العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عيد بأية حال عدت يا عيد

بقلم: د. نبيل العسومي

الخميس ١١ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

يعود‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬المبارك‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬مشارق‭ ‬الأرض‭ ‬ومغاربها‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬سعيد،‭ ‬ولذلك‭ ‬يصعب‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬العيد‭ ‬مثلما‭ ‬نفعل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬الماضية،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬تشاؤما‭ ‬وإنما‭ ‬انعكاس‭ ‬للواقع‭ ‬المؤلم‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬إخوتنا‭ ‬وأشقاؤنا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬وخاصة‭ ‬إخوتنا‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬ليلا‭ ‬ولا‭ ‬نهارا‭ ‬ولا‭ ‬عيدا‭ ‬ولا‭ ‬فرحا‭ ‬بل‭ ‬يفتقرون‭ ‬إلى‭ ‬أبسط‭ ‬ضروريات‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيونية‭ ‬الغاشمة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الأعزل‭ ‬أمام‭ ‬مرأى‭ ‬ومشهد‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يسمي‭ ‬نفسه‭ ‬عالما‭ ‬مدافعا‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يسمي‭ ‬نفسه‭ ‬عالما‭ ‬مدافعا‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬عالما‭ ‬محافظا‭ ‬على‭ ‬السلام،‭ ‬حيث‭ ‬عجز‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬إنقاذ‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬المظلوم‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬للإبادة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬بل‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1948‭.‬

إنه‭ ‬عيد‭ ‬جديد‭ ‬يأتي‭ ‬معه‭ ‬الحزن‭ ‬ويأتي‭ ‬معه‭ ‬الشعور‭ ‬باليأس‭ ‬لما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬أبناء‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬مجاعة‭ ‬مبرمجة‭ ‬تنفذها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬المجرمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعطي‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬للقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬وللأخلاق‭ ‬برعاية‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حامية‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبتواطؤ‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬محاربة‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭.‬

لقد‭ ‬مر‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬الهمجي‭ ‬الظالم‭ ‬والوحشي‭ ‬الذي‭ ‬مارس‭ ‬أبشع‭ ‬أنواع‭ ‬القتل‭ ‬والإبادة‭ ‬والهمجية‭ ‬وآخر‭ ‬أفعاله‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬استخدام‭ ‬حرب‭ ‬التجويع‭ ‬حيث‭ ‬يتعرض‭ ‬أبناء‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬مجاعة‭ ‬حقيقية‭ ‬ولم‭ ‬تنفع‭ ‬كل‭ ‬الضغوطات‭ ‬والنداءات‭ ‬والقرارات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬لجم‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ومنعه‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬النكراء،‭ ‬ويمكننا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬نستذكر‭ ‬فقط‭ ‬ثلاثة‭ ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬ستظل‭ ‬علامة‭ ‬سوداء‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء‭.‬

الأولى‭: ‬إن‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬الوحشي‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬حوالي‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬قتيل‭ ‬وهو‭ ‬عدد‭ ‬مهول‭ ‬وكبير‭ ‬جدا‭ ‬بكل‭ ‬معايير‭ ‬الحروب‭ ‬باستثناء‭ ‬حروب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬فيها‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬القتلى‭ ‬تؤكد‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الأممية‭ ‬الرسمية‭ ‬أن‭ ‬44%‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الضحايا‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الأطفال،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬ألفا‭ ‬من‭ ‬الجرحى‭ ‬والمصابين‭ ‬نصفهم‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإصابات‭ ‬الخطيرة‭ ‬والكبيرة‭ ‬الذين‭ ‬يدخلون‭ ‬حالة‭ ‬الإعاقة‭ ‬الكاملة‭.‬

الثانية‭: ‬تشير‭ ‬ذات‭ ‬الأرقام‭ ‬الأممية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حوالي‭ ‬68%‭ ‬من‭ ‬المساكن‭ ‬والبيوت‭ ‬الخاصة‭ ‬بأهل‭ ‬غزة‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تسويتها‭ ‬مع‭ ‬الأرض‭ ‬بصورة‭ ‬كاملة‭ ‬وتامة‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬قد‭ ‬أصبحوا‭ ‬بلا‭ ‬مأوى‭ ‬وعددهم‭ ‬حوالي‭ ‬مليون‭ ‬و200‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭ ‬يعيشون‭ ‬اليوم‭ ‬تحت‭ ‬الخيام‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬أنقاض‭ ‬بيوتهم‭ ‬المهدمة،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬مؤشر‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للسكن‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬للعيش‭ ‬مما‭ ‬يدفع‭ ‬السكان‭ ‬إلى‭ ‬الهروب‭ ‬والهجرة‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬هدف‭ ‬إسرائيلي‭ ‬معلن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السياسيين‭ ‬والأمنيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬صراحة‭ ‬ولا‭ ‬يخفونه‭ ‬وهذه‭ ‬جريمة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تسجل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬غير‭ ‬العادلة‭ ‬وغير‭ ‬الإنسانية‭ ‬وغير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬بالمرة‭.‬

ثالثا‭: ‬يتعلق‭ ‬وبوضوح‭ ‬بحرب‭ ‬التجويع‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬وحرب‭ ‬التعطيش‭ ‬لهذا‭ ‬الشعب‭ ‬المظلوم،‭ ‬وهي‭ ‬حرب‭ ‬لم‭ ‬تتحرك‭ ‬لها‭ ‬جماعات‭ ‬وجمعيات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬الأطفال‭ ‬الجوعى‭ ‬يموتون‭ ‬وهم‭ ‬عطاشى،‭ ‬ولم‭ ‬يتحرك‭ ‬لهم‭ ‬ساكن‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحيوانات‭ ‬لكانت‭ ‬القلوب‭ ‬الرحيمة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تتحرك‭ ‬وقامت‭ ‬بحملات‭ ‬لإنقاذ‭ ‬هذه‭ ‬الحيوانات‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬يموت‭ ‬جوعا‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬وحتى‭ ‬المحاولات‭ ‬المحدودة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬الجماعات‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬القلوب‭ ‬الرحيمة‭ ‬مثل‭ ‬جمعية‭ ‬المطبخ‭ ‬العالمي‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬قصفها‭ ‬وتدميرها‭ ‬لمنع‭ ‬وصول‭ ‬الطعام‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬المساكين‭ ‬وهذه‭ ‬الجريمة‭ ‬الإضافية‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬أثارت‭ ‬حفيظة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الغربيين‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬لأن‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬ومن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬نسمع‭ ‬صوت‭ ‬إسرائيل‭ ‬الرسمي‭ ‬يعتذر‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يجتمع‭ ‬والأصوات‭ ‬ترتفع‭ ‬بالاحتجاج‭.‬

ولكن‭ ‬بعض‭ ‬المؤشرات‭ ‬وليست‭ ‬جميعها‭ ‬تجمع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الممنهجة‭ ‬التي‭ ‬نفذتها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وهي‭ ‬تؤكد‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬الاحتلال‭ ‬يعيش‭ ‬مأزقا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬دولته‭ ‬وإنه‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬رغم‭ ‬آلة‭ ‬الدمار‭ ‬الرهيبة‭ ‬والدعم‭ ‬اللامحدود‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬مجتمعة‭ ‬من‭ ‬إلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بهذا‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬صامدا‭ ‬رغم‭ ‬الجوع‭ ‬والقتل‭ ‬والهدم‭ ‬وحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وهذا‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬الإحساس‭ ‬الموجع‭ ‬بهذه‭ ‬النكبة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المظلوم،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نفرح‭ ‬معه‭ ‬بالعيد‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا