العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

سوريا.. إلى أين؟

سيكون‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬نناقش‭ ‬مطولا‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬الدرامي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتوقعه‭ ‬أحد‭.‬

هذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترف‭ ‬التحليل‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬نستخلص‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتعلمها‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬السقوط‭. ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬حريصة‭ ‬أصلا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تتعلم‭ ‬مما‭ ‬يجري‭ ‬لنا‭.‬

لكن‭ ‬القضية‭ ‬الكبرى‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭: ‬أي‭ ‬مستقبل‭ ‬ينتظر‭ ‬سوريا‭ ‬بالضبط‭ ‬بعد‭ ‬السقوط؟‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬تتجه؟‭. ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يملك‭ ‬إجابة‭ ‬عن‭ ‬هذ‭ ‬السؤال‭ ‬والصورة‭ ‬تبدو‭ ‬غامضة‭ ‬تماما‭.‬

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬مظاهر‭ ‬الابتهاج‭ ‬التي‭ ‬عمت‭ ‬سوريا‭ ‬بعد‭ ‬السقوط،‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬تكهنات‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬أو‭ ‬المسئولين‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تحدد‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال،‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬الجماعات‭ ‬والمنظمات‭ ‬المعارضة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬دمشق‭ ‬ومن‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬‮«‬جبهة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‮»‬‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬تنظيمي‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬و«القاعدة‮»‬‭ ‬ولطالما‭ ‬تم‭ ‬اعتبارها‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬التنظيمين‭.‬

في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬تم‭ ‬تصوير‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات،‭ ‬وبالذات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكي،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬قادتها‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬الجولاني‭ ‬قد‭ ‬تغيروا‭ ‬تماما‭ ‬وتخلوا‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬الإرهابية‭ ‬المتطرفة‭ ‬وأصبحوا‭ ‬معتدلين‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالتعدد‭.. ‬إلخ‭.‬

هل‭ ‬هذا‭ ‬صحيح؟‭.. ‬هل‭ ‬أصبح‭ ‬هؤلاء‭ ‬فجأة‭ ‬معتدلين‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالمدنية‭ ‬وتخلوا‭ ‬عن‭ ‬أفكارهم‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أيام‭ ‬فقط؟

حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬صحيحا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬مختلف‭ ‬عندما‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬فعلا‭. ‬هل‭ ‬سيكونون‭ ‬معتدلين‭ ‬فعلا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالتعايش،‭ ‬أم‭ ‬سيسعون‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬أفكارهم‭ ‬السابقة؟‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬أن‭ ‬يعودوا‭ ‬إلى‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬القديمة‭ ‬فإن‭ ‬سوريا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬للتطرف‭ ‬والعنف‭ ‬ومصدر‭ ‬تهديد‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭.‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬منظمات‭ ‬وجماعات‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬سوريا‭ ‬بينها‭ ‬خلافات‭ ‬كثيرة‭ ‬جدا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأفكار‭ ‬والمواقف‭ ‬والسياسات‭ ‬والانتماء‭ ‬الأيديولوجي،‭ ‬وسواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ارتباطاتها‭ ‬الخارجية‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬والجماعات‭ ‬ترتبط‭ ‬بدول‭ ‬وقوى‭ ‬أجنبية‭ ‬متباينة‭ ‬المواقف‭ ‬والمصالح‭ ‬والأهداف‭ ‬وتتلقى‭ ‬منها‭ ‬التمويل‭ ‬والتسليح‭.‬

السؤال‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬تستطيع‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬مشتركة‭ ‬للحكم‭ ‬تتوافق‭ ‬عليها‭ ‬وتلتزم‭ ‬بها؟‭ ‬وهل‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬لتقاسم‭ ‬السلطة‭ ‬أصلا؟

إذا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬هذا،‭ ‬فمن‭ ‬الوارد‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬تندلع‭ ‬صراعات‭ ‬مسلحة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬والجماعات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلطة‭ ‬والنفوذ،‭ ‬وهو‭ ‬صراع‭ ‬إذا‭ ‬اندلع‭ ‬سيمتد‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬كله،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭.‬

ثالثا‭: ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬سوريا‭ ‬مستباحة‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أجنبية‭ ‬عدة‭.. ‬من‭ ‬تركيا،‭ ‬وإيران،‭ ‬وأمريكا،‭ ‬وروسيا،‭ ‬وإسرائيل‭.‬

سوريا‭ ‬ساحة‭ ‬نفوذ‭ ‬وصراع‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬ولكل‭ ‬منها‭ ‬أجندتها‭ ‬وأهدافها‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ولديها‭ ‬قواتها‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬وقوى‭ ‬سورية‭ ‬موالية‭ ‬لها‭.‬

السؤال‭ ‬هو‭: ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬السورية‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬النظام؟

جزء‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬مستقبل‭ ‬سوريا‭ ‬سوف‭ ‬يتحدد‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬هذا‭. ‬والخطر‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تقرر‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬سبيل‭ ‬لحماية‭ ‬ما‭ ‬تعتبر‭ ‬أنها‭ ‬مصالحها‭ ‬هو‭ ‬التقسيم‭ ‬الفعلي‭ ‬لسوريا‭ ‬بينها‭. ‬ولو‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬فمن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تتفتت‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬دويلات‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬الجوانب‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬بناء‭ ‬عليها‭ ‬سوف‭ ‬يتحدد‭ ‬مستقبل‭ ‬سوريا‭. ‬هناك‭ ‬جوانب‭ ‬وقضايا‭ ‬مهمة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نتطرق‭ ‬إليها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا