الهندسة الاجتماعية هي أحد أكثر الأساليب ابتكارا في عالم الاحتيال، وأكثرها خطورة على الأفراد والمؤسسات، ولا يتعلق الأمر هنا باختراق الأنظمة التقنية أو الحواسيب، بل يتعلق بخداع العقول البشرية، وهو ما يجعل هذا النوع من الهجوم أكثر فعالية وأقل وضوحًا، ففي عالم أصبح فيه كل شيء مرتبطا بالإنترنت، وحيث تزداد قيمة البيانات عامة والمعلومات الشخصية بالتحديد بشكل غير مسبوق، تصبح الهندسة الاجتماعية أسلوبا حيويا للتمكن من الحصول على تلك المعلومات من دون الحاجة إلى أي أدوات تقنية معقدة.
تبدأ الهندسة الاجتماعية عادة بمناورة نفسية بسيطة تهدف إلى بناء علاقة ثقة بين المهاجم والضحية، وقد يكون المهاجم على هيئة فتاة جميلة أو موظفا في شركة معروفة أو جهة تواصل من أحد المؤسسات المصرفية أو حتى شخصا يدّعي أنه من جهة حكومية تدعم الأفراد مثلا.
على الرغم من أن الأساليب المستخدمة قد تبدو بسيطة، فإن نتائجها يمكن أن تكون كارثية، فمن أساليب الهندسة الاجتماعية الأكثر شيوعا نجد التصيد الاحتيالي، وهو واحد من أكثر الطرق فعالية، ففي هذا النوع من الهجوم، يرسل المهاجم رسالة تبدو من مصدر موثوق، مثل بنك أو شركة معروفة، ليطلب من الضحية تحديث معلوماته الشخصية أو المالية، قد تحتوي الرسالة على رابط مزيف يؤدي إلى موقع يبدو حقيقيا، لكن في الواقع هو فخ للإيقاع بالضحية.
أما في أسلوب الاستغلال العاطفي، فيعتمد المهاجم على إثارة مشاعر الضحية لتحفيز رد فعل سريع وغير مدروس، فقد يتظاهر المهاجم بمشكلة طارئة، مثل حادث لجهة قريبة من الضحية، ليحثه على تقديم بيانات أو مساعدة دون أن يتوقف للحظة للتفكير في الموقف، بينما في أسلوب «التخفي عبر المكالمات الهاتفية»، يُستغل الاتصال المباشر عبر الهاتف، حيث يتظاهر المهاجم بأنه من جهة رسمية، مثل موظف في شركة خدمات، ويطلب من الضحية تقديم بيانات شخصية، مثل أرقام الحسابات أو كلمة المرور.
هذه الأساليب تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها في واقع الأمر تعتمد على التلاعب بالعواطف، واستغلال الثقة أو الجهل، وعندما يتعلق الأمر بالبلدان العربية، يصبح الوضع أكثر تعقيدًا. فبلادنا، التي تمر بتحديات متعددة على مستويات كثيرة، تجد نفسها عرضة لهذه الأنواع من الهجمات التي تستهدف فئات مختلفة من المجتمع. في ظل القضايا السياسية والاقتصادية التي تعيشها المنطقة قد يصبح المواطنون عرضة للاستغلال بسهولة أكبر.
الهندسة الاجتماعية لا تقتصر فقط على سرقة البيانات الشخصية، وهي أداة تستهدف بنية الأفراد النفسية والاجتماعية، وتتسلل إلى تفاصيل حياتهم اليومية، حيث يتعرض الكثير من الأفراد للمشاكل الاقتصادية أو السياسية، يمكن للمهاجم أن يلعب على هذه التحديات، مما يسهم في زيادة فعالية الهجمات، علاوة على ذلك، فإن الوعي الجماعي بأهمية الحماية الرقمية لا يزال بحاجة إلى تعزيز، فالكثير من الأفراد لا يدركون الخطر الكبير الذي تشكله هذه الأساليب على حياتهم الخاصة وعلى مؤسساتهم.
لكن في نفس الوقت، فإن إدراك المجتمع لهذه التهديدات يمكن أن يشكل تحولا كبيرا في قدرة الأفراد والمؤسسات على التصدي لهذه الهجمات، ومع تزايد استخدام الإنترنت، يصبح الوعي الرقمي أداة أساسية في التصدي للهندسة الاجتماعية، فالتوعية يمكن أن تكون الدرع الأولى في مواجهة هذه الهجمات، من خلال تعليم الأفراد كيفية التحقق من هوية المتصل أو الرسالة، وكيفية التعامل مع المواقف التي تبدو مشبوهة.
لا شك أن تعزيز الثقافة الأمنية بات ضرورة لا غنى عنها، فهذا لا يتطلب فقط تحديث التكنولوجيا المستخدمة لحماية البيانات، بل أيضًا تدريب الأفراد على كيفية حماية أنفسهم من الوقوع في فخ الهندسة الاجتماعية.
إن تدريب الموظفين على عدم تقديم معلومات شخصية أو الدخول في حوارات مع جهات غير معروفة، يصبح أمرًا حيويا ويتطلب العمل على مستوى المؤسسات والجامعات والجمعيات والأمن لتقديم برامج توعوية تهدف إلى نشر الوعي الأمني بين الجميع.
كذلك فان الهندسة الاجتماعية لا تعتمد على اختراق الأنظمة، بل على اختراق العقل البشري، لذلك، فإن الدفاع ضد هذه الهجمات يتطلب فهمًا عميقًا للنفوس البشرية، وتعزيز الوعي النفسي والاجتماعي.
إذا تمكنت المجتمعات من توعية أفرادها بهذا الخطر، يمكنهم تقليل فرص الوقوع في فخ الهندسة الاجتماعية، وحماية أنفسهم من التلاعب.
{ مختص في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك