالمراجعة‭ ‬الذاتية‭ ‬بكل‭ ‬جدية،‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬الادعاء‭ ‬والتحيُّز،‭ ‬ونبذ‭ ‬الهيمنة‭ ‬وعقلية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬المنصف‭ ‬والمعقول،‭ ‬والدفع‭ ‬بقضية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الحقيقية‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا