أثارت إعادة انتخاب «دونالد ترامب»، رئيسًا للولايات المتحدة، بدءًا من يناير 2025، «جدلًا واسعًا»، بين خبراء الاقتصاد حول تداعياته العالمية، وكان أبرز هذه التداعيات الارتفاع السريع لقيمة الدولار الأمريكي. ووصف «ستيفن إنجلاندر»، من مصرف «ستاندرد تشارترد»، الرئيس العائد بـ«المحرك الكبير لسعر الدولار».
وفي أعقاب فوزه، سجل «جو رينيسون»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، كيف ارتفع سعر الدولار في اليوم التالي للانتخابات، «بأكبر قدر له منذ سنوات»، واستمر بالارتفاع عدة أيام تالية. ورأت «هيلين جيفن»، من «مونيكس يو إس إيه»، أن «إدارة ترامب»، تعني بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ «مزيدًا من الإنفاق، ودفعة اقتصادية، وحواجز إضافية للتجارة الدولية؛ وهي العوامل التي تمثل مجتمعة تعزيزًا للدولار». ومع احتمالية فرض «البيت الأبيض» –بدعم الجمهوريين في الكونجرس– تعريفات جمركية كبيرة على المنافسين الاقتصاديين؛ حذّر «ديفيد لوبين»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، من أن السياسات الاقتصادية لترامب قد تجعل الدولار الأمريكي «قويًا للغاية»، ما يجعله مصدرا لعدم الاستقرار العالمي.
ومع تسجيل صحيفة «نيويورك تايمز»، انخفاضات ملحوظة في قيمة العملات الرئيسية، مثل (اليورو، والين، والجنيه الإسترليني، والرنمينبي)، مقارنة بالدولار منذ إعلان فوز ترامب، وتحذير «لوبين»، من أن مستقبل الدولار، يمثل «موقفًا خاسرًا» للاقتصادات الأخرى، سواء الحليفة أو المناوئة لواشنطن؛ تبرز إحدى التبعات المحتملة لفوزه، في تسريع وتيرة إزالة الدولرة عالميًا، حيث تواجه هذه الاقتصادات الهيمنة المالية الأمريكية بشكل متزايد.
وعلى الرغم من الزخم المتزايد الذي اكتسبته جهود إزالة الدولرة الدولية في السنوات الأخيرة، ومناقشتها بشكل رئيسي في اجتماع مجموعة «البريكس» في أكتوبر 2024 – التي تمثل نحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و42% من الاحتياطيات الأجنبية – فقد أكد «سام بوكر»، و«ديفيد ويسل»، من مؤسسة «بروكينجز»، أن الدولار الأمريكي لا يزال «العملة المهيمنة عالميًا» في مجالات الاحتياطيات الأجنبية، والاقتراض، والمدفوعات، والتجارة.
وفي الوقت الذي أشار فيه «صندوق النقد الدولي»، إلى تراجع دور الدولار لصالح العملات غير التقليدية في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية؛ فقد أكد أيضًا أنه لا يزال «العملة الاحتياطية الأبرز» عالميًا. ووفقًا لـ«مجلس العلاقات الخارجية»، فقد استحوذ في عام 2023 على حوالي 60% من احتياطيات النقد الأجنبي، متفوقًا بفارق كبير على أقرب منافسيه، مثل اليورو (19.8%)، والين الياباني (5.5%)، والجنيه الإسترليني (4.9%)، والرنمينبي الصيني (2.6%). وأوضحت «دائرة أبحاث الكونجرس الأمريكي»، أن الدولار شارك في نحو 90% من جميع معاملات أسواق الصرف الأجنبي، حيث يُعتبر «ملاذًا آمنًا» للمستثمرين خلال الأزمات الاقتصادية العالمية.
من جانبه، أشار «لوبين»، إلى أن الدولار الأمريكي شهد انخفاضًا بنحو 30% بين عامي 2002 و2011، قبل أن يتعزز بشكل كبير في السنوات اللاحقة، بفعل الأزمة المالية التي عصفت بالاتحاد الأوروبي، وتباطؤ الاقتصاد الصيني، ليصل إلى «مستوى أعلى من أي وقت مضى منذ عام 1985». ووفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز»، فقدت معظم العملات الرئيسية قيمتها أمام الدولار خلال عام 2024، بما في ذلك تراجع الين الياباني بنسبة 9%، وانخفاض البيزو المكسيكي بأكثر من 17%.
ومع فوز «ترامب»، بولاية ثانية، وسيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ؛ توقع مصرف «جي بي مورجان»، أن يسجل مؤشر الدولار «ارتفاعًا إضافيًا»، بنسبة 7% في الأشهر المقبلة. ويرتبط هذا التوقع بالسياسات الاقتصادية التي يعتزم تنفيذها، وأبرزها تخفيض الضرائب المحلية، وزيادة التعريفات الجمركية على الواردات الأجنبية.
وعلى الرغم من تأكيد «لوبين»، أن ترامب أبدى تفضيلًا لسعر صرف أضعف لدعم تنافسية الصادرات الأمريكية، وتقليص العجز التجاري؛ فقد أشار «رينيسون»، إلى أن الاقتصاديين يرون أن سياساته التجارية والضريبية؛ ستؤدي إلى نتائج معاكسة، مما يعزز قوة الدولار مقارنة بمنافسيه.
وفي شرحه لهذا الأمر، أوضح «لوبين»، أن فرض «واشنطن»»، تعريفات جمركية على شريك تجاري، يؤدي عادةً إلى تراجع قيمة عملة ذلك الشريك في أسواق الصرف الأجنبي، مما يعوض جزئيًا تأثير ارتفاع الدولار الناتج عن تلك التعريفات. وعلى سبيل المثال، انخفض اليوان الصيني بنسبة 10%، بعد فرض إدارة ترامب الأولى، قيودًا تجارية على «بكين»، عام 2018. وفي المقابل، توقع محللو «بنك باركليز»، أن الدولار قد يصل إلى التكافؤ مع اليورو، إذا نفّذ ترامب تعهده بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60% على الواردات الصينية، و10% على جميع الواردات الأخرى.
وبالإضافة إلى سياسته التجارية، أشار إلى أن نوايا الرئيس الأمريكي القادم، بتمديد التخفيضات الضريبية بعد عام 2025، تشير إلى «تخفيف أكثر استدامة للسياسة المالية الأمريكية». وبما أن تعزيز الاقتصاد الأمريكي، من شأنه أن «يخلق ضغوطًا تضخمية»؛ فإن الأسواق المالية العالمية «تتوقع ارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات أعلى مما كانت عليه»، ما قد يؤدي إلى تعزيز قوة العملة الأمريكية. ومع تأكيده أن هناك «قدرا كبيرا من المساحة» للدولار «للاستمرار في الارتفاع»، في ظل ضعف الاقتصادات الصينية والأوروبية حاليًا؛ فقد حذر من «الخطر» المتمثل في أن يؤدي الدولار –المبالغ في قيمته بشكل واضح– إلى «عدم استقرار مالي عالمي»، من خلال تأثيره في «خفض نمو التجارة العالمية، وتقييد قدرة البلدان النامية على الوصول إلى الأسواق الدولية، وجعل من الصعب على البلدان التي ستضعف عملاتها إبقاء التضخم تحت السيطرة».
وفي ضوء هذا السيناريو، اعترف «رينيسون»، بأن البلدان الأخرى –بما في ذلك الاقتصادات المتقدمة في أوروبا وآسيا، والنامية في مجموعة البريكس– ستتخذ «إجراءات لمقاومة»، هيمنة الولايات المتحدة الاقتصادية المتزايدة. واستجابة لسياسات «ترامب»، التجارية خلال فترته الأولى بين (2017 و2021)؛ فرضت «الصين»، تعريفاتها الجمركية الخاصة على الصادرات إلى واشنطن، كما توقع أن تقوم «الصين»، و«اليابان»، بتقديم دعم مباشر لعملاتها، إذا فرضت الإدارة الأمريكية القادمة، ضغوطًا مالية إضافية.
وعلى الرغم من بقاء الدولار العملة المهيمنة على الاحتياطيات العالمية؛ فقد انخفضت نسبته من 70% في عام 2000، إلى 59% في عام 2024. وأشارت «كارولين دي جرويتر»، في مجلة «فورين بوليسي»، إلى أن إعادة انتخاب «ترامب»، والسياسات الحمائية المتوقعة، قد زادت من الحديث حول إزالة الدولرة، أو تقليص الاعتماد على الدولار؛ «لحماية سياسات الدول الأوروبية، وشركاتها من التجاوزات المتجددة من جانب «واشنطن». ورغم توضيحها، أن تعزيز «الدور الدولي»، لليورو، يتطلب «اتحاد أسواق رأس المال الأوروبية، وميزانية محددة لمنطقة اليورو، وإصدار المزيد من السندات الأوروبية» – وهي أمور «تتعارض مع نوايا» الحكومة الألمانية الحالية – فقد أكدت أن الأحداث الأخيرة «أعادت القضية بالتأكيد إلى الطاولة»، بالنسبة إلى صناع السياسات الأوروبيين.
ومع تسارع الجهود نحو تقليص الاعتماد على الدولار من قبل البلدان حول العالم؛ أشار «لوبين»، إلى أن «المخاطر الناشئة عن الدولار المبالغ في قيمته»، قد تصبح أكثر وضوحًا في «النصف الأخير من ولاية ترامب الثانية». ومع ذلك، خلص إلى أن أي إجراء من إدارته بهدف إضعاف الدولار، أو خفض قيمته – سواء من خلال فرض ضوابط على رأس المال، فيما يخص شراء الأصول الأمريكية من قبل الأجانب، أو التدخل في سياسات الاحتياطي الفيدرالي– «سيضر بمصداقية النظام المالي الأمريكي بشكل خطير»، فيما توقع عدم اهتمام ترامب كثيرًا، إذا أصبح الدولار مصدرًا لعدم الاستقرار المالي العالمي».
وأشار «رينيسون»، إلى أن الدولار الأمريكي الأقوى، «يجعل شراء السلع الأجنبية، والسفر إلى الخارج أرخص بالنسبة إلى الأمريكيين»، لكن الشركات الأمريكية المصدرة قد تصبح «أقل قدرة على المنافسة»، مقارنة بنظيراتها الأجنبية. وقال نائب الرئيس الأمريكي الحالي «جيه دي فانس»، أمام الكونجرس في عام 2023؛ إن دور الدولار كعملة احتياطية عالمية مفضلة، كان بمثابة دعم «للاستهلاك المتزايد للبلاد من الواردات غير المفيدة».
ومن هنا، قد تتجاوز نوايا إدارة «البيت الأبيض»، القادمة الرغبة في التأثير في التغييرات طويلة الأجل في وضع الدولار في التجارة الدولية، لتشمل أيضًا فرض تعريفات جمركية لحماية الشركات المصنعة الأمريكية المحلية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك