العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

عالم شريعة الغاب

أي‭ ‬عالم‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يحكمه‭ ‬مجرمو‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭ ‬الصهاينة‭ ‬والأمريكان؟

أي‭ ‬عالم‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يعجز‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬فيه،‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬مجرد‭ ‬وقف‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث؟

أي‭ ‬عالم‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬لمجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬رخصة‭ ‬للاستمرار‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬أبشع‭ ‬المجازر‭ ‬ضد‭ ‬مدنيين‭ ‬أبرياء‭ ‬وتسوية‭ ‬بلادهم‭ ‬بالأرض؟

الذي‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬الهمج‭ ‬هزموا‭ ‬البشرية‭.. ‬ألحقوا‭ ‬بها‭ ‬أكبر‭ ‬هزيمة‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭.‬

العالم‭ ‬كله‭ ‬سيدفع‭ ‬ثمنا‭ ‬فادحا‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬وللرضوخ‭ ‬لحكم‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭.‬

لنتأمل‭ ‬ماذا‭ ‬يعنيه‭ ‬هذا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬البشرية‭ ‬ولكل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭.‬

ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬يعني‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتضمنه‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬للشعوب‭ ‬ولحقوق‭ ‬البشر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬موجودا‭. ‬تم‭ ‬محوه‭ ‬من‭ ‬الوجود‭.‬

القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬كافحت‭ ‬البشرية‭ ‬طويلا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقراره‭ ‬والذي‭ ‬يحمي‭ ‬حق‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬ويحتم‭ ‬احترام‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬ويجرّم‭ ‬العدوان‭.. ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬تم‭ ‬دوسه‭ ‬بالأقدام‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ويقف‭ ‬العالم‭ ‬عاجزا‭ ‬عجزا‭ ‬مطلقا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬ينفذ‭ ‬أيّا‭ ‬من‭ ‬بنوده‭.‬

كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أنها‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬اختفت‭ ‬كأنها‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬أصلا‭.‬

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬تكشف‭ ‬عنه‭ ‬التطورات‭ ‬الحالية‭ ‬والعجز‭ ‬الحالي‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وكل‭ ‬مؤسساتها،‭ ‬وبالأخص‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬وجودها‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬له‭ ‬معنى‭ ‬أو‭ ‬جدوى‭ ‬أو‭ ‬قيمة‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬أصبح‭ ‬بعجزه‭ ‬أداة‭ ‬للتشجيع‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الهمجية‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

المفروض‭ ‬أن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬وأجهزتها‭ -‬وخصوصا‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭- ‬وظيفتها‭ ‬الأساسية‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬العدوان‭ ‬والبطش‭ ‬وحماية‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الفكرة‭ ‬الجوهرية‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬إنشاء‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭.‬

لكن‭ ‬الحادث‭ ‬اليوم‭ -‬كما‭ ‬ذكرنا‭- ‬أن‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬قرارا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يوقف‭ ‬أبشع‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬عرفها‭ ‬العالم‭ ‬ويؤمّن‭ ‬وصول‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭. ‬وحتى‭ ‬إذا‭ ‬اتخذت‭ ‬قرارا‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬تنفيذه‭ ‬وإجبار‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬به‭.‬

السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬الشاذ‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬مثل‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬حق‭ ‬الفيتو‭ ‬بمقدورها‭ ‬أن‭ ‬تحبط‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬يتخذه‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬مع‭ ‬مشروع‭ ‬القرار‭ ‬الأخير‭ ‬حين‭ ‬استخدمت‭ ‬الفيتو‭ ‬لحماية‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬الصهاينة‭.‬

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬يجري‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إصلاح‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لجعله‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭ ‬وأكثر‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭. ‬يتضح‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬حديث‭ ‬وهمي‭ ‬عبثي‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬ولا‭ ‬يؤخر‭.‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يضع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬الغربي‭ ‬أمام‭ ‬معضلة‭ ‬خطيرة‭. ‬مواصلة‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أصبح‭ ‬بلا‭ ‬معنى،‭ ‬فما‭ ‬العمل‭ ‬إذن؟‭ ‬هذه‭ ‬معضلة‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬الغربية‭ ‬أن‭ ‬تنشغل‭ ‬ببحثها‭. ‬هل‭ ‬تنشئ‭ ‬مثلا‭ ‬منظمة‭ ‬عالمية‭ ‬جديدة‭ ‬وتترك‭ ‬هذه‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭ ‬أم‭ ‬ماذا‭ ‬بالضبط؟

الحادث‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬وأمريكا‭ ‬والعجز‭ ‬العالمي‭ ‬الفاضح‭ ‬لوقف‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة‭ ‬أننا‭ ‬إزاء‭ ‬عالم‭ ‬تحكمه‭ ‬شريعة‭ ‬الغاب‭. ‬عالم‭ ‬الكلمة‭ ‬فيه‭ ‬لمجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة،‭ ‬ولا‭ ‬مكان‭ ‬فيه‭ ‬لا‭ ‬لقانون‭ ‬دولي‭ ‬إنساني،‭ ‬ولا‭ ‬لمنظمات‭ ‬دولية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭.‬

شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يذبح‭ ‬اليوم‭ ‬ويباد‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬شريعة‭ ‬الغاب‭ ‬هذا‭. ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬سيدفع‭ ‬الثمن‭.‬

في‭ ‬عالم‭ ‬كهذا‭ ‬من‭ ‬السخف‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أوهام‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬يفعل‭ ‬البعض‭.‬

في‭ ‬عالم‭ ‬كهذا،‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬الغربي،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬أنها‭ ‬إذا‭ ‬أرادت‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬ليس‭ ‬أمامها‭ ‬سوى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬فقط‭ ‬وألا‭ ‬تراهن‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬دولي‭ ‬أو‭ ‬أمم‭ ‬متحدة‭ ‬أو‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭.‬

إلى‭ ‬أن‭ ‬ينهار‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬يهيمن‭ ‬عليه‭ ‬الغرب‭ ‬والذي‭ ‬ثبت‭ ‬أنه‭ ‬نظام‭ ‬همجي‭ ‬مجرم،‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬منصف‭ ‬وعادل‭ ‬وإنساني،‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬سوى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬قوتها‭ ‬الذاتية‭ ‬فقط‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا