العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هذا هو الإسلام

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٢ يوليو ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬أواخر‭ ‬ما‭ ‬نزل‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬‭..‬اليوم‭ ‬أكملت‭ ‬لكم‭ ‬دينكم‭ ‬وأتممت‭ ‬عليكم‭ ‬نعمتي‭ ‬ورضيت‭ ‬لكم‭ ‬الإسلام‭ ‬دينا‭..‬‮»‬‭. (‬المائدة‭ -‬3‭).‬

هذه‭ ‬الآية‭ ‬الجليلة،‭ ‬والبيان‭ ‬الرائع‭ ‬المعجز‭ ‬تقرر‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬تشوبها‭ ‬شائبة‭ ‬بأن‭ ‬الإسلام‭ ‬قد‭ ‬كمل،‭ ‬وأن‭ ‬النعمة‭ ‬قد‭ ‬تمت،‭ ‬وعلى‭ ‬المسلمين‭ ‬واجب‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬العظيم‭ ‬بكماله‭ ‬في‭ ‬تشريعاته،‭ ‬وبتمام‭ ‬نعمه‭ ‬على‭ ‬العباد،‭ ‬والآيات‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام،‭ ‬هي‭ ‬آيات‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬حديث‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬الشريعة‭ ‬التي‭ ‬اختص‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بها‭ ‬نبيه‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬بل‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وهي‭ ‬قضية‭ ‬العقيدة‭ ‬الإلهية‭.‬

إذًا،‭ ‬فالحديث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬العقيدة،‭ ‬وليس‭ ‬الإسلام‭ ‬الشريعة‭ ‬التي‭ ‬يختلف‭ ‬حولها‭ ‬الأنبياء،‭ ‬فلكل‭ ‬رسول‭ ‬شريعة‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬شرائع‭ ‬الرسل‭ ‬الآخرين‭ ‬لكنهم‭ ‬يشتركون‭ ‬في‭ ‬عقيدة‭ ‬واحدة،‭ ‬هي‭ ‬عقيدة‭ ‬التوحيد‭ ‬التي‭ ‬يجتمع‭ ‬حولها‭ ‬جميع‭ ‬الأنبياء‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬قول‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الدين‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬الإسلام‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭ ‬‭ ‬19‭). ‬مقصود‭ ‬به‭ ‬عقيدة‭ ‬التوحيد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قول‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬فمن‭ ‬يرد‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يهديه‭ ‬يشرح‭ ‬صدره‭ ‬للإسلام‭ ‬ومن‭ ‬يرد‭ ‬أن‭ ‬يضله‭ ‬يجعل‭ ‬صدره‭ ‬ضيقًا‭ ‬حرجًا‭ ‬كأنما‭ ‬يَصَّعَّدُ‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬كذلك‭ ‬يجعل‭ ‬الله‭ ‬الرجس‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‮»‬‭ (‬الأنعام‭ ‬‭ ‬125‭).‬

المقصود‭ ‬بالإسلام‭ ‬هنا‭: ‬هو‭ ‬العقيدة‭ ‬الخالصة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬الإيمان‭ ‬والاطمئنان‭.‬

أيضًا،‭ ‬فقول‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬ومن‭ ‬يبتغ‭ ‬غير‭ ‬الإسلام‭ ‬دينًا‭ ‬فلن‭ ‬يقبل‭ ‬منه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭ ‬من‭ ‬الخاسرين‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭- ‬85‭).‬

الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬واضحة‭ ‬بأن‭ ‬الإسلام‭ ‬المقصود‭ ‬هنا‭ ‬هو‭: ‬إسلام‭ ‬العقيدة‭ ‬لا‭ ‬الشعائر،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬عقيدة‭ ‬الرسل‭ ‬والأنبياء‭ ‬جميعًا،‭ ‬أما‭ ‬الشرائع‭ ‬فلكل‭ ‬رسول‭ ‬شريعة‭ ‬مأمور‭ ‬بإبلاغها‭ ‬إلى‭ ‬قومه،‭ ‬وسوف‭ ‬يُسأل‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬هذه‭ ‬الأمانة‭.‬

ومن‭ ‬كرامة‭ ‬أمة‭ ‬الإسلام‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬اختار‭ ‬الإسلام‭ ‬عنوانًا‭ ‬للرسالة‭ ‬التي‭ ‬أنزلها‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬على‭ ‬رسوله‭ ‬وخاتم‭ ‬أنبيائه‭ ‬محمد‭(‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬فجمع‭ ‬لهم‭ ‬إسلام‭ ‬العقيدة،‭ ‬وإسلام‭ ‬الشريعة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وجاهدوا‭ ‬في‭ ‬الله‭ ‬حق‭ ‬جهاده‭ ‬هو‭ ‬اجتباكم‭ ‬وما‭ ‬جعل‭ ‬عليكم‭ ‬من‭ ‬حرج‭ ‬ملة‭ ‬أبيكم‭ ‬هو‭ ‬سماكم‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬ليكون‭ ‬الرسول‭ ‬شهيدًا‭ ‬عليكم‭ ‬وتكونوا‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬الناس‭..‬‮»‬‭ (‬الحج‭ ‬‭ ‬78‭).‬

لقد‭ ‬انفردت‭ ‬الرسالة‭ ‬الإسلامية‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الرسالات‭ ‬التي‭ ‬نزلت‭ ‬على‭ ‬الرسل‭ ‬السابقين‭ ‬كاليهودية،‭ ‬والنصرانية،‭ ‬وبقي‭ ‬الإسلام‭ ‬وصفًا‭ ‬للاسم‭ ‬الدال‭ ‬على‭ ‬رسالة‭ ‬التوحيد‭.‬

ويبقى‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬للإيمان‭ ‬والاطمئنان،‭ ‬فالمسلم‭ ‬إذا‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬خاليًا‭ ‬فاضت‭ ‬عيناه‭ ‬من‭ ‬الدموع،‭ ‬ألم‭ ‬يقل‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬وتطمئن‭ ‬قلوبهم‭ ‬بذكر‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬بذكر‭ ‬الله‭ ‬تطمئن‭ ‬القلوب‮»‬‭ (‬الرعد‭ - ‬28‭).‬

وذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬يقتضي‭ ‬استحضار‭ ‬أسماء‭ ‬الله‭ ‬وصفاته‭ ‬حتى‭ ‬يوافق‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬أسمائه،‭ ‬أو‭ ‬صفة‭ ‬من‭ ‬صفاته‭ ‬ما‭ ‬يلائم‭ ‬حال‭ ‬الداعي‭ ‬فتتحقق‭ ‬الاستجابة،‭ ‬وتحصل‭ ‬البركة‭ ‬بذكر‭ ‬الأسماء‭ ‬والصفات،‭ ‬ويبقى‭ ‬لسان‭ ‬العبد‭ ‬رطبًا‭ ‬بذكر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وقت‭ ‬وأوان‭. ‬ألم‭ ‬يقل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬القدسي‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬يقول‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭: ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬آدم،‭ ‬مرضت‭ ‬فلم‭ ‬تعدني‭ ‬قال‭: ‬يا‭ ‬رب‭ ‬كيف‭ ‬أعودك‭ ‬وأنت‭ ‬رب‭ ‬العالمين؟‭! ‬قال‭ ‬أما‭ ‬علمت‭ ‬أن‭ ‬عبدي‭ ‬فلانًا‭ ‬مرض‭ ‬فلم‭ ‬تعده؟‭ ‬أما‭ ‬علمت‭ ‬أنك‭ ‬لو‭ ‬عدته‭ ‬لوجدتني‭ ‬عنده‮»‬‭ ‬صحيح‭ ‬مسلم‭.‬

إذًا،‭ ‬بالمعية‭ ‬الإلهية‭ ‬تتحقق‭ ‬للعبد‭ ‬حين‭ ‬يعود‭ ‬المسلم‭ ‬أخاه‭ ‬المريض،‭ ‬ويأنس‭ ‬بصحبة‭ ‬مولاه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

إذًا،‭ ‬فاحرص‭ ‬عزيزي‭ ‬المسلم‭ ‬على‭ ‬عيادة‭ ‬المرضى،‭ ‬والسؤال‭ ‬عن‭ ‬أحوالهم،‭ ‬وأنك‭ ‬إذا‭ ‬زرت‭ ‬أخاك‭ ‬في‭ ‬مرضه،‭ ‬أو‭ ‬هنأته‭ ‬في‭ ‬فرحه،‭ ‬أو‭ ‬واسيته‭ ‬في‭ ‬حزنه‭ ‬ومصابه‭ ‬فإنك‭ ‬بذلك‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬صحبة‭ ‬مولاك‭ ‬سبحانك،‭ ‬فلا‭ ‬تفوت‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة،‭ ‬واحرص‭ ‬عليها‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬كما‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تحب‭ ‬وتهوى،‭ ‬وليكن‭ ‬شعارك‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تنفك‭ ‬عنه‭ ‬ولا‭ ‬ينفك‭ ‬عنك‭: ‬‮«‬عامل‭ ‬الناس‭ ‬بما‭ ‬تحب‭ ‬أن‭ ‬يعاملوك‭ ‬به‮»‬‭.‬

وليكن‭ ‬شعارك‭ ‬أيضًا‭ ‬قول‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬وما‭ ‬تقدموا‭ ‬لأنفسكم‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬تجدوه‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬بما‭ ‬تعملون‭ ‬بصير‮»‬‭ (‬البقرة‭ - ‬110‭).‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬عقيدة‭.. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬شريعة‭.. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬أخلاقًا‭.. ‬فمن‭ ‬أراد‭ ‬الإسلام‭ ‬عقيدة،‭ ‬فسيجده‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬قل‭ ‬هو‭ ‬الله‭ ‬أحد‭(‬1‭) ‬الله‭ ‬الصمد‭(‬2‭) ‬لم‭ ‬يلد‭ ‬ولم‭ ‬يولد‭(‬3‭) ‬ولَم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬كفوًا‭ ‬أحد‭(‬4‭)‬‮»‬‭ ‬الإخلاص‭.‬

ومن‭ ‬أراد‭ ‬الإسلام‭ ‬أخلاقًا،‭ ‬فسيجده‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وإنك‭ ‬لعلى‭ ‬خلق‭ ‬عظيم‮»‬‭ (‬ن‭ - ‬4‭).‬

وأما‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬الإسلام‭ ‬عملًا‭ ‬صالحًا،‭ ‬فًسيجده‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬لم‭ ‬تقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تفعلون‭(‬2‭) ‬كبر‭ ‬مقتًا‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬تقولوا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تفعلون‭(‬3‭) ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحب‭ ‬الذين‭ ‬يقاتلون‭ ‬في‭ ‬سبيله‭ ‬صفًا‭ ‬كأنهم‭ ‬بنيان‭ ‬مرصوص‭(‬4‭)‬‮»‬‭ (‬الصف‭).‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا