العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ظاهرة خطيرة جديدة لا تفسير لها!

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الجمعة ١٢ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

من‭ ‬المعروف‭ ‬عند‭ ‬أطباء‭ ‬الأورام‭ ‬والسرطان‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬الخطير‭ ‬يصيب‭ ‬جميع‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬عمرية‭ ‬محددة‭ ‬ومتقدمة‭ ‬من‭ ‬حياتهم،‭ ‬وخاصة‭ ‬عندما‭ ‬يبلغون‭ ‬من‭ ‬الكِبَر‭ ‬عتياً،‭ ‬ويشتعل‭ ‬رأسهم‭ ‬شيباً،‭ ‬فهناك‭ ‬اجماع‭ ‬قديم‭ ‬عند‭ ‬العلماء‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬السرطان‭ ‬مرض‭ ‬الشيوخ‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬الذين‭ ‬تزيد‭ ‬أعمارهم‭ ‬على‭ ‬65‭ ‬سنة‭. ‬

ولكن‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬في‭ ‬الإصابة‭ ‬والموت‭ ‬من‭ ‬السرطان‭ ‬بدأ‭ ‬يتغير‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬فهناك‭ ‬الآن‭ ‬ظاهرة‭ ‬جديدة‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬فوق‭ ‬السطح،‭ ‬وتتفشى‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬كلها،‭ ‬وتنكشف‭ ‬عند‭ ‬الأطباء‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬وتتمثل‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬أعداد‭ ‬المصابين‭ ‬بالسرطان‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬متوسطي‭ ‬العمر‭ ‬بهذا‭ ‬المرض،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬الذين‭ ‬ولدوا‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭. ‬أي‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬تحول‭ ‬غامض‭ ‬وغريب‭ ‬لا‭ ‬تفسير‭ ‬محدد‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬الإصابة‭ ‬بالسرطان،‭ ‬إذ‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬تعرض‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬والشيوخ‭ ‬للسرطان‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬والمتوسطين‭ ‬في‭ ‬العمر‭. ‬وهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬أصبحت‭ ‬تحير‭ ‬العلماء‭ ‬والأطباء‭ ‬وكافة‭ ‬المعنيين‭ ‬بهذا‭ ‬المرض‭ ‬العضال،‭ ‬حيث‭ ‬شمَّروا‭ ‬جميعاً‭ ‬عن‭ ‬سواعدهم‭ ‬لمحاولة‭ ‬فك‭ ‬خيوط‭ ‬هذا‭ ‬اللغز‭ ‬الحديث،‭ ‬والولوج‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬وتفاصيله،‭ ‬لعلهم‭ ‬يضعون‭ ‬أصابعهم‭ ‬على‭ ‬المتهم‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬العمري‭ ‬للمرض‭.‬

وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬والإحصائيات،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬المعلومات‭ ‬والاحصائيات،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬هناك‭ ‬التقرير‭ ‬السنوي‭ ‬الذي‭ ‬تنشره‭ ‬‮«‬جمعية‭ ‬السرطان‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬المركز‭ ‬القومي‭ ‬للإحصائيات‭ ‬الصحية‮»‬،‭ ‬والتقرير‭ ‬الأخير‭ ‬جاء‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬احصاءات‭ ‬السرطان،‭ ‬2024‮»‬‭. ‬فتشير‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬ستكون‭ ‬هناك‭ ‬2001140‭ ‬حالة‭ ‬سرطان‭ ‬جديدة،‭ ‬ومن‭ ‬هؤلاء‭ ‬سيلقى‭ ‬611720‭ ‬نحبهم،‭ ‬كما‭ ‬يفيد‭ ‬التقرير‭ ‬بأن‭ ‬إجمالي‭ ‬عدد‭ ‬الوفيات‭ ‬من‭ ‬السرطان‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬حتى‭ ‬2021‭ ‬قد‭ ‬أخذ‭ ‬في‭ ‬الانخفاض‭ ‬بنسبة‭ ‬33%،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬منحنى‭ ‬الوفيات‭ ‬من‭ ‬السرطان‭ ‬خلال‭ ‬الثلاثين‭ ‬عاماً‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬نزول‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬ويعزي‭ ‬الأطباء‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الانخفاض‭ ‬الإجمالي‭ ‬إلى‭ ‬عزوف‭ ‬الكثيرين‭ ‬عن‭ ‬التدخين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التشخيص‭ ‬المبكر‭ ‬للمرض،‭ ‬وتطور‭ ‬أساليب‭ ‬وإجراءات‭ ‬العلاج‭ ‬مثل‭ ‬العلاج‭ ‬المناعي‭ ‬والهرموني،‭ ‬وتوافر‭ ‬أدوية‭ ‬جديدة‭ ‬وأكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الأورام‭ ‬السرطانية‭.‬

ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬السعيد‭ ‬والمشجع‭ ‬والتطور‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬انخفاض‭ ‬أعداد‭ ‬الوفيات‭ ‬من‭ ‬السرطان،‭ ‬تُعكر‭ ‬صفوه‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الجديدة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬ارتفاعاً‭ ‬غامضاً‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬تقل‭ ‬أعمارهم‭ ‬عن‭ ‬50‭ ‬سنة،‭ ‬أي‭ ‬متوسطي‭ ‬العمر،‭ ‬في‭ ‬الإصابة‭ ‬بستة‭ ‬أنواع‭ ‬الأكثر‭ ‬شيوعاً‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬10‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬السرطان،‭ ‬منها‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬أو‭ ‬القالون‭ ‬والمستقيم،‭ ‬والبروستات،‭ ‬والثدي،‭ ‬والحنجرة،‭ ‬والعنق،‭ ‬والجلد‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬ميلانوما‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬حالات‭ ‬السرطان‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2015‭ ‬إلى‭ ‬2019‭ ‬ارتفعت‭ ‬بنسبة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬0‭.‬6‭ ‬و1%‭ ‬سنوياً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الثدي‭ ‬والبنكرياس‭ ‬والرحم‭ ‬والجلد،‭ ‬كذلك‭ ‬الحالات‭ ‬ارتفعت‭ ‬بنسبة‭ ‬1‭ ‬إلى‭ ‬2%‭ ‬سنوياً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬سرطان‭ ‬العنق‭ (‬عمر‭ ‬المصابين‭ ‬30‭ ‬إلى‭ ‬44‭)‬،‭ ‬والمستقيم‭ ‬والقولون‭ (‬أقل‭ ‬من‭ ‬55‭ ‬سنة‭).‬

ومن‭ ‬أشد‭ ‬أنواع‭ ‬السرطان‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أعداد‭ ‬المصابين‭ ‬والذين‭ ‬يقضون‭ ‬نحبهم‭ ‬في‭ ‬سنٍ‭ ‬مبكرة،‭ ‬وأكثرها‭ ‬غموضاً‭ ‬هو‭ ‬سرطان‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي،‭ ‬أو‭ ‬سرطان‭ ‬القولون‭ ‬والمستقيم‭. ‬فهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬السرطان‭ ‬بين‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬سنة،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬السبب‭ ‬الرابع‭ ‬للوفيات‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء،‭ ‬والآن‭ ‬حدث‭ ‬تغير‭ ‬وتحول‭ ‬جذري‭ ‬غير‭ ‬مفهوم‭ ‬علمياً‭ ‬وطبياً،‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬للوفيات‭ ‬بين‭ ‬الرجال،‭ ‬والسبب‭ ‬الثاني‭ ‬بين‭ ‬النساء،‭ ‬علماً‭ ‬بأنني‭ ‬فقدتُ‭ ‬عزيزاً‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتي‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬العضال‭ ‬ولم‭ ‬يتجاوز‭ ‬الأربعين‭ ‬من‭ ‬عمره‭. ‬كما‭ ‬نُشر‭ ‬بحث‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬القومي‭ ‬للسرطان‮»‬‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬فبراير‭ ‬2017‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬أنماط‭ ‬حالات‭ ‬الإصابة‭ ‬بسرطان‭ ‬القولون‭ ‬والمستقيم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬1974‭ ‬إلى‭ ‬2013‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أفاد‭ ‬بأن‭ ‬حالات‭ ‬الإصابة‭ ‬بسرطان‭ ‬القولون‭ ‬والمستقيم‭ ‬في‭ ‬انخفاض‭ ‬بشكل‭ ‬إجمالي،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬حالات‭ ‬الإصابة‭ ‬بالمرض‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬ومتوسطي‭ ‬العمر‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬مطرد‭.‬

ومن‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تحير‭ ‬الأطباء‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬السرطان‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬المصابين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الأصحاء‭ ‬الذين‭ ‬يتمتعون‭ ‬بصحة‭ ‬جيدة،‭ ‬ونمط‭ ‬حياة‭ ‬سليم،‭ ‬وأسلوب‭ ‬غذائي‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى‭ ‬صحياً،‭ ‬ولا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬تشوهات‭ ‬جينية‭ ‬وراثية‭!‬

وقد‭ ‬نُشرت‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لسبر‭ ‬غور‭ ‬هذه‭ ‬الاحصائيات‭ ‬والمعلومات‭ ‬الجديدة،‭ ‬وتقديم‭ ‬التفسير‭ ‬العلمي‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الغامضة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬حالات‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬السرطان‭ ‬بين‭ ‬الشباب،‭ ‬والذين‭ ‬تقل‭ ‬أعمارهم‭ ‬عن‭ ‬50‭ ‬عاماً‭. ‬

فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬نُشرت‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬علم‭ ‬الأورام‭ ‬السرطانية‮»‬‭ ‬‭(‬Clinical‭ ‬Oncology‭) ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬هل‭ ‬يُعتبر‭ ‬السرطان‭ ‬المبكر‭ ‬وباءً‭ ‬عالمياً‭ ‬ناشئاً؟‭ ‬الأدلة‭ ‬الحالية‭ ‬والآثار‭ ‬المستقبلية‮»‬‭. ‬فقد‭ ‬أفادت‭ ‬الدراسة‭ ‬بأن‭ ‬السرطان‭ ‬المبكر،‭ ‬أي‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬تشخصيه‭ ‬قبل‭ ‬عمر‭ ‬50‭ ‬عاماً،‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬الخمسين‭ ‬عاماً،‭ ‬قد‭ ‬زاد‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬ففي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬كانت‭ ‬نسبة‭ ‬التشخيص‭ ‬لأمراض‭ ‬السرطان‭ ‬107‭.‬8‭ ‬حالات‭ ‬لكل‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬ممن‭ ‬أعمارهم‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬50%،‭ ‬وهذه‭ ‬النسبة‭ ‬أصبحت‭ ‬أعلى‭ ‬12‭.‬8%‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2000‭.‬

وهذا‭ ‬البحث‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬الأبحاث‭ ‬الأخرى‭ ‬قدَّمت‭ ‬عدة‭ ‬تفسيرات‭ ‬نظرية‭ ‬لا‭ ‬دليل‭ ‬علمي‭ ‬عليها،‭ ‬ولا‭ ‬سند‭ ‬موثوق‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬السريرية،‭ ‬فهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬محاولات‭ ‬أولية‭ ‬لإلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التفسيرات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعطي‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬أسباب‭ ‬انكشاف‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬التفسيرات‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خللاً‭ ‬محدداً‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬بيئتنا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬دخول‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بمستويات‭ ‬مرتفعة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬والماء‭ ‬والتربة،‭ ‬فلم‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬حياته‭ ‬بجرعات‭ ‬عالية،‭ ‬ولم‭ ‬تدخل‭ ‬فتتراكم‭ ‬إلى‭ ‬أعضاء‭ ‬جسده‭ ‬ويرتفع‭ ‬تركيزها‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬المقلقة‭ ‬المستجدة‭ ‬هي‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬الجسيمات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬المتناهية‭ ‬في‭ ‬الصغر‭ ‬بحجم‭ ‬المايكرو‭ ‬والنانو،‭ ‬وهذه‭ ‬الجسيمات‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬بيئتنا،‭ ‬وغزت‭ ‬واستقرت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عضو‭ ‬وكل‭ ‬خلية‭ ‬من‭ ‬أجسامنا،‭ ‬بحسب‭ ‬إجماع‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الجسيمات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬المجهرية‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬احداث‭ ‬طفرات‭ ‬في‭ ‬الجينات‭ ‬ونمو‭ ‬الخلايا،‭ ‬وتَكَون‭ ‬الأورام‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬السرطان‭ ‬المبكر‭ ‬في‭ ‬الأجيال‭ ‬الحالية‭.‬

كذلك‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬العلماء‭ ‬هي‭ ‬التغير‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬وأسلوب‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬نوعية‭ ‬وكمية‭ ‬الغذاء،‭ ‬‭ ‬وتدخين‭ ‬السجائر‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وممارسة‭ ‬الأنشطة‭ ‬الرياضية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬الإصابة‭ ‬بالسمنة‭ ‬والوزن‭ ‬المفرط،‭ ‬والذي‭ ‬بلغ‭ ‬قرابة‭ ‬مليار‭ ‬شخص،‭ ‬حسب‭ ‬الدراسة‭ ‬الدولية‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬اللانست‮»‬‭ ‬(The Lancet)،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الاتجاهات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬نقص‭ ‬الوزن‭ ‬والسمنة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬2022‭: ‬تحليل‭ ‬مجمع‭ ‬لـ‭ ‬3663‭ ‬دراسة‭ ‬ممثلة‭ ‬للسكان‭ ‬مع‭ ‬222‭ ‬مليون‭ ‬طفل‭ ‬ومراهق‭ ‬وبالغ‮»‬‭. ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬أوجدت‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬البدانة‭ ‬ومخاطر‭ ‬الإصابة‭ ‬بالسرطان‭. ‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬يقترحها‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬نشوء‭ ‬وبزوغ‭ ‬ظاهرة‭ ‬السرطان‭ ‬المبكر‭ ‬هو‭ ‬حدوث‭ ‬تغيرات‭ ‬في‭ ‬محتوى‭ ‬النظام‭ ‬الميكروبي‭ ‬الطبيعي‭ ‬‮«‬ميكروبيوم‮»‬ (Microbiome)، الموجود‭ ‬في‭ ‬الأمعاء‭ ‬خاصة،‭ ‬وفي‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان‭ ‬عامة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النوعية‭ ‬والكمية،‭ ‬حيث‭ ‬يفيد‭ ‬العلماء‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الميكروبي‭ ‬والإصابة‭ ‬بالسرطان‭ ‬عند‭ ‬الشباب‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬متوسط‭ ‬العمر‭. ‬

وقد‭ ‬تكون‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬بعض‭ ‬التفسيرات،‭ ‬وجود‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬ذكرتُها،‭ ‬فتعمل‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬بشكل‭ ‬تعاوني‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬فتعرضه‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬للإصابة‭ ‬بالسرطان‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة‭.‬

والأيام‭ ‬القادمة‭ ‬كفيلة‭ ‬بالكشف‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬الحقيقة‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬المخيفة‭ ‬المستجدة‭.‬

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا