العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

معركة النساء في إيران.. إلى أين؟

بقلم: فاروق يوسف {

الخميس ٢٤ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بعد‭ ‬كل‭ ‬التظاهرات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬المدن‭ ‬الإيرانية‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬شرطة‭ ‬الأخلاق‭ ‬بقتل‭ ‬الشابة‭ ‬الكردية‭ ‬مهسا‭ ‬أميني‭ ‬عادت‭ ‬السلطات‭ ‬وأصدرت‭ ‬قانونا‭ ‬جديدا‭ ‬للعفة‭ ‬والحجاب،‭ ‬ما‭ ‬يفسح‭ ‬المجال‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬أمام‭ ‬شرطة‭ ‬الأخلاق‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهدها‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬النساء‭.‬

أثناء‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬أحرقت‭ ‬النساء‭ ‬أغطية‭ ‬الرأس‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬رفضهن‭ ‬للسلطة‭ ‬القمعية‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأخلاق،‭ ‬وهي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الوصاية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬حجْر‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬ما‭ ‬تلبسه‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬الذي‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

ما‭ ‬تعرفه‭ ‬الإيرانيات‭ ‬وهن‭ ‬يقاومن‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬السلطة‭ ‬القمعية‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬أصلا‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المجال‭ ‬هو‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الهرطقة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬إزالة‭ ‬كل‭ ‬أثر‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إسكات‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تتداولها‭. ‬فالنأي‭ ‬بالمرأة‭ ‬من‭ ‬مكانها‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يجعلها‭ ‬مساوية‭ ‬للرجل‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬التربية‭ ‬المضللة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬قاعدة‭ ‬لبناء‭ ‬مجتمع‭ ‬مطيع‭ ‬لتعليمات‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭. ‬

إيران‭ ‬دولة‭ ‬دينية،‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالقوانين‭ ‬المدنية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬الدول‭ ‬الحديثة‭. ‬هي‭ ‬دولة‭ ‬قديمة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬امتلاك‭ ‬أحدث‭ ‬الأجهزة‭ ‬التي‭ ‬تساعدها‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬النووية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬بشر‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬المعاصر‭ ‬المحيط‭ ‬بهم‭ ‬بطريقة‭ ‬عدائية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُخيف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬تتمكن‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬سلاحها‭ ‬النووي‭. ‬سيكون‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬يومها‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬خطر‭ ‬فنائه‭. ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬سيئ‭ ‬يمكن‭ ‬توقعه‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬يكره‭ ‬العالم‭ ‬الحديث‭.‬

المرأة‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬مسائل‭ ‬الدولة‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬تعقيدا‭. ‬يُقال‭ ‬إنها‭ ‬أفضل‭ ‬حالا‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هيمنة‭ ‬المليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬الشارع‭ ‬ومن‭ ‬المرأة‭ ‬اللبنانية‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬دويلة‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭. ‬ولكنه‭ ‬أمر‭ ‬نسبي‭ ‬والقياس‭ ‬هنا‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬صحيحا؛‭ ‬فليست‭ ‬حرية‭ ‬المرأة‭ ‬إلا‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬المجتمع‭ ‬المغيبة‭. ‬وتلك‭ ‬أيضا‭ ‬محاولة‭ ‬لتمييع‭ ‬حضور‭ ‬المرأة‭ ‬باعتبارها‭ ‬عدوا‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬النظام‭ ‬الشمولي‭ ‬الذي‭ ‬يتوكأ‭ ‬كذبا‭ ‬على‭ ‬عصا‭ ‬الأخلاق،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يستعمل‭ ‬فيه‭ ‬تلك‭ ‬العصا‭ ‬لقمع‭ ‬المعارضين‭.‬

هناك‭ ‬معارضة‭ ‬نسوية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفتقر‭ ‬إليه‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭. ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬مهسا‭ ‬أميني‭ ‬صار‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬أن‭ ‬يحتاط‭ ‬من‭ ‬عدو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬قدر‭ ‬قوته‭. ‬كانت‭ ‬الشريعة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أصحاب‭ ‬العمائم‭ ‬كافية‭ ‬لإسكات‭ ‬النساء‭ ‬وإلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بهن‭. ‬وكان‭ ‬النظر‭ ‬إليهن‭ ‬على‭ ‬أنهن‭ ‬الطرف‭ ‬الأضعف‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬سلاحا‭ ‬مقنعا‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بذل‭ ‬جهود‭ ‬كبيرة‭.‬

وهنا‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬الاستهانة‭ ‬بقوة‭ ‬الدعاية‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والأخلاق‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يرد‭ ‬ذكر‭ ‬للرجل‭ ‬الذي‭ ‬يحق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬ويكون‭ ‬حرا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يرتديه‭. ‬ليس‭ ‬لمظهر‭ ‬الرجل‭ ‬علاقة‭ ‬بالأخلاق‭ ‬بمفهومها‭ ‬الديني‭. ‬لقد‭ ‬فُرض‭ ‬الحجاب‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬عنوانا‭ ‬للعفة‭. ‬أما‭ ‬عفة‭ ‬الرجل‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬متحررة‭ ‬من‭ ‬القيود‭. ‬لعبت‭ ‬تلك‭ ‬الدعاية‭ ‬بعقول‭ ‬نساء‭ ‬كثيرات‭ ‬وصرن‭ ‬يدافعن‭ ‬عما‭ ‬يُسمى‭ ‬كرامة‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتحقق‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زي‭ ‬معين‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬والحالة‭ ‬هذه‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬أن‭ ‬يتراجع‭ ‬قيد‭ ‬أنملة‭ ‬عن‭ ‬مسألة‭ ‬حجاب‭ ‬المرأة‭. ‬لو‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬لانهار‭ ‬مشروع‭ ‬الدولة‭ ‬الدينية‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقيم‭ ‬شأنا‭ ‬للفساد‭ ‬المستشري‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يراقب‭ ‬المرأة‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬العدو‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬استباق‭ ‬خطواته‭. ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬الخطر‭ ‬الأشد‭ ‬تأثيرا‭ ‬من‭ ‬مجاهدي‭ ‬خلق‭ ‬الذين‭ ‬يقاتلون‭ ‬هم‭ ‬الآخرون‭ ‬بنساء‭ ‬محجبات‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬الكثيرون‭ ‬ممَّن‭ ‬يناصرونهم‭.‬

لا‭ ‬أبالغ‭ ‬إذا‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬مستقبل‭ ‬إيران‭ ‬مرتبط‭ ‬بحيوية‭ ‬وحراك‭ ‬المرأة‭ ‬داخل‭ ‬إيران‭ ‬وليس‭ ‬خارجها؛‭ ‬فالإيرانيات‭ ‬خارج‭ ‬إيران‭ ‬يعشن‭ ‬حياة‭ ‬منفتحة‭ ‬هي‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬الجاليات‭ ‬العربية،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬شيئا‭. ‬لقد‭ ‬فعلت‭ ‬المرأة‭ ‬داخل‭ ‬إيران‭ ‬ما‭ ‬فاجأ‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬يتوقعوه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اطمأنوا‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬خططهم‭ ‬في‭ ‬تضليل‭ ‬النساء‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬الشريعة‭.‬

ستظل‭ ‬الأخلاق‭ ‬حصرا‭ ‬بالنساء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬نظام‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬معركتهن‭ ‬قد‭ ‬تخطت‭ ‬منطقتها‭ ‬الحقوقية‭ ‬لتكون‭ ‬معركة‭ ‬سياسية‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬معركة‭ ‬الخط‭ ‬الناعم‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬خشنا‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬الصدام‭. ‬فليس‭ ‬الحجاب‭ ‬سوى‭ ‬سبب‭ ‬للانقضاض‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تنفع‭ ‬في‭ ‬إيقافه‭ ‬قوانين‭ ‬العفة‭ ‬والاحتشام‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا