العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قراءة في اتجاهات التفكير الاستراتيجـي للـجـيـش الإسرائيلي

بقلم: د. عدنان أبو عامر

السبت ١٧ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬ومنذ‭ ‬تعيينه‭ ‬قائدًا‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال،‭ ‬أدلى‭ ‬بتصريحات‭ ‬علنية‭ ‬الجنرال‭ ‬هآرتسي‭ ‬هاليفي‭ ‬تولى‭ ‬رئاسة‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬ليصبح‭ ‬القائد‭ ‬الـ23‭ ‬للجيش‭ ‬الصهيوني‭ ‬ويحل‭ ‬محل‭ ‬رئيس‭ ‬الأركان‭ ‬المنتهية‭ ‬ولايته‭ ‬أفيف‭ ‬كوخافي،‭ ‬الذي‭ ‬أنهى‭ ‬ولاية‭ ‬استمرت‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬قاد‭ ‬خلالها‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬المتزايد‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

الجنرال‭ ‬هليفي‭ ‬شغل‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬منصب‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وهو‭ ‬منصب‭ ‬محوري‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬القمة،‭ ‬تولى‭ ‬زمام‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تواجه‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل‭ ‬تصاعدا‭ ‬للعنف‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ومجموعة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬على‭ ‬حدودها‭ ‬مع‭ ‬غزة‭ ‬ولبنان،‭ ‬وحملة‭ ‬آخذة‭ ‬بالتطور‭ ‬ضد‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

وقد‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬خطته‭ ‬متعددة‭ ‬السنوات،‭ ‬وعبّر‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬رؤيته‭ ‬وفلسفته‭ ‬إزاء‭ ‬الجيش،‭ ‬والبيئة‭ ‬التهديدية‭ ‬والفرص‭ ‬والعراقيل‭ ‬المستقبلية‭ ‬أمامه،‭ ‬دون‭ ‬إعلان‭ ‬اسمها‭ ‬بعد،‭ ‬ربما‭ ‬لعدم‭ ‬اكتمال‭ ‬محاورها‭.‬

هليفي‮ ‬شغل‭ ‬منصب‭ ‬رئيس الاستخبارات‭ ‬العسكرية‭ (‬آمان‭)‬‮ ‬منذ‭ ‬سبتمبر‮ ‬2014‭ ‬كما‭ ‬شغل‭ ‬منصب‭ ‬قائد‭ ‬الكلية‭ ‬الدولية‭ ‬للقيادة‭ ‬والأركان‭ ‬الذراع،‭ ‬وقائد‭ ‬فرقة‭ ‬الجليل‭ ‬العسكرية،‭ ‬وعمل‭ ‬قائدا‭ ‬للواء‭ ‬المظليين‭.‬

اعتبر‭ ‬هليفي‭ ‬الخطة‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬عليها‭ ‬تكميلية،‭ ‬ويمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بأنها‭ ‬طابق‭ ‬ثالث‭ ‬لخطة‭ ‬‮«‬جدعون‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أعدها‭ ‬القائد‭ ‬الأسبق‭ ‬للجيش‭ ‬جادي‭ ‬آيزنكوت،‭ ‬وخطة‭ ‬القائد‭ ‬السابق‭ ‬أفيف‭ ‬كوخافي‭ ‬المسماة‭ ‬‮«‬تنوفا‮»‬،‭ ‬وترتكز‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬مفاهيم‭: ‬المعرفة،‭ ‬الدقة،‭ ‬القوة،‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية،‭ ‬الجغرافيا‭ ‬المعقدة،‭ ‬والمرونة‭.‬

مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬هاليفي،‭ ‬وهو‭ ‬يذكر‭ ‬أهم‭ ‬معالم‭ ‬خطته‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬بمؤتمر‭ ‬هرتسليا،‭ ‬ذكر‭ ‬أنها‭ ‬تتبلور‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مجالات‭ ‬رئيسية،‭ ‬هي‭: ‬بناء‭ ‬الجيش،‭ ‬إيران‭ ‬والحرب‭ ‬متعددة‭ ‬الجبهات،‭ ‬المناورة‭ ‬الحديثة،‭ ‬الحدود‭ ‬الآمنة،‭ ‬الثقافة‭ ‬والمسؤولية‭ ‬والمبادرة‭ ‬للجندي‭ ‬في‭ ‬الميدان‭.‬

بدا‭ ‬لافتًا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أعلنه‭ ‬هاليفي‭ ‬لم‭ ‬يحز‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬فيها،‭ ‬ويكشف‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬ربما‭ ‬رغبة‭ ‬بالانتظار‭ ‬لتجهيزها‭ ‬بصورة‭ ‬كاملة،‭ ‬أو‭ ‬يجري‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بمسودتها‭ ‬الأساسية‭ ‬بصورة‭ ‬سرية‭ ‬لدى‭ ‬دائرة‭ ‬الأبحاث‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭.‬

يتزامن‭ ‬حديث‭ ‬هاليفي‭ ‬عن‭ ‬محاور‭ ‬خطة‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يواجه‭ ‬فيه‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬المحيطة‭ ‬بالدولة‭ ‬العبرية،‭ ‬ويتوقع‭ ‬نشوب‭ ‬أي‭ ‬مواجهة‭ ‬على‭ ‬الجبهات‭ ‬القتالية‭ ‬المرشحة‭: ‬الشمالية‭ ‬والجنوبية‭ ‬والبعيدة‭.‬

يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬بصورة‭ ‬أولية‭ ‬إن‭ ‬المحاور‭ ‬تكشف‭ ‬ضمنًا‭ ‬عن‭ ‬إستراتيجية‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭  ‬فيما‭ ‬ينوي‭ ‬فعله‭ ‬في‭ ‬الأوضاع‭ ‬العادية‭ ‬والطوارئ‭ ‬والحروب،‭ ‬واعتبارها‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬السلوك‭ ‬الأمني‭ ‬العسكري‭ ‬المرتقب‭ ‬للدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬فلعلّ‭ ‬هاليفي‭ ‬أراد‭ ‬من‭ ‬تسريب‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬محاور‭ ‬خطته‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬مخاطبة‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬والإيضاح‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تطلب‭ ‬فعله‭ ‬من‭ ‬الجيش،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نوفره‭ ‬أو‭ ‬نحققه،‭ ‬لكن‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬ومجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الكابينيت،‭ ‬أن‭ ‬يحددا‭ ‬للجيش‭ ‬بدقة‭ ‬أهداف‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وتحت‭ ‬أي‭ ‬قيود‭ ‬يعملون،‭ ‬وأي‭ ‬ضغوط‭ ‬توضع‭ ‬عليهم‭ ‬عندما‭ ‬يعملون،‭ ‬وما‭ ‬النتائج‭ ‬المطلوبة‭.‬

لا‭ ‬يختلف‭ ‬اثنان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المحاور‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬هاليفي‭ ‬أخذت‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬دروس‭ ‬الحروب‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بين‭ ‬أعوام‭ ‬2008‭-‬2023،‭ ‬إذ‭ ‬برزت‭ ‬فيها‭ ‬أخطاء‭ ‬نبعت‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬فهم‭ ‬الأوامر‭ ‬بتحديد‭ ‬أهداف‭ ‬الحرب،‭ ‬وتعريف‭ ‬الحسم‭ ‬والانتصار،‭ ‬ولماذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يطمح،‭ ‬وما‭ ‬حدود‭ ‬تقسيم‭ ‬الوظائف‭ ‬بين‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭.‬

يمكن‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬المحاور‭ ‬الأولية‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬هاليفي‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬الأمني‭ ‬المصغر‭ ‬والجمهور،‭ ‬وكذلك‭ ‬لقوى‭ ‬المقاومة‭ ‬ودول‭ ‬المواجهة‭ ‬بهدف‭ ‬ردعهم،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تعليمات‭ ‬ميدانية‭ ‬قتالية،‭ ‬وأقل‭ ‬من‭ ‬نظرية‭ ‬أمن‭ ‬قومي،‭ ‬لكنها‭ ‬تعد‭ ‬خطوة‭ ‬لافتة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬جديرة‭ ‬بالتأمل‭ ‬والدراسة‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا