العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أزمة النزاعات المسلحة المدَّولة

بقلم: عبدالهادي الخلاقي

الأربعاء ٢٤ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين‭ ‬تنامت‭ ‬نسبة‭ ‬النزاعات‭ ‬الداخلية‭ ‬المسلحة‭ ‬حتى‭ ‬أضحت‭ ‬تحصد‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭ ‬وتخلف‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجرحى‭ ‬والمصابين‭ ‬والمشردين‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬أوطانهم‭ ‬وتدمر‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬وتقضي‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬مقومات‭ ‬الدولة،‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬نزوحا‭ ‬جماعيا‭ ‬وفقرا‭ ‬ومجاعات‭ ‬وأوبئة‭ ‬وأمراضا‭ ‬وتخلفا‭ ‬وجهلا‭ ‬وضياع‭ ‬الحقوق‭ ‬وغياب‭ ‬الأمن‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتنامي‭ ‬الفرقة‭ ‬والتمييز‭ ‬بين‭ ‬طبقات‭ ‬المجتمع‭ ‬وتقسيم‭ ‬المجتمعات‭ ‬عرقياً‭ ‬وحزبياً‭ ‬ونهب‭ ‬ثروات‭ ‬البلد‭ ‬وضياع‭ ‬سيادته‭ ‬وحرية‭ ‬قراره،‭ ‬وباتت‭ ‬هذه‭ ‬النزاعات‭ ‬تشكل‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬النزاعات‭ ‬المسلحة‭ ‬الدولية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬مختلفة‭.‬

غالباً‭ ‬ما‭ ‬تتمحور‭ ‬الخلافات‭ ‬الداخلية‭ ‬حول‭ ‬مسألة‭ ‬الحكم‭ ‬وإدارة‭ ‬الدولة‭ ‬ووفقًا‭ ‬لأي‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬وتقاسم‭ ‬النفوذ،‭ ‬ويُنظر‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬عملية‭ ‬يُدرك‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬الأطراف‭ ‬أن‭ ‬مصالحه‭ ‬تتعارض‭ ‬أو‭ ‬تتأثر‭ ‬سلباً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬طرف‭ ‬آخر،‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬تلبث‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬الخلافات‭ ‬فتبدأ‭ ‬التدخلات‭ ‬الخارجية‭ ‬تؤجج‭ ‬الفتنة‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬فيتنامى‭ ‬الشقاق‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬ويبدأ‭ ‬‮«‬النزاع‭ ‬المسلح‭ ‬المدَّول‭ ‬Internationalized‭ ‬Armed‭ ‬Conflict‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬النزاعات‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬داخلية‭ ‬مسلّحة‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬محلية،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬وفي‭ ‬ظروف‭ ‬معينة‭ ‬تُصبح‭ ‬مدوّلة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدخل‭ ‬خارجي‭ ‬مسلّح‭ ‬لصالح‭ ‬أحد‭ ‬الأطراف‭ ‬أو‭ ‬لجميع‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬نتيجة‭ ‬النزاع‭ ‬وتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬معينة‭ ‬سواءً‭ ‬أكان‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬أو‭ ‬مستتر‭.‬

التدخل‭ ‬الخارجي‭ ‬سيف‭ ‬ذو‭ ‬حدين‭ ‬إما‭ ‬يحقق‭ ‬السلام‭ ‬ويضع‭ ‬حداً‭ ‬للنزاع‭ ‬وإما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬شراسة‭ ‬الصراع‭ ‬ويقضي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬السبل‭ ‬الممكنة‭ ‬للتسوية‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنازعة،‭ ‬ولعل‭ ‬معظم‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬أظهرت‭ ‬أن‭ ‬التدخل‭ ‬الدولي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الخلاف‭ ‬وديمومة‭ ‬الصراع‭ ‬باستثناء‭ ‬تدخل‭ ‬الجوار‭ ‬الإقليمي‭ ‬كون‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬أحد‭ ‬المتضررين‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬صراع‭ ‬داخلي‭ ‬للدول‭ ‬المجاورة،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تدخل‭ ‬خارجي‭ ‬إلا‭ ‬ويكون‭ ‬مقروناً‭ ‬بمصالح‭ ‬وأجندات‭ ‬يُراد‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعم‭ ‬أحد‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬ضد‭ ‬الآخر،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬ممارسة‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية‭ ‬أدواراً‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬وتقويض‭ ‬الأخرى‭ ‬يجعل‭ ‬الحروب‭ ‬بالوكالة‭ ‬مستعصية‭ ‬الحل‭ ‬ويُعرقل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المساعي‭ ‬المحلية‭ ‬لحلها‭ ‬فيُصبح‭ ‬الصراع‭ ‬ثلاثي‭ ‬المستويات‭ ‬صراع‭ ‬محلي‭ ‬إقليمي‭ ‬دولي،‭ ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬الصراع‭ ‬إذا‭ ‬تصالح‭ ‬طرفا‭ ‬النزاع‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تتصالح‭ ‬الأطراف‭ ‬الخارجية‭ ‬الأخرى‭ ‬فتفشل‭ ‬أي‭ ‬مبادرة‭ ‬لحل‭ ‬الخلاف‭ ‬وتقريب‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬هذه‭ ‬المستويات‭ ‬الثلاثة‭ ‬المتداخلة‭ ‬تغذي‭ ‬وتؤثر‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬لا‭ ‬يتحكم‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬الصراع‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬مواجهته‭ ‬وتسويته‭ ‬أيضاً،‭ ‬هكذا‭ ‬كانت‭ ‬عقيدة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬نيكسون‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬ليس‭ ‬من‭ ‬شأننا‭ ‬حل‭ ‬أي‭ ‬صراع‭ ‬دولي‭ ‬وإنما‭ ‬واجبنا‭ ‬التدخل‭ ‬لإدارته،‭ ‬كذلك‭ ‬أصدر‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬مارس‭ ‬2006،‭ ‬وثيقة‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‭ ‬بدأها‭ ‬الرئيس‭ ‬بوش‭ ‬بتأكيد‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬العالم‭ ‬ولعب‭ ‬دور‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭.‬

عندما‭ ‬يتوسع‭ ‬الخلاف‭ ‬المحلي‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬تغيب‭ ‬أهمية‭ ‬الدولة‭ ‬محل‭ ‬الصراع‭ ‬وحقوق‭ ‬ومصالح‭ ‬شعبها‭ ‬وتتدخل‭ ‬السياسية‭ ‬العالمية‭ ‬ومصالح‭ ‬الدول‭ ‬الداعمة‭ ‬فتحتكم‭ ‬عملية‭ ‬التفاوض‭ ‬للقواعد‭ ‬العالمية‭ ‬ووزن‭ ‬ونفوذ‭ ‬كل‭ ‬لاعب‭ ‬سياسي‭ ‬ضمن‭ ‬عملية‭ ‬التفاوض،‭ ‬وبذلك‭ ‬يُصبح‭ ‬النفوذ‭ ‬هو‭ ‬عملة‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬تشكل‭ ‬الصراعات المحلية‭ ‬مرايا‭ ‬للنزاعات‭ ‬العالمية؛‭ ‬حيث‭ ‬تعكس‭ ‬طريقة‭ ‬اشتعالها،‭ ‬وتكشّفها،‭ ‬واستمرارها،‭ ‬وتسويتها‭ ‬التحولات‮ ‬في‮ ‬علاقات‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭.‬

إشعال‭ ‬الصراعات‭ ‬أمر‭ ‬سهل‭ ‬نسبيا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬عوامل‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬محفزة‭ ‬ولكن‭ ‬ثمنه‭ ‬باهظ‭ ‬جداً،‭ ‬والمساعدة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هياكل‭ ‬حكم‭ ‬فعالة‭ ‬وشرعية‭ ‬أمر‭ ‬بالغ‭ ‬الصعوبة،‭ ‬الشاهد‭ ‬أن‭ ‬البلد‭ ‬محل‭ ‬الصراع‭ ‬والذي‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬ثروات‭ ‬طبيعية‭ ‬أو‭ ‬موقع‭ ‬جغرافي‭ ‬استراتيجي‭ ‬أو‭ ‬ثروة‭ ‬تاريخية‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المميزات‭ ‬تُصبح‭ ‬عبئاً‭ ‬وسبباً‭ ‬لتدويل‭ ‬وإطالة‭ ‬الصراع‭ ‬بسبب‭ ‬تقاطع‭ ‬المصالح‭ ‬للجهات‭ ‬الخارجية‭ ‬الفاعلة‭ ‬وأطماعها‭ ‬التوسعية‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬سلام‭ ‬دائم‭ ‬والأمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬المشهد‭ ‬السوري‭ ‬والليبي‭ ‬والعراقي‭ ‬والصومالي‭ ‬واللبناني‭.‬

هذه‭ ‬المستويات‭ ‬الثلاثة‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تتداخل‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬ما‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬ولن‭ ‬تنجح‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬الاستقرار‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أرادت‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تغذي‭ ‬فيه‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬الصراع‭ ‬بالمال‭ ‬والأسلحة‭ ‬وتغيّر‭ ‬من‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬استغلالاً‭ ‬للفراغات‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬واستغلال‭ ‬الفرص‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬اقتصادية‭ ‬وجيوسياسية‭ ‬وتُضعف‭ ‬من‭ ‬مساعي‭ ‬الفصائل‭ ‬المتحاربة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬وسط‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا