العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الـحـقائـق المـؤلـمة وراء الأبواب المغلقة

بقلم: نبيلة رجب

الخميس ١٨ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬زمن‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للمرأة‭ ‬فيه‭ ‬أجنحة‭ ‬تحلق‭ ‬بها‭ ‬نحو‭ ‬العلا،‭ ‬يأتي‭ ‬المسلسل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬‮«‬ع‭ ‬أمل‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬شاهد،‭ ‬كصدمة‭ ‬قوية‭ ‬توقظ‭ ‬الواقع‭ ‬المرير‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭. ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الدرامي،‭ ‬الذي‭ ‬ينسج‭ ‬قصصه‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬حياة‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات،‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬يسار‮»‬،‭ ‬المذيعة‭ ‬الشجاعة‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬دورها‭ ‬الممثلة‭ ‬اللبنانية‭ ‬المتألقة‭ ‬ماغي‭ ‬بو‭ ‬غصن،‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬رمز‭ ‬للنضال‭ ‬ضد‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬يطول‭ ‬النساء‭.‬

ففي‭ ‬زحمة‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية،‭ ‬برز‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الفريد‭ ‬بلا‭ ‬منازع‭ ‬كشعاع‭ ‬نافذ‭ ‬يضيء‭ ‬زوايا‭ ‬المجتمعات‭ ‬المعتمة‭ ‬بقصصها‭ ‬الجريئة‭ ‬التي‭ ‬تلامس‭ ‬المحرمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بعمق‭ ‬وصدق‭. ‬هذه‭ ‬الجرأة‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬فراغ؛‭ ‬بل‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬رغبة‭ ‬أصيلة‭ ‬في‭ ‬هز‭ ‬الوجدان‭ ‬وإلهاب‭ ‬العقول‭ ‬نحو‭ ‬تساؤلات‭ ‬جوهرية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مفتاح‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬نصبو‭ ‬إليه‭.‬

يسار،‭ ‬الروح‭ ‬المليئة‭ ‬بالأمل،‭ ‬تخوض‭ ‬حربها‭ ‬بالكلمة‭ ‬والصوت،‭ ‬محاولة‭ ‬إلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الظلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬يقبع‭ ‬خلف‭ ‬جدران‭ ‬الصمت‭. ‬تلك‭ ‬الجدران‭ ‬التي‭ ‬تخفي‭ ‬قصصا‭ ‬مؤلمة‭ ‬لنساء‭ ‬تشوهت‭ ‬حياتهن‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬العنف‭ ‬المنزلي‭ ‬والتمييز‭ ‬والكبت‭. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬يسار‭ ‬الشخصية،‭ ‬وتعرضها‭ ‬للظلم‭ ‬من‭ ‬أقرب‭ ‬المقربين،‭ ‬تقف‭ ‬صامدة‭ ‬كالجبل‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العواصف‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تقتلع‭ ‬آمالها‭ ‬وأحلامها‭ ‬وتتمرد‭ ‬على‭ ‬واقعها‭ ‬الأليم،‭ ‬فهي‭ ‬تعي‭ ‬تماما‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬تنطق‭ ‬بها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬أو‭ ‬شعلة‭ ‬تضيء‭ ‬دربا‭ ‬مظلما‭ ‬لامرأة‭ ‬أخرى‭.‬

‮«‬ع‭ ‬أمل‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬المثيرة؛‭ ‬إنه‭ ‬رحلة‭ ‬شجاعة‭ ‬تغوص‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬القضايا‭ ‬المغيبة‭. ‬كما‭ ‬يلقي‭ ‬المسلسل‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة،‭ ‬سيطرة‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬البطرياركية،‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الرضا،‭ ‬وزواج‭ ‬القاصرات،‭ ‬ويبين‭ ‬كيف‭ ‬تمثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬صورًا‭ ‬جديدة‭ ‬لوأد‭ ‬البنات‭. ‬يتعامل‭ ‬هذا‭ ‬الإنتاج‭ ‬الدرامي‭ ‬بشجاعة‭ ‬مع‭ ‬المواضيع‭ ‬المستورة‭ ‬والمتجاهلة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬حيث‭ ‬يكشف‭ ‬النقاب‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تُغفل‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬تنسى‭. ‬يتيح‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع‭ ‬الفني‭ ‬البارز‭ ‬للقضايا‭ ‬أن‭ ‬تبرز‭ ‬إلى‭ ‬العلن‭ ‬وتُناقش‭ ‬بشكل‭ ‬مؤثر‭. ‬

وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬كمحرك‭ ‬للوعي‭ ‬الاجتماعي

الإعلام،‭ ‬وخصوصا‭ ‬الدراما‭ ‬الحديثة،‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬حيويا‭ ‬كمحرك‭ ‬للوعي‭ ‬الاجتماعي‭. ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬التسلية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تقوم‭ ‬بتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬جوهرية‭ ‬كحقوق‭ ‬المرأة‭. ‬تجسد‭ ‬شخصية‭ ‬البطلة‭ ‬كمقدمة‭ ‬برنامج‭ ‬بحماسها‭ ‬وإلهامها،‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬بها‭ ‬للإعلام‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬تأثيرا‭ ‬عميقا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبني‭ ‬القضايا‭ ‬الجدلية‭ ‬وتشجيع‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬الموضوعات‭ ‬المغفل‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

الأثر‭ ‬الذي‭ ‬تتركه‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬يتجاوز‭ ‬الإشباع‭ ‬الشخصي‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬فهم‭ ‬أعمق‭ ‬للمجتمع‭ ‬وتحدياته‭. ‬فالدراما‭ ‬تدفع‭ ‬المشاهدين‭ ‬إلى‭ ‬تجاوز‭ ‬التماهي‭ ‬مع‭ ‬القصة‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬ذواتهم‭ ‬ومراجعة‭ ‬محيطهم‭ ‬بنظرة‭ ‬استقصائية،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬التغيير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبناء‭ ‬مجتمع‭ ‬يتمتع‭ ‬بحرية‭ ‬تداول‭ ‬الأفكار‭.‬

تحتضن‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الحوار‭ ‬وتغذي‭ ‬المناقشات‭ ‬الصريحة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬صعبة،‭ ‬ولكنها‭ ‬ضرورية‭ ‬للنمو‭ ‬والتقدم‭. ‬الدراما‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬قصص‭ ‬تروى،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬دعوة‭ ‬للمتابعين‭ ‬لتجاوز‭ ‬دور‭ ‬المستهلك‭ ‬السلبي‭ ‬والتحول‭ ‬إلى‭ ‬مبادرين‭ ‬فاعلين‭ ‬يسهمون‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬مسار‭ ‬التغيير‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتهم‭.‬

صوت‭ ‬العدالة‭: ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المرأة‭ ‬ومستقبل‭ ‬المجتمع

ونحن‭ ‬نطوي‭ ‬صفحات‭ ‬مسلسل‭ (‬ع‭ ‬أمل‭)‬،‭ ‬ونتأمل‭ ‬معاني‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية،‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭ ‬مليء‭ ‬بالتحديات‭ ‬والآمال‭. ‬نشهد‭ ‬اليوم‭ ‬بزوغ‭ ‬فجر‭ ‬جديد،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مشرقا‭ ‬بحقوق‭ ‬المرأة‭ ‬ومضيئا‭ ‬بمكانتها‭ ‬اللائقة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المجتمع،‭ ‬كالندى‭ ‬الذي‭ ‬يروي‭ ‬زهرة‭ ‬قاحلة،‭ ‬ينبغي‭ ‬للعدالة‭ ‬المستدامة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بصيص‭ ‬الأمل‭ ‬لكل‭ ‬امرأة‭. ‬فالمرأة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬نصف‭ ‬المجتمع،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬اليد‭ ‬التي‭ ‬تنسج‭ ‬أحلام‭ ‬الأجيال‭ ‬وتكتب‭ ‬التاريخ‭ ‬بأحرف‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬وإبداع‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬طريق‭ ‬للتقدم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬يكبل‭ ‬أجنحة‭ ‬نسائه‭ ‬بقيود‭ ‬الجهل‭ ‬والتمييز‭. ‬فلتعامل‭ ‬المرأة‭ ‬بعدل‭ ‬مشرق‭ ‬ولتمنح‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬كريمة،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬استغلال‭ ‬القوانين‭ ‬وتوظيفها‭ ‬كأداة‭ ‬للضغط‭ ‬والانتقام‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬متاهة‭ ‬معضلة‭ ‬الزوجات‭ ‬المعلقات‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬المحاكم‭ ‬الشرعية‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬مبهمة‭ ‬والتشريعات‭ ‬التي‭ ‬تحمي‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الزواج،‭ ‬الطلاق،‭ ‬والميراث‭ ‬غير‭ ‬كافية‭. ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬المجتمعات‭ ‬الساعية‭ ‬للعدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬والرقي،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬مجرد‭ ‬كلمات‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬القانون‭ ‬وبتطبيق‭ ‬هزيل‭.‬

‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬للقطع‭ ‬مع‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬تجبر‭ ‬المرأة‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬ضمن‭ ‬أطر‭ ‬مفروضة،‭ ‬ولنقف‭ ‬ضد‭ ‬العادات‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬ضدها‭. ‬يتعين‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نرفض‭ ‬بشدة‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تحرم‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬قوامة‭ ‬تشاركية‭ ‬تعترف‭ ‬بمساهماتها‭ ‬وتعزز‭ ‬مكانتها‭.‬

نحن‭ ‬اليوم‭ ‬نهتف‭ ‬بصوت‭ ‬مدوٍ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المرأة،‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬كركن‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬البنيان‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بل‭ ‬كحارسة‭ ‬للقيم‭ ‬ومنيرة‭ ‬لدرب‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭. ‬لننحاز‭ ‬جميعا‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬مستقبل‭ ‬يعانق‭ ‬فيه‭ ‬الاحترام‭ ‬والتكافؤ‭ ‬كل‭ ‬أركان‭ ‬المجتمع،‭ ‬ويبدأ‭ ‬هذا‭ ‬المستقبل‭ ‬بخطوة‭ ‬جريئة‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬عدالة‭ ‬لا‭ ‬تستثنى‭ ‬منها‭ ‬المرأة‭. ‬في‭ ‬تحريرها‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬الظلم،‭ ‬سنرى‭ ‬فجرا‭ ‬جديدا‭ ‬يلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق،‭ ‬عندما‭ ‬يتحرر‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬الظالمة،‭ ‬ينعم‭ ‬المجتمع‭ ‬بتقدم‭ ‬شامل‭ ‬ورقي‭ ‬متجدد‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا