النفوس المطمئنة هي أقلّ النفوس عددا، وأعظمها عند الله قدرا، والسلامُ الداخلي، والأمانُ النفسي، وصفاء الخاطر، وسكينة القلب نعمةٌ عظيمة، بينما القلقُ والاضطراب وجلد الذات وحمل الحقد والضغينة سمومٌ داخلية وأمراض نفسية تؤثّر سلبا على صحّة الإنسان وإنتاجه ومزاجه وعلاقاته الاجتماعية بشكل عام.
وإن من ألدّ أعداء السلام الداخلي وأشدّه فتكا هو شعور الإنسان المستمر بالتعاسة والحزن والكآبة وتأنيب الضمير والإحساس الدائم بالذنب تجاه موقف، أو كلمة، أو من دون أيّ سبب بيّن وواضح.
وأود أن تكون لي وقفات مع هذا الموضوع في النقاط الآتية:
1 - اعلم أن القلب الممتّع بالسلام يرى عُرسا في كلّ القٌرى كما يقول المثل، وأنّه لا سلام ولا أمان ولا سكينة ولا استقرار إلا في الرجوع إلى الله تعالى والعودة إليه، وأنّ المؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشًا، وأنعمهم بالا، وأشرحهم صدرًا، وأسرّهم قلبًا، وهذه جَنّةٌ عاجلة قبل الجنّة الآجلة، كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله.
2 - تذكر أن الخطأ والزلل والنقصان واردٌ من البشر، وأنك واحد منهم، فلا بد أن تصيب وتخطئ، وتنجح وتخفق، وأن تمرّ بمواقف تتبلور فيها كالنّجم الساطع، وأخرى لا تصل فيها إلى المستوى المطلوب، وهكذا جميعُ البشر تعتريهم حالات ضَعْفٍ وقوّة، وفرَحٍ وحُزن، وسعادة وبؤسٍ، فلا يصل بك الشعور بالندم إلى مرحلة التأنيب المتواصل، فهو مَدْخلٌ من مداخل الشيطان يُدخل منه الهمّ والحزن واليأس والقنوط إلى القلوب.
3 - توقّف عن المبالغة في تقدير المواقف التي تُسبّب الشعور بالندم وعدم الارتياح، واعلم أنّ جلد الذات، وإلقاء محاضرة على نفسك حول الخطأ الذي ارتكبته لن يصحّح المسار ولن يعدل النتائج، واعلم أنّك لستَ الأفضل ولست الأسوأ على وجه الأرض فلا تؤذي نفسك بكثرة التفكير، بل عِش معها في سلامٍ وتصالح ووئام، فإنّ لنفسك عليك حقّا.
4 - اعتبر الموقف الذي حصل لك أمرا طارئا كما يحصل لجميع البشر، ولا تغلق باب الأمل والاستبشار، والرجاء والتّيمن مع التوبة والاستغفار وصدق النية وحسن العمل، وركّز على أهدافك القادمة، وانخرط في الأعمال النافعة التي تفيدك في الدنيا والآخرة، واستفد من المواقف والتجارب في تحسين مستواك وترتيب أمورك وتنمية مهاراتك وتنظيم ملفاتك وتحبير كلماتك وتقليل هفواتك، واعمل على مبدأ «أحيانا أفوز وأحيانا ليس أخسر بل أتعلّم».
5 - إذا كان الشعور بجلد الذات يتعلقّ بأحداث ووقائع حصلت في الماضي، فلا داع لتكرارها وتذّكُرها والوقوف على أطلالها العتيقة، حيث إنها لن تفيدك في شيء بل ستزيدك ألما وحزنا، حاول تجنّب الذكريات الأليمة وارض بقضاء الله وقدره واحمده عليها.
6 - ابتعد عن الكسل والخمول، ومارس النشاط والجدّ في العمل، واهتم بالرياضة، وساهم في الأنشطة الاجتماعية ذات النفع العام التي تعطيك دافعيّة وحلاوة ولذّة.
7 - هناك فرق بسيط بين جلد الذات ومحاسبة النفس، فجلد الذات مرفوض، بينما محاسبة النفس مطلوبة ومرغوبة، وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أن من فوائد المحاسبة: الاطلاع على عيوب النفس وإصلاحها، ومعرفة حق الله تعالى عليها، والتخلص من العُجب والرياء وأمراض القلوب، وفتح باب الخضوع والذّل والانكسار بين يدي الله تعالى.
شمعة أخيرة:
إن في القلب شعَثٌ لا يلمُّه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشةٌ لا يُزيلها إلا الأُنس به في خَلوته، وفيه حزنٌ لا يُذهبِه إلّا السُّرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلقٌ لا يسكِّنه إلّا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه، وفيه نيران حسراتٍ لا يطفئها إلّا الرِّضا بأمره ونهيه وقضائه. (ابن القيم، مدارج السالكين ج 4 ص: 17)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك