العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

قبل العفو الملكي وبعده

المرسوم‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬بالعفو‭ ‬عن‭ ‬1584‭ ‬من‭ ‬المحكومين‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الشغب‭ ‬والقضايا‭ ‬الجنائية‭ ‬يعد‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يستقبل‭ ‬شعب‭ ‬البحرين‭ ‬بكل‭ ‬فئاته‭ ‬وقواه‭ ‬الخطوة‭ ‬التي‭ ‬أقدم‭ ‬عليها‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬بالتقدير‭ ‬الكبير‭ ‬والامتنان‭ ‬والفرح‭.‬

رد‭ ‬الفعل‭ ‬الشعبي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬هو‭ ‬تجسيد‭ ‬للثقة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬وحكمته‭ ‬وتعبير‭ ‬عن‭ ‬التقدير‭ ‬الكبير‭ ‬لنهج‭ ‬القيادة‭ ‬والحكم‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

مرسوم‭ ‬العفو‭ ‬الملكي‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬ومعان‭ ‬وطنية‭ ‬كبيرة‭ ‬ومهمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عندها‭ ‬ونتأملها‭.‬

أول‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬إنه‭ ‬قبل‭ ‬العفو‭ ‬الملكي‭ ‬وبعده،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬نهج‭ ‬الحكم‭ ‬والقيادة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭. ‬هو‭ ‬نهج‭ ‬ثابت‭ ‬ودائم‭. ‬نعني‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أقدم‭ ‬عليه‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الجديد‭. ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تولى‭ ‬جلالته‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬ونهج‭ ‬العفو‭ ‬وفتح‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬نهج‭ ‬أصيل‭ ‬دائم‭.‬

لا‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬الذاكرة‭ ‬الوطنية‭ ‬أن‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حين‭ ‬تولى‭ ‬الحكم‭ ‬أطلق‭ ‬أكبر‭ ‬مشروع‭ ‬إصلاحي‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬والمنطقة‭. ‬جوهر‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬كان‭ ‬العفو‭ ‬وإعطاء‭ ‬الذين‭ ‬أخطأوا‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الوطن‭ ‬وأساءوا‭ ‬إليه‭ ‬الفرصة‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬الرشد‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭. ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬أقدم‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬مبادرات‭ ‬كثيرة‭ ‬عبر‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الـ‭ ‬25‭ ‬عاما‭ ‬الماضية‭ ‬كان‭ ‬المواطن‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬الأكبر‭ ‬والمحور‭ ‬الأساسي‭ ‬لكل‭ ‬برامج‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتنمية‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬يؤكده‭ ‬باستمرار‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬كانت‭ ‬توجيهات‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بتوفير‭ ‬برامج‭ ‬تدريبية‭ ‬وفرص‭ ‬عمل‭ ‬للذين‭ ‬شملهم‭ ‬العفو‭ ‬الملكي‭.‬

والعفو‭ ‬الملكي‭ ‬يأتي‭ ‬تذكيرا‭ ‬بالقيم‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تسود،‭ ‬وبالمبادئ‭ ‬الوطنية‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعتصم‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬وكل‭ ‬جماعة،‭ ‬رسمية‭ ‬وشعبية‭.‬

كان‭ ‬لافتا‭ ‬أن‭ ‬المرسوم‭ ‬الملكي‭ ‬بالعفو‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬الأسباب‭ ‬والدوافع‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬إقدام‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الوطنية‭. ‬فقد‭ ‬نص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العفو‭ ‬يأتي‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬‮«‬حرص‭ ‬جلالته‭ ‬على‭ ‬تماسك‭ ‬وصلابة‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬نسيجه‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬إعلاء‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬الشخصية‭ ‬والمدنية،‭ ‬ومراعاة‭ ‬مبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون‭ ‬واعتبارات‭ ‬صون‭ ‬الاستقلال‭ ‬القضائي‭ ‬والتوفيق‭ ‬بين‭ ‬العقوبة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬والظروف‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للمحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬وإتاحة‭ ‬فرصة‭ ‬الاندماج‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬إعلاء‭ ‬قيم‭ ‬ومعايير‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبما‭ ‬يتفق‭ ‬ومنهج‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬وثقلها‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‮»‬‭.‬

حين‭ ‬نتأمل‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬جيدا‭ ‬سنجد‭ ‬أنه‭ ‬يحدد‭ ‬بدقة‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حاكمة‭ ‬للعمل‭ ‬الوطني‭ ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬للكل‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الرسمية‭ ‬والشعبية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬تماسك‭ ‬المجتمع‭ ‬وحماية‭ ‬نسيجه‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أكبر‭ ‬الأولويات‭ ‬الوطنية‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬إن‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬وترسيخها‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هدفا‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أولويات‭ ‬أي‭ ‬جماعة‭ ‬أو‭ ‬مؤسسة‭ ‬وكل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

ويعني‭ ‬هذا‭ ‬بداهة‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬مقبولا‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬أي‭ ‬مواقف‭ ‬أو‭ ‬سلوكيات‭ ‬تهدد‭ ‬نسيج‭ ‬المجتمع‭ ‬ووحدته‭ ‬الوطنية‭. ‬بعبارة‭ ‬أدق‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬نزاعات‭ ‬طائفية‭ ‬وأي‭ ‬مواقف‭ ‬أو‭ ‬سلوكيات‭ ‬لها‭ ‬طابع‭ ‬طائفي‭ ‬هي‭ ‬تهديد‭ ‬للوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والتماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ويحب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مرفوضة‭ ‬تماما‭ ‬ولا‭ ‬مكان‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭.‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬إعلاء‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬العليا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جوهر‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬الاعتبار‭ ‬الحاكم‭ ‬لمواقف‭ ‬وتصرفات‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬والمواطنين‭ ‬جميعا‭.‬

المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬العليا‭ ‬هي‭ ‬المصلحة‭ ‬التي‭ ‬تعلو‭ ‬أي‭ ‬مصلحة‭ ‬فردية‭ ‬أو‭ ‬فئوية‭ ‬أو‭ ‬طائفية‭ ‬أو‭ ‬أيا‭ ‬كان‭. ‬هي‭ ‬المصلحة‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يلتف‭ ‬حولها‭ ‬الجميع‭.‬

ثالثا‭: ‬ومفهوم‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬من‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬يأتي‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬بمعناه‭ ‬الشامل‭ ‬الأمني‭ ‬والاجتماعي‭.‬

مفهوم‭ ‬إن‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬أو‭ ‬سلوك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يهدد‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬المجتمع‭ ‬هو‭ ‬تهديد‭ ‬جسيم‭ ‬للمصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬العليا‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التسامح‭ ‬معه‭.‬

لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬والأبعاد‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬أتى‭ ‬العفو‭ ‬الملكي‭ ‬ليؤكدها‭ ‬ويلفت‭ ‬الأنظار‭ ‬إليها‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬إلحاحا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭.‬

اليوم‭ ‬والمنطقة‭ ‬كلها‭ ‬تمر‭ ‬بتطورات‭ ‬خطيرة‭ ‬عاصفة‭ ‬وتحولات‭ ‬ضخمة‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬ستقودنا‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬التمسك‭ ‬بهذه‭ ‬الجوانب‭ ‬وإعلاء‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬الوطنية‭ ‬مهمة‭ ‬وطنية‭ ‬مقدسة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬مواقف‭ ‬وسلوكيات‭ ‬الكل‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭.‬

قبل‭ ‬العفو‭ ‬الملكي‭ ‬وبعده‭ ‬يقدم‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬دوما‭ ‬القدوة‭ ‬والمثال‭ ‬في‭ ‬حكمة‭ ‬القيادة‭ ‬وفي‭ ‬مبادئ‭ ‬وأسس‭ ‬وقيم‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا