العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

تنامي التيارات المتطرفة في إسرائيل وحرب الإبادة في غزة

بقلم: د. رمزي بارود{

الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

لم‭ ‬تحقق‭ ‬الأحزاب‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭ ‬الهامشية‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬تاريخها‭ ‬سوى‭ ‬نجاح‭ ‬محدود‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الانتصارات‭ ‬الانتخابية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬حصة‭ ‬فعلية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭.‬

كان‭ ‬العدد‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬المقاعد‭ ‬البالغ‭ ‬عددها‭ ‬17‭ ‬مقعداً‭ ‬الذي‭ ‬فاز‭ ‬به‭ ‬حزب‭ ‬شاس‭ ‬الديني‭ ‬الصهيوني‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬بمثابة‭ ‬لحظة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب،‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬جذورها‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬إلى‭ ‬أبراهام‭ ‬إسحق‭ ‬كوك‭ ‬وابنه‭ ‬تسفي‭ ‬يهودا‭ ‬كوهين‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬بالذات‭ ‬أشار‭ ‬المؤرخ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إيلان‭ ‬بابيه‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬الذي‭ ‬مارسته‭ ‬عائلة‭ ‬كوك‭ ‬وارتأى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬التأثير‭ ‬يعتبر‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬اندماج‭ ‬عضوي‭ ‬بين‭ ‬المسيانية‭ ‬العقائدية‭ ‬وعقيدة‭ ‬العنف‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬مر‭ ‬هذه‭ ‬السنين،‭ ‬ظلت‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬الصهيونية‭ ‬تسعى‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬جبهات‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬توحيد‭ ‬صفوفها‭ ‬وفشلت‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬التيار‭ ‬الرئيسي‭ ‬للمجتمع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬كما‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬خطابها‭ ‬السياسي‭ ‬المسيحاني‭ ‬ونوع‭ ‬اللغة،‭ ‬وليس‭ ‬السلوك‭ ‬بالضرورة‭ ‬التي‭ ‬يتوقعها‭ ‬حلفاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬الغربيون‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬والدعم‭ ‬السياسي‭ ‬التي‭ ‬يحصل‭ ‬عليها‭ ‬المتطرفون‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وبدرجة‭ ‬أقل،‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬سلطات‭ ‬واشنطن‭ ‬كانت‭ ‬واضحة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتصورها‭ ‬العام‭ ‬للمتطرفين‭ ‬الدينيين‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭.‬

قبل‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2004على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬اتخذت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قرارا‭ ‬بحظر‭ ‬حزب‭ ‬كاخ،‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬المظهر‭ ‬الحديث‭ ‬لعائلة‭ ‬آل‭ ‬كوك‭ ‬وأيديولوجيي‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭ ‬الأوائل‭ ‬في‭ ‬إسرائيل

وفي‭ ‬واقع‭ ‬الأمر،‭ ‬اغتيل‭ ‬مؤسس‭ ‬المجموعة،‭ ‬مائير‭ ‬كاهانا،‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬سنة‭ ‬1990‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الحاخام‭ ‬المتطرف‭ ‬ــ‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الأبرياء‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬ــ‭ ‬يلقي‭ ‬خطاباً‭ ‬آخر‭ ‬مليئاً‭ ‬بالكراهية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مانهاتن‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬نفسها‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬وفاة‭ ‬كاهانا‭ ‬سوى‭ ‬بداية‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬التي‭ ‬مارسها‭ ‬أتباعه،‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬الطبيب‭ ‬الأمريكي‭ ‬باروخ‭ ‬غولدشتاين،‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬فبراير‭ ‬سنة‭ ‬1994‭ ‬على‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬المصلين‭ ‬المسلمين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الحرم‭ ‬الإبراهيمي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الخليل‭ ‬بالضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭. ‬

وكان‭ ‬عدد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أثناء‭ ‬احتجاجهم‭ ‬على‭ ‬المذبحة‭ ‬يقارب‭ ‬عدد‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬غولدشتاين‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬من‭ ‬اليوم،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مأساوي‭ ‬لكنه‭ ‬تجسيد‭ ‬واضح‭ ‬للعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والمستوطنين‭ ‬العنيفين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬أكبر‭ ‬ويخدمون‭ ‬أجندة‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

لقد‭ ‬مثلت‭ ‬تلك‭ ‬المذبحة‭ ‬الشنيعة‭ ‬لحظة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بمثابة‭ ‬فرصة‭ ‬لتهميش‭ ‬نفوذهم‭ ‬المتنامي،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصهاينة‭ ‬الذين‭ ‬يفترض‭ ‬أنهم‭ ‬أكثر‭ ‬ليبرالية،‭ ‬نمت‭ ‬قوتهم،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬تعاظم‭ ‬نفوذهم‭ ‬السياسي‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

لقد‭ ‬تحول‭ ‬باروخ‭ ‬غولدشتاين‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬بطل،‭ ‬حيث‭ ‬تحول‭ ‬قبره‭ ‬في‭ ‬كريات‭ ‬أربع،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬المستوطنة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفاً‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬إلى‭ ‬مزار‭ ‬شعبي‭ ‬يحج‭ ‬إليه‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭.‬

ومن‭ ‬الأمور‭ ‬الجديرة‭ ‬بالملاحظة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬أن‭ ‬قبر‭ ‬باروخ‭ ‬غولدشتاين‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬بناؤه‭ ‬مقابل‭ ‬الحديقة‭ ‬التذكارية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬مائير‭ ‬كاهانا،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬الروابط‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬الواضحة‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬والممولين‭ ‬أيضًا‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بدأ‭ ‬الدور‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينون‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬التحول،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انتخاب‭ ‬إيتامار‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬للكنيست‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬إلى‭ ‬دوره‭ ‬المؤثر‭ ‬بعد‭ ‬تقلده‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬2022‭.‬

يعتبر‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬من‭ ‬أوفى‭ ‬أتباع‭ ‬مائير‭ ‬كاهانا،‭ ‬وقد‭ ‬صرح‭ ‬قائلا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬2022‭: ‬‮«‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬الحاخام‭ ‬كاهانا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬الحب‭... ‬حب‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تنازلات‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬آخر‮»‬‭.‬

ولكن،‭ ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬مائير‭ ‬كاهانا،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬راضيا‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينين‭ ‬كمشجعين‭ ‬لحركة‭ ‬الاستيطان،‭ ‬والاقتحامات‭ ‬شبه‭ ‬اليومية‭ ‬للمسجد‭ ‬الأقصى،‭ ‬والهجمات‭ ‬العرضية‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

وسواء‭ ‬كان‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مكانته‭ ‬كنتيجة‭ ‬مباشرة‭ ‬للعمل‭ ‬الشعبي‭ ‬الناجح‭ ‬للصهيونية‭ ‬الدينية،‭ ‬أو‭ ‬لأن‭ ‬الظروف‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭ ‬قد‭ ‬تغيرت‭ ‬بشكل‭ ‬خدم‭ ‬مصلحته،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬قد‭ ‬ظل‭ ‬يثير‭ ‬جدلا‭ ‬كبيرا‭. ‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭. ‬كان‭ ‬الفشل‭ ‬التاريخي‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬اليسار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬ــ‭ ‬حزب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬ــ‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬الأخيرة‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬ظاهرة‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‭ ‬نسبياً‭ ‬ــ‭ ‬أعني‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالوسط‭ ‬السياسي‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬أصبح‭ ‬اليمين‭ ‬التقليدي‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬حزب‭ ‬الليكود،‭ ‬أضعف،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬جزئياً‭ ‬إلى‭ ‬فشله‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬جمهور‭ ‬الناخبين‭ ‬الصهيونيين‭ ‬المتدينين‭ ‬المتنامي‭ ‬والأكثر‭ ‬شباباً،‭ ‬وأيضاً‭ ‬بسبب‭ ‬سلسلة‭ ‬الانشقاقات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬نتيجة‭ ‬لانشقاق‭ ‬أرييل‭ ‬شارون‭ ‬عن‭ ‬حزب‭ ‬الليكود‭ ‬وتأسيسه‭ ‬حزب‭ ‬كاديما‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬الحزب‭ ‬الذي‭ ‬تفكك‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭.‬

وسعيا‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬بقائه،‭ ‬أعاد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬حزبه‭ (‬الليكود‭) ‬إلى‭ ‬نسخته‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفاً‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينين‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬سد‭ ‬الفجوات‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬بسبب‭ ‬الاقتتال‭ ‬الداخلي‭ ‬داخل‭ ‬حزب‭ ‬الليكود‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬القيام‭ ‬بذلك،‭ ‬منح‭ ‬نتنياهو‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينين‭ ‬فرصة‭ ‬العمر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬قوتهم‭ ‬وسطوتهم‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

وسرعان‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬بن‭ ‬غفير،‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر2023،‭ ‬وفي‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فرق‭ ‬حرسه‭ ‬الوطني،‭ ‬وهي‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬حاول‭ ‬تشكيلها‭ ‬قبل‭ ‬الحرب،‭ ‬لكنه‭ ‬فشل‭.‬

وبفضل‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬وأمثاله،‭ ‬أصبحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬الآن،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬زعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬يائير‭ ‬لبيد،‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬‮«‬مليشيا‭ ‬خاصة‮»‬‭.‬

وبحلول‭ ‬يوم‭ ‬19‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬أعلن‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬تسليم‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬تصريح‭ ‬سلاح‭ ‬إلى‭ ‬أنصاره‭. ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬بدأت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بفرض‭ ‬‮«‬عقوبات‮»‬‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬المرتبطين‭ ‬بالحركة‭ ‬الاستيطانية‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وهي‭ ‬مجرد‭ ‬صفعة‭ ‬صغيرة‭ ‬على‭ ‬معصم‭ ‬اليد‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الأضرار‭ ‬الجسيمة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬بالفعل‭ ‬والعنف‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يتبعه‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬والسنوات‭ ‬القادمة‭.‬

وعلى‭ ‬عكس‭ ‬نتنياهو،‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬تفكير‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬على‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬منصب‭ ‬محدد‭ ‬داخل‭ ‬الحكومة‭. ‬يسعى‭ ‬المتطرفون‭ ‬الدينيون‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬تحول‭ ‬جوهري‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬جوهر‭ ‬السياسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬نفسها‭.‬

وكانت‭ ‬الدفعة‭ ‬الأخيرة‭ ‬نسبياً‭ ‬لتغيير‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬السلطتين‭ ‬القضائية‭ ‬والحصرية‭ ‬للحكومة‭ ‬مهمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتطرفين‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬نتنياهو‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الماضي‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬دافع‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬عن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬لحماية‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬القانونية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬أنصار‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬لديهم‭ ‬سبب‭ ‬مختلف‭: ‬فهم‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬والجيش،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مساءلة‭ ‬أو‭ ‬رقابة‭.‬

يلعب‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينون‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬لعبة‭ ‬كبيرة‭ ‬وكثيرة‭ ‬الأبعاد،‭ ‬وهي‭ ‬لعبة‭ ‬لا‭ ‬ترتبط‭ ‬بانتخابات‭ ‬معينة،‭ ‬أو‭ ‬بائتلاف‭ ‬فردي‭ ‬أو‭ ‬حكومي‭. ‬إنهم‭ ‬يعيدون‭ ‬تعريف‭ ‬الدولة‭ ‬وأيديولوجيتها‭ - ‬وهم‭ ‬يتفوقون‭ ‬ويفوزون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭.‬

وغني‭ ‬عن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬بن‭ ‬غفير،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يطلقه‭ ‬من‭ ‬تهديدات‭ ‬بإسقاط‭ ‬حكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬الائتلافية،‭ ‬كانت‭ ‬القوة‭ ‬الدافعة‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬توسع‭ ‬وتؤجج‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأسابيع‭ ‬والأشهر‭ ‬الماضية‭.‬

ولو‭ ‬كان‭ ‬الصهيوني‭ ‬المتطرف‭ ‬مائير‭ ‬كاهانا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬لكان‭ ‬فخورا‭ ‬بأتباعه‭. ‬إن‭ ‬إيديولوجية‭ ‬الحاخام‭ ‬المتطرف‭ ‬المهمش‭ ‬والمكروه‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للسياسة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا