العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

الثقافة المدنية الغائبة

الذي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وما‭ ‬يشهده‭ ‬من‭ ‬كارثة‭ ‬مأساوية‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬ستنتهي‭ ‬اليه،‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬عربيا‭.‬

أعنى‭ ‬تحديدا‭ ‬ان‭ ‬الكل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬ساسة‭ ‬ومثقفين‭ ‬وكتاب‭ ‬وباحثين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يناقشوا‭ ‬بتوسع‭ ‬مغزى‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬ويجري‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يعنيه‭ ‬عربيا‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬ليس‭ ‬شأنا‭ ‬سودانيا‭ ‬وحسب‭. ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬عربي‭ ‬عام‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬أن‭ ‬السودان‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬كبير‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬فيه‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬الكل،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬الأسباب‭ ‬والعوامل‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬اليه‭ ‬وما‭ ‬يكشف‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬سياسا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬وثقافيا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬عامة‭.‬

هذه‭ ‬قضية‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬موضع‭ ‬نقاش‭ ‬عميق‭ ‬وهادئ‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬عدة‭. ‬أول‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬ما‭ ‬تحدثنا‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الدموية‭ ‬بدعاوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحكم‭ ‬المدني‭ ‬التي‭ ‬يتشدق‭ ‬بها‭ ‬طرفا‭ ‬الحرب‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬قتل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لا‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬ولا‭ ‬العمل‭ ‬للوصول‭ ‬إليها‭ ‬كما‭ ‬يزعمون‭.‬

وليس‭ ‬لنا‭ ‬سوى‭ ‬ان‭ ‬نتأمل‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭.‬

الذي‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬ثار‭ ‬وأطاحت‭ ‬ثورته‭ ‬بالنظام‭ ‬السابق‭.. ‬نظام‭ ‬البشير‭. ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬حين‭ ‬نجحت‭ ‬ثورته‭ ‬كان‭ ‬أمله‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬ينهي‭ ‬عهد‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الاستبداد‭ ‬وحكم‭ ‬الفرد‭.. ‬كان‭ ‬أمله‭ ‬وهدفه‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي‭ ‬مدني‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬ادعت‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬المدنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬أنها‭ ‬تسعى‭ ‬اليه‭.‬

والذي‭ ‬حدث‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬سنوات‭ ‬عقدت‭ ‬مئات‭ ‬الاجتماعات‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬المدنية‭ ‬أو‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية،‭ ‬وتم‭ ‬التوصل‭ ‬الى‭ ‬عشرات‭ ‬الاتفاقات‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬انها‭ ‬كلها‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬تأسيس‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬يتلوها‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬وإقامة‭ ‬حكم‭ ‬مدني‭.‬

بالطبع‭ ‬لم‭ ‬ينفذ‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقات،‭ ‬وفي‭ ‬غضون‭ ‬ذلك‭ ‬وقع‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬الجميع‭ ‬الى‭ ‬مسلسل‭ ‬الاجتماعات‭ ‬والاتفاقات‭.‬

آخر‭ ‬الاتفاقات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬توحيد‭ ‬الجيش‭ ‬وانضمام‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬اليه،‭ ‬وأن‭ ‬الخلاف‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬يحدث‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬مدنية‭ ‬تتولى‭ ‬الاعداد‭ ‬للانتخابات‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬الآن‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬عقد‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬وغيره‭ ‬وترديد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬المدني‭ ‬والانتخابات،‭ ‬والنية‭ ‬مبيتة‭ ‬للانقلاب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذا‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬والحرب‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬كانا‭ ‬يعقدان‭ ‬الاتفاقات‭ ‬ويدليان‭ ‬بالتصريحات‭ ‬عن‭ ‬التوافق‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وهما‭ ‬لا‭ ‬يؤمنان‭ ‬بكل‭ ‬هذا،‭ ‬ويستعدّان‭ ‬كل‭ ‬على‭ ‬طريقته‭ ‬للانفراد‭ ‬بالسلطة‭ ‬وحشد‭ ‬قواتهما‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭.‬

‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭. ‬اندلعت‭ ‬الحرب‭ ‬اللعينة‭ ‬التي‭ ‬تدمّر‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭. ‬وأيا‭ ‬كانت‭ ‬النتيجة‭ ‬التي‭ ‬ستنتهي‭ ‬اليها‭ ‬الحرب،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬مجال‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬ديمقراطية‭ ‬أو‭ ‬حكم‭ ‬مدني‭ ‬او‭ ‬حكم‭ ‬رشيد‭. ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتطور‭ ‬الأمور‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أفظع‭.‬

القضية‭ ‬الكبرى‭ ‬هنا‭ ‬انه‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬حقيقة‭ ‬أساسية‭.. ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬المدنية‭ ‬غائبة‭. ‬ثقافة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والمشاركة‭ ‬وحتى‭ ‬الحوار‭ ‬والتعايش‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭ ‬غائبة‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭.‬

الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬حديث‭ ‬صاخب‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إيمان‭ ‬بالديمقراطية‭.‬

كان‭ ‬هناك‭ ‬حديث‭ ‬دائم‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬والحكم‭ ‬المدني‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬إيمان‭ ‬بالمدنية‭ ‬ولا‭ ‬بالدولة‭ ‬أصلا‭.‬

وهذه‭ ‬قضية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬كثيرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تثار‭ ‬وتناقش‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العربي‭ ‬العام‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا