العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

رؤية أخرى للسياسة الخارجية الأمريكية

بقلم: د. جيمس زغبي

الثلاثاء ٢٥ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

سافرت‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬شيكاغو‭ ‬لحضور‭ ‬لقاء‭ ‬لم‭ ‬شمل‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬حملتي‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬الرئاسية‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1984‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1988‭. ‬لقد‭ ‬دعيت‭ ‬للتحدث‭ ‬عن‭ ‬المساهمات‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬القس‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬في‭ ‬مناقشات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭.‬

لعل‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬مختلفًا‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فقط‭ ‬مرشحًا‭ ‬أسود‭ ‬للانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬الماضي،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬ودور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭. ‬

نشأ‭ ‬جاكسون‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬تغير‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الأمريكيين‭ ‬السود‭. ‬أدت‭ ‬المظاهرات‭ ‬الجماهيرية‭ ‬والتنظيم‭ ‬السياسي‭ ‬لحركة‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬تشريعات‭ ‬تعزز‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية،‭ ‬والإسكان‭ ‬المفتوح،‭ ‬وحقوق‭ ‬التصويت،‭ ‬وسعت‭ ‬حملات‭ ‬جاكسون‭ ‬إلى‭ ‬البناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النجاحات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬الناخبين‭ ‬وتعبئتهم‭ ‬للمشاركة‭ ‬السياسية‭.‬

كان‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1984‭ - ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬الناخبين‭ ‬السود‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬والمدن‭ ‬الشمالية‭ - ‬وضع‭ ‬الأساس‭ ‬لتعزيز‭ ‬آفاق‭ ‬المرشحين‭ ‬السياسيين‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬

في‭ ‬غضون‭ ‬بضع‭ ‬سنوات،‭ ‬أثمر‭ ‬عمله‭ ‬مع‭ ‬المرشحين‭ ‬السود‭ ‬الذين‭ ‬فازوا‭ ‬في‭ ‬سباقات‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬ونيوجيرسي‭ ‬وأوهايو‭ ‬وفيرجينيا،‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬فوز‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬بستة‭ ‬مقاعد‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬الجنوبية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬سيطرة‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1987‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬النجاحات‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بسبب‭ ‬زيادة‭ ‬إقبال‭ ‬الناخبين‭ ‬السود‭.‬

كان‭ ‬دور‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬مناقشات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬له‭ ‬نفس‭ ‬الأهمية‭. ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬يجب‭ ‬فهم‭ ‬أهمية‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬عصره‭.‬

ساعدت‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬تفكير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬السود‭. ‬فقد‭ ‬أودت‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭ ‬بحياة‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬السود‭ ‬الفقراء،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬أقل‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تأجيل‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬البيض‭ ‬الأكثر‭ ‬ثراءً‭.‬

لقد‭ ‬أدت‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬الدامية‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬الانتباه‭ ‬السياسي‭ ‬كما‭ ‬استنزفت‭ ‬الموارد‭ ‬المخصصة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬برامج‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفقر‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬الحركة‭ ‬على‭ ‬تحقيقها‭. ‬اتسمت‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬أيضًا‭ ‬بنضالات‭ ‬‮«‬التحرير‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬المناهضة‭ ‬للاستعمار‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وآسيا‭ ‬وظهور‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭.‬

أثرت‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬تفكير‭ ‬الناشطين‭ ‬والمثقفين‭ ‬السود‭ ‬الشباب،‭ ‬الذين‭ ‬ربطوا‭ ‬نضالهم‭ ‬ضد‭ ‬القمع‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والحركات‭ ‬المناهضة‭ ‬للإمبريالية‭ ‬التي‭ ‬تناضل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬لقد‭ ‬استيقظ‭ ‬وعي‭ ‬العالم،‭ ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نشأة‭ ‬حركة‭ ‬هوية‭ ‬ثقافية‭ ‬جديدة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬احتضان‭ ‬الجذور‭ ‬والتراث‭ ‬الإفريقي‭.‬

ظل‭ ‬بعض‭ ‬القادة‭ ‬السود‭ ‬يركزون‭ ‬بشكل‭ ‬ضيق‭ ‬على‭ ‬مخاوف‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬المحلية،‭ ‬فيما‭ ‬ركز‭ ‬آخرون‭ ‬على‭ ‬النزعة‭ ‬القومية‭ ‬الثقافية‭ ‬والتماهي‭ ‬مع‭ ‬النضالات‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭.‬

‮ ‬اتخذ‭ ‬جاكسون‭ ‬مسارًا‭ ‬مختلفًا،‭ ‬سعياً‭ ‬وراء‭ ‬تغيير‭ ‬الثقافة‭ ‬السياسية‭ ‬للأمة‭. ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬بشكل‭ ‬فريد‭ ‬بدمج‭ ‬مسارين‭ ‬معا‭: ‬إدخال‭ ‬وعي‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السائد‭ ‬وربطه‭ ‬بمخاوف‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬المنزل‭.‬

بعد‭ ‬عقد‭ ‬ونصف‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬انتقاد‭ ‬الدكتور‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينغ‭ ‬لحرب‭ ‬فيتنام،‭ ‬التقى‭ ‬جاكسون‭ ‬وقادة‭ ‬مؤتمر‭ ‬القيادة‭ ‬المسيحية‭ ‬الجنوبية‭ ‬بزعيم‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وشجبوا‭ ‬سياسة‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬الحديث‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬مع‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

لقد‭ ‬تحدثوا‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الوازع‭ ‬الأخلاقي‭ ‬ضد‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬والتمييز‭ ‬ضد‭ ‬الكاثوليك‭ ‬في‭ ‬أيرلندا‭ ‬الشمالية،‭ ‬ودعم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للأنظمة‭ ‬العسكرية‭ ‬القمعية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭.‬

لقد‭ ‬ذهب‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬ربط‭ ‬الأولويات‭ ‬الخاطئة‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالاحتياجات‭ ‬المحلية‭ ‬المهملة‭ ‬والتغيرات‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬حصروا‭ ‬مناقشات‭ ‬سياستهم‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ (‬السيئ‭)‬،‭ ‬وإيران‭ (‬السيئة‭)‬،‭ ‬وحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬الجيد‭)‬،‭ ‬وإسرائيل‭ (‬الجيدة‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬حذوا‭ ‬حذو‭ ‬الجمهوريين‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬النفقات‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬فإن‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬تجاه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هي‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬الخاصة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬

سافر‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وطاف‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وإفريقيا‭ - ‬متحديًا‭ ‬الأعراف‭ ‬المقبولة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬السلام،‭ ‬والتفاوض‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬السجناء،‭ ‬وتعزيز‭ ‬النوايا‭ ‬الحسنة‭.‬

لقد‭ ‬فهم‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬لا‭ ‬تضمنه‭ ‬القنابل‭ ‬مهما‭ ‬كبر‭ ‬حجمها،‭ ‬بل‭ ‬يضمنه‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تخفيف‭ ‬الظلم‭ ‬والحرمان‭. ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬أو‭ ‬الكويت‭ ‬أو‭ ‬القدس‭ ‬أو‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬شيكاغو‭ ‬أو‭ ‬أبالاتشيا‭.‬

وفي‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬مزدهرين،‭ ‬ولا‭ ‬يتحدثون‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬دعا‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬جديدة‭ ‬تعترف‭ ‬بإنسانية‭ ‬واحتياجات‭ ‬الجميع‭.‬

وقد‭ ‬طور‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬مبادئ‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ووضع‭ ‬حدا‭ ‬للمعايير‭ ‬المزدوجة،‭ ‬ودعم‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬للشعوب‭ ‬المضطهدة‭ ‬والمستعمرة،‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبشرية‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬أعماله،‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬أبدًا‭ ‬أي‭ ‬نبرة‭ ‬مرارة‭ ‬أو‭ ‬غضب‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬قدم‭ ‬التزامًا‭ ‬مبدئيًا‭ ‬بالعدالة‭ ‬والسلام‭. ‬قدم‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والوعي‭ ‬العالمي‭ -‬ولا‭ ‬يزال‭- ‬يجعل‭  ‬مساهمة‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭.‬

{ رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا