يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
الهروب الإيراني الكبير
على الرغم من الهجمات الصاروخية الإيرانية المسرحية على إسرائيل، وعلى الرغم من التصريحات الإيرانية الزاعقة، الحقيقة المؤكدة هي أن إيران هربت من المواجهة مع إسرائيل، وخذلت حلفاءها في فلسطين وفي لبنان.
إيران فعلت هذا عن عمد ووفق حسابات تتعلق فقط بمصالحها الخاصة.
منذ التصعيد الخطير للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان التي بلغت ذروتها في تفجيرات البيجر، ثم في اغتيال حسن نصر الله وقيادات الحزب، ثم في الاجتياح، نشرت عشرات التقارير والتحليلات العربية والأجنبية، كلها تطرح سؤالا واحدا: أين إيران؟ ويرتبط بهذا السؤال أسئلة أخرى من قبيل، هل من الممكن أن تتدخل إيران لنجدة حزب الله؟ وما طبيعة الرد المتوقع؟ وهكذا.
أسباب طرح هذه الأسئلة معروفة. حزب الله ينتمي عمليا إلى إيران وهي تعتبره أكبر أدواتها في المنطقة، لهذا حين يتعرض الحزب لضربات مثل هذه، ومعه لبنان كله، من المفترض أن تتدخل إيران.
أما المبرر الأكبر لطرح هذه الأسئلة فهو أنه وبعيدا عن التصريحات الإنشائية للقادة الإيرانيين بأن إيران لن تصمت وبأنها تحذر إسرائيل، وما شابه ذلك.. بغض النظر عن هذه التصريحات، فإن إيران لم تفعل أي شيء عملي، وكل ما أصبح يعنيها هو مصلحة النظام الإيراني فقط بغض النظر عما يحدث للبنان أو فلسطين.
ليس هذا فحسب، بل إن التصريحات والمواقف الإيرانية في الفترة الماضية مما يجري في لبنان تشير إلى موقف يعتبره البعض جديدا ومفاجئا عكس كل التهديدات الإيرانية لإسرائيل.
لنتأمل جيدا التصريحات والمواقف التالية:
* بعد التصعيد في لبنان قال عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، محسن رضائي، إن المرشد علي خامنئي «لا يريد إشعال حرب مع تل أبيب في الظروف الحالية».
ذكر تقرير نقلا عن دبلوماسيين أنه في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على لبنان، طلب حزب الله من إيران شن هجوم ضد إسرائيل لكن المسؤولين الإيرانيين أبلغوا نظراءهم في حزب الله أن «التوقيت ليس مناسبا لشن هجوم ضد إسرائيل لأن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان موجود حاليا في نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة».
وفي نيويورك، حيث كان الرئيس الإيراني موجودا أدلى بتصريحات أثارت الجدل حتى في إيران نفسها قال فيها إنه لا توجد مشكلة مع أمريكا وإن إيران مستعدة للتفاوض، وإن حزب الله لا يستطيع مواجهة إسرائيل وحده.
* محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني والذي كان مرافقا له في نيويورك أدلى بتصريحات قال فيها إن إيران لا تريد الحرب ولا تسعى إليها على عكس ما تقول إسرائيل. واتهم إسرائيل «بنصب الفخاخ لجر إيران إلى صراع لن يكون فيه فائز».
* ذكر تقرير أنه في الأيام الأولى للتصعيد في لبنان التقى وفد إيراني بشكل عاجل مع وفد أمريكي في أوروبا، وبحثا سبل لجم إسرائيل من جهة، وحمل حزب الله على وقف ما يُسمى «إسناد غزة» من جهة أخرى.
* وقبل فترة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إن طهران لن ترسل مقاتلين إلى لبنان وغزة لمواجهة إسرائيل، وأضاف خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي، إن «حكومتي لبنان وفلسطين لديهما القدرة والقوة اللازمتين لمواجهة العدوان، ولا داعي لنشر قوات إيرانية مساعِدة أو تطوعية».
حين نتأمل هذه التصريحات والمواقف الإيرانية جيدا فسوف نكتشف على الفور أن إيران قررت الهروب من المواجهة مع إسرائيل على عكس كل تهديداتها.
بعبارة أخرى، إيران قررت أن تكتفي بالتصريحات الإنشائية التي تصدرها، لكنها عمليا تركت حزب الله وحده ليدفع الثمن فادحا، ومعه الشعب اللبناني كله.
كل ما أصبح يشغل إيران هو محاولة تجنب اعتداء إسرائيلي واسع النطاق ومحاولة توسيط أمريكا لهذا الغرض.
الذين لا يعرفون النظام الإيراني واستراتيجيته في المنطقة سيعتبرون هذا الموقف غريبا. لكن من يعرف استراتيجية إيران جيدا يدرك أن هذا هو الموقف الطبيعي المتوقع من النظام.
السؤال المهم هو: ما الذي يجب أن تستخلصه الدول والشعوب العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن؟ ما الذي يجب أن تستخلصه دولنا العربية عموما؟
للحديث بقية بإذن الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك