العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نحو تمكين وخلق الفرص لرواد الأعمال الشباب في القطاع العام

الثلاثاء ٠١ أغسطس ٢٠٢٣ - 21:49

مع‭ ‬استمرار‭ ‬تطور‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬الحديثة،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬دمج‭ ‬قيم‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬وتشجيع‭ ‬الابتكار‭ ‬محصوراً‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭. ‬تدرك‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬تعزيز‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬بين‭ ‬موظفي‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬لا‭ ‬يعزز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يزرع‭ ‬أيضاً‭ ‬ثقافة‭ ‬الابتكار‭ ‬داخل‭ ‬منظومة‭ ‬الحكومة‭ ‬نفسها‭. ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬الجوهري‭ ‬مهم‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬لتوفير‭ ‬الفرص‭ ‬للموظفين‭ ‬الشباب‭ ‬لبدء‭ ‬أعمالهم‭ ‬ورسم‭ ‬طريقهم‭ ‬نحو‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬والابتكار‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬سوف‭ ‬نستكشف‭ ‬أهمية‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬لدى‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬الحكومية‭ ‬ونتعمق‭ ‬في‭ ‬دراسات‭ ‬الحالة‭ ‬الناجحة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬النتائج‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭.‬

اكتسبت‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬الحكومية‭ ‬زخماً‭ ‬هائلاً‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مواءمة‭ ‬نفسها‭ ‬مع‭ ‬الاحتياجات‭ ‬المتغيرة‭ ‬لمجتمعاتنا‭. ‬وتدرك‭ ‬الحكومات،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬بأنظمتها‭ ‬البيروقراطية‭ ‬والتسلسل‭ ‬الهرمي،‭ ‬أهمية‭ ‬ضخ‭ ‬الطاقات‭ ‬ودفع‭ ‬عمليات‭ ‬الابتكار‭ ‬في‭ ‬منظوماتها،‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تشجيع‭ ‬الريادية‭ ‬بين‭ ‬الموظفين‭. ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬تحفز‭ ‬الحكومات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬ترسخ‭ ‬أيضاً‭ ‬سمعة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الإبداع‭ ‬وتبني‭ ‬التغيير‭. ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬مهم‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬المواهب‭ ‬الشابة‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬بالذين‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬مسارات‭ ‬وظيفية‭ ‬غير‭ ‬تقليدية‭. ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي‭ ‬اليوم،‭ ‬حيث‭ ‬تشكل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الاقتصادات‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬يستوجب‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬التكيف‭ ‬ودعم‭ ‬تطلعات‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬لقواها‭ ‬العاملة‭ ‬الشابة‭. ‬يمكن‭ ‬لذلك‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬بيئة‭ ‬تمكينية‭ ‬تدعم‭ ‬الموظفين‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬بدء‭ ‬أعمالهم‭ ‬التجارية‭ ‬الخاصة‭ ‬إلى‭ ‬ابتكارات‭ ‬رائدة،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬برامج‭ ‬التدريب‭ ‬وفرص‭ ‬الإرشاد‭ ‬والمساعدة‭ ‬المالية‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬الموارد‭. ‬يزعم‭ ‬العديد‭ ‬دون‭ ‬حجة‭ ‬علمية‭ ‬أو‭ ‬برهان‭ ‬اقتصادي‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والاقتصاد‭ ‬لأنها‭ ‬تجعل‭ ‬الموظفين‭ ‬الحكوميين‭ ‬يعطون‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬لأعمالهم‭ ‬التجارية‭ ‬ويهملون‭ ‬عملهم‭ ‬الحكومي،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تعطي‭ ‬أفضلية‭ ‬للقوى‭ ‬العاملة‭ ‬الحكومية‭ ‬بأن‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬وظيفتين‭ ‬ومصادر‭ ‬دخل‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحجة‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭ ‬وغير‭ ‬واقعية‭! ‬أولاً،‭ ‬لأن‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬المخاطرة‭ ‬وعدم‭ ‬اليقين،‭ ‬فيمكن‭ ‬للموظف‭ ‬الحكومي‭ ‬أن‭ ‬يخسر‭ ‬أمواله‭ ‬نتيجة‭ ‬الاستثمار‭ ‬السيئ‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الأعمال،‭ ‬وإن‭ ‬نجح‭ ‬الموظف‭ ‬الحكومي‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬التجاري،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬والنمو‭ ‬والدخل‭ ‬الضريبي‭ ‬للدولة‭ ‬وغيره‭. ‬وثانياً،‭ ‬يمكن‭ ‬للبعض‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬عملهم‭ ‬الحكومي‭ ‬وأعمالهم‭ ‬التجارية‭ ‬الأخرى،‭ ‬فالعاملون‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الحكومي‭ ‬غير‭ ‬متجانسين‭ ‬في‭ ‬الشخصيات‭ ‬والتصرفات‭ ‬والريادية،‭ ‬فيمكن‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬الأعمال‭ ‬ويكتفي‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬بعمله‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساعد‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬الأفراد‭ ‬أن‭ ‬يكسبوا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المهارات‭ ‬والخبرات‭ ‬الريادية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اكتسابها‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭. ‬

الريادية‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الحكومي‭ ‬ليست‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭. ‬

فقد‭ ‬أطلق‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬فكرة‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬البرامج‭ ‬التي‭ ‬تشجع‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬وتهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحفيز‭ ‬الإبداع‭ ‬بين‭ ‬موظفي‭ ‬القطاع‭ ‬الحكومي‭ ‬وإتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬لهم‭ ‬للتنافس‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬مقترحات‭ ‬فعالة‭ ‬لتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬الحكومي‭.‬

وفي‭ ‬إحدى‭ ‬المبادرات‭ ‬الإقليمية‭ - ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ - ‬يمكن‭ ‬لمواطني‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الحكومي‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬إجازة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬لبدء‭ ‬مشاريعهم‭ ‬التجارية‭ ‬الخاصة‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بوظائفهم‭ ‬الحكومية‭. ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬تشجيع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬رحلاتهم‭ ‬الريادية‭ ‬طالما‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تضارب‭ ‬في‭ ‬المصالح‭ ‬بين‭ ‬الوظيفة‭ ‬الحكومية‭ ‬والعمل‭ ‬نفسه‭.  ‬وهناك‭ ‬مثال‭ ‬آخر‭ ‬جدير‭ ‬بالملاحظة‭ ‬من‭ ‬السويد،‭ ‬حيث‭ ‬تعاونت‭ ‬الحكومة‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الاستثماري‭ ‬لإنشاء‭ ‬برنامج‭ ‬فريد‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬ريادة‭ ‬أعمال‭ ‬القطاع‭ ‬العام‮»‬‭. ‬تشجع‭ ‬المبادرة‭ ‬الموظفين‭ ‬العموميين‭ ‬لأخذ‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬إجازة‭ ‬لفتح‭ ‬أعمالهم‭ ‬التجارية‭ ‬والبدء‭ ‬في‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬مع‭ ‬مواصلة‭ ‬خدمتهم‭ ‬الحكومية‭.  ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الاستثماري،‭ ‬تمكن‭ ‬الحكومة‭ ‬السويدية‭ ‬الموظفين‭ ‬الشباب‭ ‬بالدعم‭ ‬المالي‭ ‬اللازم‭ ‬والتوجيه‭ ‬لتحويل‭ ‬أفكارهم‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬مزدهرة‭. ‬وقد‭ ‬أثار‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الابتكار‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام،‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬للأفراد‭ ‬ذوي‭ ‬التفكير‭ ‬الريادي‭ ‬بإحداث‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬عملهم‭ ‬الحكومي‭. ‬وإلى‭ ‬الآن،‭ ‬مازالت‭ ‬آثار‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬إيجابية‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والاقتصاد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الإمارات‭ ‬والسويد‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬سمحت‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬الريادية‭ ‬والابتكار‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬المنظومة‭ ‬الحكومية‭. ‬عندما‭ ‬تستثمر‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬أفكار‭ ‬وطموحات‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬موظفيها‭ ‬الشباب،‭ ‬فإن‭ ‬الفوائد‭ ‬تتجاوز‭ ‬قصص‭ ‬النجاح‭ ‬الفردية‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬وتحويل‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬أكثر‭ ‬ديناميكية‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬مزدهر‭.  ‬ففي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬تمكين‭ ‬وتشجيع‭ ‬ريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬داخل‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬الحكومية‭ ‬يعتبر‭ ‬بمثابة‭ ‬حافز‭ ‬للتنمية‭ ‬المجتمعية‭ ‬والتحديث‭ ‬والتقدم‭. ‬لذلك،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬ألا‭ ‬تخجل‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬الموظفين‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬مساعيهم‭ ‬الريادية،‭ ‬لأن‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬سيفتح‭ ‬إمكانات‭ ‬غير‭ ‬مستكشفة،‭ ‬ويولد‭ ‬حلولاً‭ ‬مبتكرة،‭ ‬ويخلق‭ ‬فرصاً‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬للنمو‭ ‬الاقتصادي‭. ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬رعاية‭ ‬وتمكين‭ ‬روح‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام،‭ ‬يمكن‭ ‬للحكومات‭ ‬إظهار‭ ‬التزامها‭ ‬بتبني‭ ‬التغيير،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الابتكار،‭ ‬وتأمين‭ ‬مستقبل‭ ‬مشرق‭ ‬لمواطنيها‭.‬

 

{مركز‭ ‬البحرين‭ ‬للدراسات‭ ‬

الاستراتيجية‭ ‬والدولية‭ ‬والطاقة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا