العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

منتدى دافوس ومخططات «المؤامرة الغربية» لإعادة ضبط وتشكيل العالم بعد جائحة كورونا (١)

بقلم: د. محمد الصياد{

الجمعة ١٨ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بات‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬التحوير‭ ‬العظيم‮»‬‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬الضبط‭ ‬الشاملة‮ ‬‭(‬The‭ ‬Great‭ ‬Reset‭)‬،‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬فضاءات‭ ‬التعبير‭ ‬البديلة‭. ‬المناهضون‭ ‬للعولمة،‭ ‬وجدوا‭ ‬فيه‭ ‬إثباتاً‭ ‬يقينيا‭ ‬لما‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬مليارديرات‭ ‬العالم،‭ ‬ورموزهم‭ ‬التنظيرية‭ ‬الموزعة‭ ‬على‭ ‬مروحة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬القرار‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي،‭ ‬يخططون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬مقرات‮»‬‭ ‬تجمعاتهم‭ ‬المعلنة‭ ‬والأخرى‭ ‬شبه‭ ‬السرية،‭ ‬لتشكيل‭ ‬مستقبل‭ ‬العالم‭ ‬وإعادة‭ ‬هندسته‭.‬‮ ‬

خطة‭ ‬‮«‬التحوير‭ ‬العظيم‮»‬‭ ‬مستنبَطة‭ ‬من‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬إعادة‭ ‬التصميم‭ ‬العالمية‮» ‬‭(‬Global‭ ‬Redesign‭ ‬Initiative‭)‬؛‭ ‬وهي‭ ‬مبادرة‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬صاغها‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬من‭ ‬600‭ ‬صفحة،‭ ‬المنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ (‬أو‭ ‬منتدى‭ ‬دافوس‭) ‬بعد‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭/‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬2008،‭ ‬واستهدفت،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬الخاص‭ ‬بالخطة،‭ ‬تغيير‭ ‬الحوكمة‭ ‬العالمية‭. ‬وبحسب‭ ‬رؤية‭ ‬المنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬لهذه‭ ‬الحوكمة،‭ ‬سيكون‭ ‬صوت‭ ‬الحكومة‭ ‬واحدا‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأصوات،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صاحبة‭ ‬الحكم‭ ‬النهائي،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الحكومات‭ ‬ستكون‭ ‬مجرد‭ ‬صاحبة‭ ‬مصلحة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحة‭ ‬الآخرين‭ ‬لإدارة‭ ‬الحوكمة‭ ‬العالمية‭. ‬والقصد‭ ‬ينصرف‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬أدرجتها‭ ‬مبادرة‭ ‬إعادة‭ ‬التصميم‭ ‬العالمية‭ ‬كشركاء‭ ‬أساسيين‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطة‭ ‬المنتدى،‭ ‬وهي؛‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النفط‭: ‬شل،‭ ‬وشيفرون،‭ ‬وبي‭ ‬بي‭ ‬‭(‬BP‭)‬‭. ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭: ‬يونيليفر،‭ ‬كوكا‭ ‬كولا،‭ ‬نستله‭. ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا‭: ‬فيسبوك،‭ ‬غوغل،‭ ‬أمازون،‭ ‬مايكروسوفت،‭ ‬وأبل‭). ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬المستحضرات‭ ‬الصيدلانية‭: ‬أسترا‭ ‬زينيكا،‭ ‬فايزر،‭ ‬وموديرنا‭.‬‮ ‬

هاريس‭ ‬جليكمان،‭ ‬وهو‭ ‬زميل‭ ‬أول‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الحوكمة‭ ‬والاستدامة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ماساتشوستس‭ ‬بوسطن،‭ ‬وصف‭ ‬التقرير‭ ‬حينها‭ ‬بأنه‭ ‬خطوة‭ ‬لتحويل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الى‭ ‬شراكة‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬وإنشاء‭ ‬مكان‭ ‬خاص‭ ‬للشركات‭ ‬داخل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بما‭ ‬يعد أوسع‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ (‬1‭).‬

في‭ ‬يوليو‭ ‬2020،‭ ‬نشر‭ ‬مؤسس‭ ‬منتدى‭ ‬دافوس،‭ ‬كلاوس‭ ‬شواب‮ ‬‭- ‬Klaus‭ ‬Schwab‮ ‬والاقتصادي‭ ‬الفرنسي‭ ‬صاحب‭ ‬نشرة‭ ‬المؤشر‭ (‬بارومتر‭)‬‮ ‬‭(‬Barometer‭)‬‮ ‬الشهرية‭ ‬تييري‭ ‬مالرييه‮  ‬Thierry‭ ‬Malleret‮ ‬كتاباً‭ ‬بعنوان‭ ‬مثير‭ ‬وجاذب‭ ‬للاهتمام‭: ‬كوفيد‭-‬19‭: ‬التحوير‭ ‬العظيم‭ ‬

‭(‬COVID-19‭: ‬THE‭ ‬GREAT‭ ‬RESET‭)‬؛‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬اندلاع‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭.‬

بما‭ ‬أن‭ ‬اختصاصه‭ ‬الأكاديمي‭ ‬هو‭ ‬الهندسة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬حيث‭ ‬يحمل‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬الاختصاصين،‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬شواب‭ ‬شريكاً‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تأليف‭ ‬الكتاب،‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬البيئة‭ ‬الفلسفية‭ ‬النفعية‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬والتي‭ ‬جذب‭ ‬معه‭ ‬اليها،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬مليارديرات‭ ‬الأوليغارشيا‭ ‬العالمية‭ ‬الذين‭ ‬تحولوا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬إلى‭ ‬مخططين‭ ‬عالميين‭ ‬تحوم‭ ‬حولهم‭ ‬الشبهات‭ ‬والاتهامات،‭ ‬بشأن‭ ‬خططهم‭ ‬ومشاريعهم‭ ‬العالمية‭ ‬المعلنة‭ ‬وغير‭ ‬المعلنة‭. ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬أسماء‭ ‬مثل‭ ‬شواب‭ ‬نفسه،‮ ‬وبيل‭ ‬جيتس وجورج‭ ‬سوروس‭ ‬وجاستن‭ ‬ترودو وأنجيلا‭ ‬ميركل‭ ‬ومارك‭ ‬زوكربيرغ‭ ‬وإيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬وغيرهم،‭ ‬مقرونة‭ ‬في‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬بعالم‭ ‬الأشباح‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عملهم‭ ‬في‭ ‬العلن،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الأضواء‭.‬‮ ‬ماكرون‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬أُدخل‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬الأساتذة‭ ‬العليا،‭ ‬وهي‭ ‬كلية‭ ‬تخريج‭ ‬النخبة‭ ‬الإدارية‭ ‬والسياسية‭ ‬المستقبلية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬رغم‭ ‬فشله‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬اجتياز‭ ‬امتحانات‭ ‬القبول،‭ ‬تم‭ ‬توظيفه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬في‭ ‬بنك‭ ‬روتشيلد،‭ ‬بدفع‭ ‬من‭ ‬أبيه‭ ‬الروحي‮ ‬جاك‭ ‬لانغ،‭ ‬أحد‭ ‬منظري‭ ‬المذهب‭ ‬النيوليبرالي‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وللمفارقة‭ ‬رئيس‭ ‬معهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬حالياً‭. ‬والأمر‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬ليسوا‭ ‬سوى‭ ‬وجهاء‭ ‬القوم‭ ‬لقائمة‭ ‬تطول‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬تعداد‭ ‬أفرادها‭ ‬حوالي‭ ‬3800‭ ‬شخصية‭ ‬معولمة‭ ‬تم‭ ‬تدريبها‭ ‬وتأهيلها‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬العراب‭ ‬الأكبر‭ ‬كلاوس‭ ‬شواب‭.‬‮ ‬

يتضمن‭ ‬الكتاب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التخمينات‭ ‬والأفكار‭ ‬حول‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬عليه‭ ‬عالمنا‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬كوفيد‭-‬19‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عليه،‭ ‬بحسب‭ ‬شواب‭. ‬وهو‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬فصول‭ ‬رئيسية،‭ ‬يقدم‭ ‬فيها‭ ‬المؤلفان‭ ‬نظرة‭ ‬بانورامية‭ ‬عامة‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬المستقبلي‭ ‬العالمي‭. ‬الأول‭ ‬يقيِّم‭ ‬تأثير‭ ‬الوباء‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬مجالات‭ ‬رئيسية‭: ‬الجوانب‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والمجتمعية،‭ ‬والجيوسياسية،‭ ‬والبيئية،‭ ‬والتكنولوجية‭. ‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬فيتناول‭ ‬التأثيرات‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجزئية،‭ ‬على‭ ‬صناعات‭ ‬وشركات‭ ‬بعينها‭. ‬فيما‭ ‬خُصِّص‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬لطبيعة‭ ‬العواقب‭ ‬المحتملة‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭. ‬فهنالك‭ ‬تغييرات‭ ‬جذرية‭ ‬حدثت،‭ ‬ودفعت‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬للفصل‭ ‬بين‭ ‬مرحلتين‭ ‬عالميتين،‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‮ ‬‭(‬Before‭ ‬coronavirus‭ ‬‭ ‬BC‭)‬،‭ ‬ومرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬‭(‬After‭ ‬Coronavirus‭ ‬‭ ‬AC‭).‬

يقول‭ ‬شواب‭ ‬وشريكه‭ ‬في‭ ‬تأليف‭ ‬الكتاب‭ ‬نحن‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مفترق‭ ‬طرق،‭ ‬وأمامنا‭ ‬طريقان‭ ‬لنسلكهما،‭ ‬الطريق‭ ‬الأول،‭ ‬إذا‭ ‬سلكناه‭ ‬سيأخذنا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬أفضل‭: ‬أكثر‭ ‬شمولية،‭ ‬وأكثر‭ ‬إنصافاً،‭ ‬وأكثر‭ ‬احتراماً‭ ‬للطبيعة‭ ‬الأم‭. ‬والطريق‭ ‬الثاني‭ ‬سوف‭ ‬يأخذنا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬يشبه‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬تركناه‭ ‬للتو‭ ‬وراءنا،‭ ‬لكنه‭ ‬أسوأ‭ ‬منه،‭ ‬وتواجهه‭ ‬باستمرار‭ ‬المفاجآت‭ ‬السيئة‭. ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نختار‭ ‬الطريق‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭. ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬أكثر‭ ‬هولاً‭ ‬مما‭ ‬تخيلناه‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬لكن‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تحوير‭ ‬الكون،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أيضا‭ ‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬كنا‭ ‬نتجاسر‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السابق‭. ‬والكتاب،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬مؤلفاه،‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬وإلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على التغييرات‭ ‬المقبلة،‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬عليه‭ ‬شكل‭ ‬العالم‭ ‬المنشود‭ ‬والمستدام‭ (‬2‭).‬

منذ‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬2020،‭ ‬عاشت‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬تقريباً،‭ ‬أياماً‭ ‬عصيبة،‭ ‬وأحداثاً‭ ‬تخطت‭ ‬بجسامتها‭ ‬مخيلة‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬التنبؤ‭ ‬بطبيعة‭ ‬وحجم‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬بقاء‭ ‬الجنس‭ ‬البشري‭. ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬أكثر‭ ‬المنجمين‭ ‬تشاؤماً،‭ ‬ليتنبأ‭ ‬بقيام‭ ‬حكومات‭ ‬العالم‭ ‬بالحكم‭ ‬على‭ ‬شعوبها‭ ‬قاطبة‭ ‬بالإقامة‭ ‬الجبرية‭ ‬24‭/‬24‭ ‬ساعة‭ ‬مدة‭ ‬فاقت‭ ‬السنتين،‭ ‬بابتداع‭ ‬حالة‭ ‬الاغلاقات‭ ‬التامة‭ ‬Lockdowns،‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬اللغات‭ ‬العالمية‭ ‬كمصطلح‭ ‬يرمز‭ ‬الى‭ ‬الشؤم‭ ‬والموت‭ ‬الذي‭ ‬خطف‭ ‬أرواح‭ ‬حوالي‭ ‬7‭ ‬ملايين‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬أبريل‭ ‬2023‭. ‬وكيف‭ ‬ظهرت‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬الشهور‭ ‬الستة،‭ ‬لقاحات‭ ‬تنافست‭ ‬بلدان‭ ‬وشركات‭ ‬على‭ ‬إنتاجها‭ ‬وسرعة‭ ‬إنزالها‭ ‬الى‭ ‬الأسواق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬اختبارات‭ ‬مسبقة‭ (‬بحسب‭ ‬جامعة‭ ‬جونز‭ ‬هوبكنز‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فإن‭ ‬الجدول‭ ‬الزمني‭ ‬النموذجي‭ ‬لتطوير‭ ‬اللقاح‭ ‬يتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬5‭-‬10‭ ‬سنوات،‭ ‬وأحيانا‭ ‬أطول،‭ ‬لتقييم‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬اللقاح‭ ‬آمنا‭ ‬وفعالا‭ ‬في‭ ‬التجارب‭ ‬السريرية،‭ ‬واستكمال‭ ‬إجراءات‭ ‬وأخذ‭ ‬الموافقات‭ ‬البروتوكولية‭ ‬التنظيمية،‭ ‬وتصنيع‭ ‬كمية‭ ‬كافية‭ ‬من‭ ‬جرعات‭ ‬اللقاح‭ ‬لتوزيعها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭). ‬فاختباراتها‭ ‬تمت‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬مواطني‭ ‬القرية‭ ‬العالمية‭.‬

فأنتجت‭ ‬روسيا‭ ‬لقاحها‭ ‬سبوتنك‭-‬في‭ ‬أو‭ ‬سبوتنك‭ ‬5‭ ‬Sputnik‭ ‬V،‭ ‬وأنتجت‭ ‬الصين‭ ‬8‭ ‬لقاحات‭ ‬أشهرها‭ ‬وأكثرها‭ ‬رواجاً‭ ‬وتسويقاً‭ ‬سينوفارم‭ ‬‭(‬Sinopharm‭)‬،‭ ‬وأنتجت‭ ‬أمريكا‭ ‬لقاحي‭ ‬فايزر‭ ‬بيونتيك‮ ‬‭(‬Pfizer‭-‬BioNTech‭)‬،‭ ‬وموديرنا‭ ‬‭(‬Moderna‭)‬‭. ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬تكشفت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬فضائح‭ ‬موت‭ ‬الآلاف‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬بسبب‭ ‬مضاعفات‭ ‬هذه‭ ‬اللقاحات،‭ ‬لاسيما‭ ‬لقاح‭ ‬فايزر‭ ‬الأمريكي‭.‬‮ ‬

مؤلفا‭ ‬الكتاب،‭ ‬يعمدان‭ ‬إلى‭ ‬التهوين‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬وهول‭ ‬التدابير‭ ‬الحكومية‭ ‬المتخذة،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬الإغلاقات‭. ‬فهما‭ ‬يقولان‭ ‬إن‭ ‬تدابير‭ ‬الحبس‭ ‬والإغلاق‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬ترسانة‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة،‭ ‬وكانت‭ ‬ممارسة‭ ‬شائعة‭ ‬لعدة‭ ‬قرون،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أقدمها،‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬الذي‭ ‬فُرض‭ ‬لاحتواء‭ ‬الموت‭ ‬الأسود‭ (‬الطاعون‭) ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الواقعة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1347‭ ‬و1351،‭ ‬والذي‭ ‬حصد‭ ‬حوالي‭ ‬ثلث‭ ‬أرواح‭ ‬الأوروبيين‭. ‬بما‭ ‬قد‭ ‬ينسحب‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬وضع‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬رهن‭ ‬الاعتقال‭ ‬الإداري‭ ‬الجماعي،‭ ‬ومراقبتهم‭ ‬باستخدام جهاز‭ ‬تتبع‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬حلقة‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬معصم‭ ‬اليد،‭ ‬كأول‭ ‬تجربة‭ ‬للمراقبة‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية‭ ‬الكونية‭ ‬الشاملة‭. ‬فالمؤلفان‭ ‬يدفعان‭ ‬بأن البشر‭ ‬موجودون‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬200,000‭ ‬سنة،‭ ‬وهناك‭ ‬بكتيريا‭ ‬يعود‭ ‬وجودها‭ ‬الى‭ ‬مليارات‭ ‬السنين،‭ ‬وفيروسات‭ ‬لما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬300‭ ‬مليون‭ ‬سنة؛‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن الأوبئة‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬موجودة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭. ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬البشر‭ ‬الترحال‭ ‬عبر‭ ‬أصقاع‮ ‬العالم‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الألفين‭ ‬الماضية،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬القاعدة،‭ ‬حيث‭ ‬أثبتت‭ ‬الأوبئة،‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ،‭ ‬وبسبب‭ ‬طبيعتها‭ ‬المدمرة،‭ ‬أنها‭ ‬قوة‭ ‬دائمة‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬قوة‭ ‬تغيير‭ ‬عظمى‭. ‬قوة‭ ‬التغيير‭ ‬العظمى‭ ‬هذه،‭ ‬التي‭ ‬ينسبانها‭ ‬إلى‭ ‬الأوبئة،‭ ‬هي‭ ‬بالذات‭ ‬ما‭ ‬يروم‭ ‬شواب‭ ‬ورفيقه،‭ ‬استثماره‭ ‬وتطبيقه‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬مناحي‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الجائحة‭. ‬فقبالة‭ ‬التغيير‭ ‬الجذري‭ ‬الذي‭ ‬تحدثه‭ ‬الأوبئة،‭ ‬متجسدة،‭ ‬كما‭ ‬يقولان،‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬أعمال‭ ‬شغب‭ ‬وصدامات‭ ‬بين‭ ‬السكان،‭ ‬وربما‭ ‬حروب،‭ ‬بسبب‭ ‬التكالب‭ ‬على‭ ‬الموارد،‭ ‬وقد‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬ثورات‭ ‬وحروب‭ ‬تعيد‭ ‬رسم‭ ‬الحدود‭ ‬الوطنية‭ ‬‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬تدفع‭ ‬وتحفز‭ ‬الابتكارات‭ (‬يقصدان‭ ‬استغلال‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬للأزمة‭ ‬والاستثمار‭ ‬فيها‭)‬،‭ ‬قدما‭ ‬الى‭ ‬الأمام‭.‬

إنما‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬السردية‭ ‬التي‭ ‬حققها‭ ‬وأشاعها‭ ‬ونشرها‭ ‬آلاف‭ ‬النشطاء‭ ‬المناهضين‭ ‬للعولمة‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬عن‭ ‬كلاوس‭ ‬شواب‭ ‬ورهطه‭ ‬من‭ ‬العولميين‭ ‬Globalists،‭ ‬والتي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الأعمال‭ ‬الشريرة‭ ‬الكامنة‭ ‬خلف‭ ‬الصورة‭ ‬الناصعة‭ ‬البياض‭ ‬التي‭ ‬يظهرها‭ ‬شواب‭ ‬وتجمعه‭ ‬العالمي‭ ‬السنوي‭ ‬في‭ ‬منتجع‭ ‬دافوس‭ ‬السويسري‭ ‬‭ ‬دارت‭ ‬طروحات‭ ‬شواب‭ ‬ومالرييه‭ ‬في‭ ‬تأليف‭ ‬الكتاب‭.‬

فمؤلفا‭ ‬الكتاب‭ ‬يدعوان،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬أسمياه‭ ‬التحوير‭ ‬العظيم،‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬الضبط‭ ‬الشاملة‮ ‬‭(‬The‭ ‬Great‭ ‬Reset‭)‬،‭ ‬الى‭ ‬توجيه‭ ‬السوق‭ ‬لتحقيق‭ ‬نتائج‭ ‬أكثر‭ ‬عدالة،‭ ‬وقيام‭ ‬الحكومات‭ ‬بتنفيذ‭ ‬حزمة‭ ‬إصلاحات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬لمجتمع‭ ‬أكثر‭ ‬انصافاً،‭ ‬بما‭ ‬يشمل‭ ‬ذلك‭ ‬إدخال‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬الضرائب‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬الثروات،‭ ‬وأن‭ ‬تتوجه‭ ‬برامج‭ ‬الإنفاق‭ ‬الحكومية‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬مشتركة،‭ ‬مثل‭ ‬المساواة‭ ‬والاستدامة،‭ ‬وتسخير‭ ‬ابتكارات‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الرابعة‭ ‬لدعم‭ ‬الصالح‭ ‬العام،‭ ‬لاسيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معالجة‭ ‬التحديات‭ ‬الصحية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

مع‭ ‬الاستدراك‭ ‬ها‭ ‬هنا،‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬مازالت‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬مراوغة‭ ‬استحقاق‭ ‬تدفيع‭ ‬أصحاب‭ ‬الثروات‭ ‬ثمن‭ ‬تمتعهم‭ ‬بكل‭ ‬تسهيلات‭ ‬ودعومات‭ ‬الدولة‭ ‬وتسخيرها‭ ‬جميع‭ ‬مرافقها‭ ‬وبنيتها‭ ‬التحتية‭ ‬لخدمتهم‭ ‬وتزييت‭ ‬حركة‭ ‬رؤوس‭ ‬أموالهم،‭ ‬وذلك‭ ‬برسم‭ ‬الصياغة‭ ‬الذكية‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬للمشرعين‭ ‬وأجهزة‭ ‬التسيير‭ ‬التنفيذية،‭ ‬التلاعب‭ ‬بنتائجها‭ ‬النهائية،‭ ‬رغم‭ ‬تسليم‭ ‬هذه‭ ‬النخب،‭ ‬اضطراراً،‭ ‬بدنو‭ ‬استحقاق‭ ‬تمثيل‭ ‬قيمة‭ ‬المساواة‭ ‬Equality‭ ‬التي‭ ‬بدأوا‭ ‬يجارون‭ ‬تيار‭ ‬الدعوة‭ ‬المتنامي‭ ‬لتجسيدها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المؤلفين‭ ‬لم‭ ‬ينسيا‭ ‬تضمين‭ ‬روشتتهما‭ ‬لإعادة‭ ‬الضبط‭ ‬الشاملة،‭ ‬الكليشة‭ ‬التي‭ ‬تشترك‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الحاكمة،‭ ‬وهي‭ ‬سحب‭ ‬الدعم‭ ‬من‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ (‬الفحم‭ ‬والنفط‭ ‬والغاز‭)‬،‭ ‬وتغليظ‭ ‬ترسانة‭ ‬قوانين‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬والتجارة‭ ‬والمنافسة،‭ ‬التي‭ ‬وفر‭ ‬إقرارها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬حتى‭ ‬إنشاء‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬يناير‭ ‬1995،‭ ‬امتيازات‭ ‬حصرية‭ ‬للدول‭ ‬الرأسمالية‭ ‬السبع‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬أمريكا‭. ‬

كلاوس‭ ‬شواب‭ ‬يتوافر،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم،‭ ‬على‭ ‬كنز‭ ‬وفير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭ ‬وكبار‭ ‬شخصياته‭ ‬النافذة،‭ ‬وعن‭ ‬دهاليز‭ ‬السياسات‭ ‬العالمية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬أجهزة‭ ‬مخابرات‭ ‬الدنيا‭. ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بخفايا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬خلف‭ ‬الكواليس‭ ‬من‭ ‬صدامات‭ ‬جيوسياسية‭ ‬ساخنة‭ ‬بين‭ ‬محوري‭ ‬النظامين‭ ‬الدوليين،‭ ‬القديم‭ ‬المتصدع،‭ ‬والجديد‭ ‬الناشئ‭. ‬لهذا‭ ‬قرأ‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2020،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬2022‭. ‬فكتب‭ ‬إن‭ ‬خطراً‭ ‬حقيقيا‭ ‬للغاية‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬سيكون‭ ‬غداً،‭ ‬أكثر‭ ‬انقساما،‭ ‬أكثر‭ ‬قومية،‭ ‬وأقل‭ ‬انفتاحا‭ ‬واستعدادا‭ ‬للتعاون،‭ ‬وأكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للصراعات‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭ (‬وقت‭ ‬تأليف‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬2020‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التقدم‭ ‬بدون‭ ‬هذا‭ ‬التعاون،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬شواب ورفيقه‭. ‬

إنما‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬قراءته‭ ‬تنصرف،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬ذلك‭ ‬أو‭ ‬يفصح‭ ‬عنه‭ ‬بنحو‭ ‬من‭ ‬الأنحاء،‭ ‬الى‭ ‬الغرب‭ ‬الجماعي‭ ‬‭(‬Collective‭ ‬west‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬فسر‭ ‬صيغة‭ ‬التعاون‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬مصالحه‭: ‬سيادته‭ ‬مقابل‭ ‬خنوع‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭ ‬لمشيئته،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬هياج‭ ‬إذ‭ ‬يرى‭ ‬عالم‭ ‬الجنوب‭ ‬ينسل‭ ‬رويدا‭ ‬رويدا‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬يديه،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬يدي‭ ‬صيغته‭ ‬التعاونية‭. ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬نرى،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يلحظه‭ ‬‭ ‬في‭ ‬حينه؛‭ ‬شواب‭ ‬ورفيقه‭ ‬‭ ‬تدافعا‭ ‬على‭ ‬صيغ‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬Global‭ ‬south‭. ‬لهذا‭ ‬هما‭ ‬يستدركان،‭ ‬ويطرحان‭ ‬البديل‭ ‬لذلكم‭ ‬الصدع‭ ‬الخطير‭ ‬والانقسام‭ ‬العمودي‭ ‬بين‭ ‬شمال‭ ‬مازال‭ ‬يعيش‭ ‬وهم‭ ‬تأبيد‭ ‬استعماره‭ ‬للجنوب،‭ ‬وبين‭ ‬جنوب‭ ‬واتته‭ ‬الفرصة‭ ‬التاريخية‭ ‬للانعتاق‭ ‬من‭ ‬ربقة‭ ‬دوّامته‭ ‬الاستعمارية‭. ‬فيدفعان‭ ‬بإمكانية‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬لمواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬الفناء‭ ‬الجماعي‭ ‬لقاطني‭ ‬الكوكب‭ ‬الأزرق،‭ ‬وهي،‭ ‬كما‭ ‬يسردها‭ ‬المؤلفان‭ (‬وكما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬السردية‭ ‬الغربية‭ ‬السائدة‭ ‬المفروضة‭ ‬قسراً‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭)‬،‭ ‬التهديدات‭ ‬النووية،‭ ‬وتغير‭ ‬المناخ،‭ ‬والاستخدام‭ ‬غير‭ ‬المستدام‭ ‬للموارد‭ ‬الأساسية‭ ‬مثل‭ ‬الغابات‭ ‬والمأكولات‭ ‬البحرية‭ ‬والتربة‭ ‬السطحية‭ ‬والمياه‭ ‬العذبة،‭ ‬وتقاسم‭ ‬الغذاء‭.‬

ويفترض‭ ‬المؤلفان‭ ‬أن‭ ‬مشاهدة‭ ‬العالم‭ ‬للإخفاقات‭ ‬والمخاوف‭ ‬من‭ ‬كابوس‭ ‬انهيار‭ ‬الصدع‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الجميع‭ ‬سوف‭ ‬تجبر،‭ ‬على‭ ‬الأرجح،‭ ‬جميع‭ ‬بلدانه‭ (‬وقد‭ ‬كان‭ ‬حريٌ‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬سوف‭ ‬تجبر‭ ‬الغرب‭ ‬الجماعي،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬يسمي‭ ‬الجهة‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬تحول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬إلى‭ ‬المجابهة‭)‬،‭ ‬على‭ ‬إحلال‭ ‬صيغة‭ ‬التعاون‭ ‬الجماعي‭ ‬محل‭ ‬المجابهة،‭ ‬والقبول‭ ‬الاضطراري‭ ‬بحتمية‭ ‬استبدال‭ ‬الأفكار‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والممارسات‭ ‬والقواعد‭ ‬الفاشلة،‭ ‬بأخرى‭ ‬جديدة‭ ‬أكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬للحالة‭ ‬العالمية‭ ‬الراهنة‭. ‬

خدمة‭: ‬themfadhel‭.‬com

 

{‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الصياد‭ ‬خبير‭ ‬اقتصادي‭ ‬بحريني‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدولية‭. ‬عمل‭ ‬سابقاً‭ ‬ممثلا‭ ‬للبحرين‭ ‬في‭ ‬فريق‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬المعني‭ ‬بملف‭ ‬المفاوضات‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬واتفاقيات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة،‭ ‬وملف‭ ‬مفاوضات‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭. ‬صدر‭ ‬له‭ ‬حديثا‭ ‬ترجمة‭ ‬لكتاب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الأمريكي‮ ‬جوزيف‭ ‬ئي‭ ‬ستيغليتز المعنون‭ ‬السقوط‭ ‬المدوي‭ ‬‭ ‬الأسواق‭ ‬الحرة‭ ‬وغرق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭.‬

الهوامش‭:‬

‭(‬1‭) ‬انظر‭: ‬ايفان‭ ‬ويك‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نظريات‭ ‬المؤامرة،‭ ‬هنالك‭ ‬شيء‭ ‬مريب‭ ‬حول‭ ‬إعادة‭ ‬التحوير‭ ‬العظيم‭. ‬الديمقراطية‭ ‬المفتوحة،‮ ‬16‮ ‬أغسطس‭/‬آب‮ ‬2021‭.‬‮ ‬

‭(‬2‭) ‬راجع‭:‬‮ ‬كتاب‭ ‬كوفيد‭ ‬‮ ‬19،‭ ‬إعادة‭ ‬التحوير‭ ‬العظيم،‭ ‬كلاوس‭ ‬شواب‭ ‬وتيري‭ ‬ماليريه‭. ‬مطبوعات‭ ‬المنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‮ ‬2020‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا