العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مغزى زيارة كيسنجر إلى الصين

بقلم: هاني عوكل

الأحد ٠٦ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

حظيت‭ ‬زيارة‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر‭ ‬للصين،‭ ‬مؤخرا،‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الرئيس‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينج‭ ‬الذي‭ ‬تغزّل‭ ‬بهذه‭ ‬الصداقة‭ ‬القديمة‭ ‬باعتبار‭ ‬الأول‭ ‬عرّاب‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬منذ‭ ‬أوائل‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

كيسنجر‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬عمره‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬والذي‭ ‬زار‭ ‬بكين‭ ‬حوالي‭ ‬مائة‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬1971‭ ‬عام‭ ‬زيارته‭ ‬الأولى‭ ‬السرية‭ ‬لهذا‭ ‬البلد،‭ ‬التقى‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الصيني‭ ‬ووزير‭ ‬الدفاع‭ ‬لي‭ ‬شانج‭ ‬فو‭ ‬المدرج‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والممنوع‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الأخيرة‭ ‬بسبب‭ ‬موافقته‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬أسلحة‭ ‬روسية‭ ‬متطورة‭.‬

أن‭ ‬يلتقي‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأميركي‭ ‬الأسبق‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الصينيين‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬تعتبر‭ ‬شخصية‭ ‬ولا‭ ‬تحمل‭ ‬الطابع‭ ‬الرسمي،‭ ‬فثمة‭ ‬دلالات‭ ‬على‭ ‬دوافعها‭ ‬ومضامينها‭ ‬وتوقيتها‭ ‬والرسائل‭ ‬المتبادلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الطرفين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والصيني‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬كيسنجر‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬ألقاباً‭ ‬رسمية‭ ‬ولم‭ ‬يُدفع‭ ‬في‭ ‬العلن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬مؤسسة‭ ‬أمريكية‭ ‬رسمية‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الصين،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬وضع‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الاجتهاد‭ ‬الشخصي‭ ‬لإذابة‭ ‬كتلة‭ ‬الثلج‭ ‬الكبيرة‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين،‭ ‬سوى‭ ‬الجزم‭ ‬بأنه‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬أخضر‭ ‬أمريكي‭ ‬رسمي‭ ‬ومن‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة‭ ‬لفهم‭ ‬ممكنات‭ ‬احتواء‭ ‬الصين‭ ‬أمريكياً‭.‬

قبل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أسبوعين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة،‭ ‬زارت‭ ‬وزيرة‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬جانيت‭ ‬يلين‭ ‬الصين،‭ ‬وقبلها‭ ‬بأسبوعين‭ ‬تقريباً،‭ ‬زار‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬أنتوني‭ ‬بلينكن‭ ‬نفس‭ ‬البلد‭ ‬والتقى‭ ‬نظيره‭ ‬الصيني،‭ ‬وتناقلت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أسباب‭ ‬ودوافع‭ ‬الزيارتين‭ ‬واعتبرتها‭ ‬محاولة‭ ‬أمريكية‭ ‬لترطيب‭ ‬الأجواء‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬بكين،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬أي‭ ‬مكاسب‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬مناسبة‭ ‬لالتقاط‭ ‬الصور‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭.‬

كذلك‭ ‬تزامنت‭ ‬زيارة‭ ‬كيسنجر‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬المبعوث‭ ‬الأمريكي‭ ‬للتغير‭ ‬المناخي‭ ‬جون‭ ‬كيري‭ ‬إلى‭ ‬بكين‭ ‬ولقائه‭ ‬مسؤولين‭ ‬صينيين‭ ‬بهدف‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬أكبر‭ ‬اقتصادين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وأكبر‭ ‬المتسببين‭ ‬في‭ ‬انبعاثات‭ ‬الغازات‭ ‬المسببة‭ ‬للاحتباس‭ ‬الحراري‭.‬

ربما‭ ‬تحتاج‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬العيار‭ ‬الثقيل‭ ‬بمستوى‭ ‬كيسنجر‭ ‬ويحظى‭ ‬باحترام‭ ‬الصينيين‭ ‬لهذه‭ ‬الزيارة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬قنوات‭ ‬التواصل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والعسكري‭ ‬مقطوعة‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬إجابات‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬الصين‭.‬

كيسنجر‭ ‬حمل‭ ‬معه‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬الصيني‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬إذ‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬اعتبر‭ ‬الرئيس‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينج‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬وواشنطن‭ ‬على‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭ ‬وأن‭ ‬العالم‭ ‬يشهد‭ ‬تحولات‭ ‬كبيرة‭ ‬ويحق‭ ‬لكل‭ ‬طرف‭ ‬اختيار‭ ‬ماهية‭ ‬سلوكه‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الدولي،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬رحّب‭ ‬بفكرة‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬والتعاون‭ ‬البيني‭.‬

أما‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الصيني‭ ‬وانج‭ ‬يي‭ ‬فقد‭ ‬بدا‭ ‬واضحاً‭ ‬إزاء‭ ‬مسألة‭ ‬انتهاء‭ ‬عصر‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الدول،‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬بصراحة‭ ‬لكيسنجر،‭ ‬إن‭ ‬محاولة‭ ‬تغيير‭ ‬الصين‭ ‬أمر‭ ‬مستحيل‭ ‬تماماً‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬احتواؤها‭ ‬وإخضاعها‭ ‬تحت‭ ‬المظلة‭ ‬الأمريكية‭.‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬زيارة‭ ‬كيسنجر‭ ‬هذه‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الزيارات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬محاولة‭ ‬تكتيكية‭ ‬لإبعاد‭ ‬بكين‭ ‬عن‭ ‬موسكو‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬شراء‭ ‬الأسلحة‭ ‬الروسية‭ ‬ومحاولة‭ ‬حصار‭ ‬الأخيرة‭ ‬وعزلها‭ ‬دولياً‭ ‬نحو‭ ‬كسب‭ ‬المعركة‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭.‬

كذلك‭ ‬قد‭ ‬تأتي‭ ‬الزيارة‭ ‬لتلميع‭ ‬صورة‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الأمريكي‭ ‬والرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬بقوة‭ ‬لإعادة‭ ‬انتخابه‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬المقبل،‭ ‬إذ‭ ‬تحاول‭ ‬واشنطن‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬معالجة‭ ‬التضخم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬معدلات‭ ‬قياسية‭ ‬بسبب‭ ‬مجموعة‭ ‬عوامل،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تأثير‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬‭ ‬وتصاعد‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬وزيادة‭ ‬التعريفات‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬الصينية‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

النتيجة‭ ‬أن‭ ‬زيارة‭ ‬كيسنجر‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مؤثرة‭ ‬على‭ ‬صانع‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬حسم‭ ‬أمره‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬باتجاه‭ ‬منع‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬التقنيات‭ ‬والخبرات‭ ‬والإمكانيات‭ ‬التي‭ ‬تجعلها‭ ‬في‭ ‬المقعد‭ ‬الأول،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬لاحتواء‭ ‬الصين‭ ‬هو‭ ‬شراء‭ ‬للوقت‭.‬

بالتأكيد،‭ ‬ستواصل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬تايوان‭ ‬بين‭ ‬الوقت‭ ‬والآخر‭ ‬لاختبار‭ ‬صبر‭ ‬الصين،‭ ‬وستزيد‭ ‬نشاطاتها‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي،‭ ‬وستتواصل‭ ‬حدة‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬وأشباه‭ ‬الموصلات‭.‬

ربما‭ ‬قد‭ ‬تهدأ‭ ‬موجة‭ ‬الغضب‭ ‬والتنافس‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما،‭ ‬لكن‭ ‬لن‭ ‬تتسامح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وتتقبل‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القوة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬للصين‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬حالياً‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭.‬

لن‭ ‬تغامر‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬بكين،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬ستخلق‭ ‬عدواً‭ ‬للأخيرة‭ ‬حتى‭ ‬تناطحه‭ ‬ويستنزف‭ ‬قواها،‭ ‬بينما‭ ‬تدير‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬وتراقب‭ ‬مآلاتها،‭ ‬وبحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬والدول‭ ‬المطلة‭ ‬ليست‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬صراع‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا