يشكل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر أحد أبرز ملامح السياسة الاقتصادية البحرينية، التي نجحت في توفير مناخ استثماري جاذب وميسر، يتميز بسهولة أداء الأعمال، وانخفاض تكاليف وإجراءات بدء النشاط، ومن ثمّ، فقد وجدت «الاستثمارات الخليجية» في المملكة مبتغاها، وخاصة مع توافر أمان الاستثمار والمستثمر، وارتفاع العائد، وتشريعات مستقرة، وسعر صرف ثابت للعملة، يتيح للمستثمر التخطيط لمشروعاته، وعمالة مؤهلة ومدربة، منخفضة الكلفة، وتناغم ثقافي قائم على وحدة اللغة، والإرث المشترك، والروابط القوية بين مجتمعات الأعمال الخليجية.
وعليه، فبينما ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في البحرين في نهاية 2023، ليصل إلى ما يقارب حجم الناتج المحلي الإجمالي (أكثر من 43 مليار دولار)؛ فإن استثمارات الدول الخليجية الثلاث: (الكويت، والسعودية، والإمارات)، تصل نسبتها إلى 69% من هذا الرصيد، بأسبقية الكويت 36%، تليها السعودية 23%، والإمارات 10%، واتجهت هذه الاستثمارات إلى كافة أوجه النشاط الاقتصادي، خاصة القطاعات غير النفطية، كالسياحة والصناعة والخدمات المالية والخدمات اللوجستية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتي تتجه لأن تكون القطاعات القائدة للاقتصاد البحريني.
ووفقًا لـ«هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية»، بلغ رصيد الاستثمارات الكويتية في البحرين بنهاية عام 2022، أكثر من 10 مليارات دولار، تركز معظمها في القطاع المالي، تلاه العقاري، والسياحي. وفي إطار «الخطة الاستراتيجية البحرينية» – ضمن خطة التعافي في قطاع السياحة – شهدت «المملكة»، زيادة كبيرة في عدد السياح الكويتيين، حيث بلغ عددهم في عام 2022 نحو 300 ألف سائح، مقارنة بـ74 ألف سائح في 2021، بنسبة نمو بلغت 302%. كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 500 مليون دولار في نفس العام، فيما تعمل نحو 500 شركة ومؤسسة كويتية في البحرين، ويمول «الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية» أكثر من 30 مشروعًا في المملكة، بكلفة إجمالية تقدر بملياري دولار.
وفي 2023، جاءت الكويت تاسع أكبر سوق تصدير للبحرين، ويخدم تدفق الاستثمارات الكويتية إلى المملكة؛ «اللجنة العليا المشتركة» بين البلدين، والتي يترأسها وزيرا خارجية كلا الجانبين، وتوقيع أكثر من 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم بينهما، فضلاً عن الاتفاقات المعقودة بين غرفتي التجارة والصناعة في البلدين.
وفيما تنشط «وزارة التنمية المستدامة»، و«مجلس التنمية الاقتصادية البحريني»، في جذب الاستثمارات إلى القطاعات التي غدت تقود الاقتصاد، خاصة قطاعات الخدمات المالية واللوجستية وتكنولوجيا المعلومات، إضافة إلى قطاعي الصناعة والنفط والغاز؛ فقد تمكنت المملكة في الربع الأول لعام 2024، من تأسيس أول بنك رقمي في الخليج، وجذب استثمارات لتصنيع الرقائق الإلكترونية؛ لتكون الأولى في ذلك في المنطقة ككل.
ويعد دور الاستثمارات الكويتية في القطاع الصناعي البحريني؛ «حيويًا واستراتيجيًا»، حيث يُعتبر المستثمر الكويتي من أبرز المستثمرين في هذا القطاع بين دول الخليج، خاصة في صناعات الحديد والصلب، والألومنيوم، والبتروكيماويات، كما يُعتبر بنك «بيت التمويل الكويتي»، أكبر مطور عقاري داخل المملكة، وهو شريك استراتيجي في تطوير المناطق الصناعية. فيما تساهم شركة «صناعة الكيماويات البترولية الكويتية»، بنسبة 33% في شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات، التي تأسست في 1979، وهي نسبة متساوية مع شركتي «سابك» السعودية، و«بابكو» البحرينية، كما شاركت «مؤسسة الخليج للاستثمار الكويتية»، مع شركة «تيكاي» الكندية للغاز الطبيعي المسال، وشركة «سمسونج جي آند تي» الكورية، في مشروع مرفأ البحرين للغاز الطبيعي المسال بتكلفة 670 مليون دولار.
وفي قطاع السياحة، تستثمر شركة «الخليج القابضة الكويتية»، في مشروعات بارزة، مثل «فيلامار»، في مرفأ البحرين المالي، ومشروع «داون تاون العرين»، ضمن مشروع العرين التطويري، كما نقلت الشركة أعمالها إلى البحرين، مكتفية بمكتب تمثيل في الكويت. وفي القطاع المالي، حققت المؤسسات الكويتية، مثل «التمويل الكويتي»، «الكويت الوطني»، و«البحرين والكويت» نجاحات كبيرة، حيث تجاوزت الميزانيات التي تديرها المصارف الكويتية في البحرين 80 مليار دولار. كما أسهم «بنك البحرين والكويت»، في تأسيس مشروعات كبرى، مثل «درة البحرين»، و«ديار المحرق»، بالإضافة إلى تمويل العديد من مشروعات الإسكان والتنمية، مثل «مزايا»، و«واحة بيتك الصناعية»، حيث يسهم نشاط هذه الشركات في البنية التحتية والعقارات والتجارة، مع ما يزيد على 64 رحلة طيران أسبوعيا بين البلدين.
ومنذ عام 2018، اتجهت الحكومة الكويتية، ممثلة في «الهيئة العامة للاستثمار»، و«مؤسسة التأمينات الاجتماعية الكويتية»، إلى تعزيز حضورها الاستثماري في البحرين من خلال شراء حصص ملكية في بعض البنوك والشركات البحرينية التي تتمتع بأداء تشغيلي ومالي جيد. شملت هذه الاستثمارات؛ شركات مملوكة لصالح «الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي البحرينية» والمدرجة أسهمها في بورصة البحرين، مثل «البنك الأهلي المتحد البحريني»، و«شركة أصول لإدارة الاستثمارات»، و«بنك سيكو الاستثماري»، و«بنك البحرين الوطني»، و«بنك البحرين الإسلامي»، و«بنك البحرين والكويت»، و«شركة التسهيلات العقارية»، و«بتلكو للاتصالات»، و«مجموعة الخليج للفنادق»، و«دلمون للدواجن والصناعات الغذائية».
ومن الجدير بالذكر، أن الحكومة الكويتية كانت تمتلك 18,8% من مجموعة «البنك الأهلي المتحد البحريني». وفي خطوة استراتيجية، اتجه «بيت التمويل الكويتي»، و«البنك الأهلي المتحد البحريني»، نحو الاندماج لتكوين كيان مصرفي عملاق، يمتد نشاطه إلى مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا. وقد تم هذا الاندماج قانونًا في 22 فبراير 2024، مما يعكس تطورًا مهمًا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
أما الاستثمارات السعودية في البحرين، فقد شهدت تطورات بارزة في الآونة الأخيرة، حيث وقع «صندوق الاستثمارات العامة السعودي»، و«ممتلكات البحرين القابضة»، في مارس الماضي «مذكرة تفاهم»؛ تهدف إلى توسيع فرص التعاون، وتعزيز الاستثمارات السعودية في البحرين، من خلال تقديم حزمة من المزايا والحوافز. وجاءت هذه المذكرة، بعد تأسيس «الشركة السعودية – البحرينية للاستثمار»؛ بهدف استثمار نحو 5 مليارات دولار في قطاعات واعدة، مما يعكس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وتنشط الاستثمارات السعودية في قطاعات؛ الخدمات المالية، التأمين، الصناعة، الخدمات المهنية والعلمية، تكنولوجيا المعلومات، وتجارة الجملة والتجزئة. ويأتي «قطاع الخدمات المالية»، في المقدمة بنسبة 68%. وفي إطار خطة التعافي الاقتصادي، يسعى «مجلس التنمية الاقتصادية»، إلى توجيه الاستثمارات إلى القطاعات ذات الأولوية. وفي الوقت الحالي، تحتضن البحرين نحو 5 آلاف شركة سعودية، و20 ألف مواطن سعودي، يمارسون أنشطة اقتصادية، و19 ألفا يملكون أسهمًا في بورصة البحرين، و9144 يملكون عقارات.
على الجانب الآخر، بلغت الاستثمارات البحرينية في السعودية نحو 10 مليارات دولار، وفقًا لتصريحات وزير الاستثمار السعودي «خالد الفالح»، في الاجتماع الاستثنائي لمجلس الأعمال البحريني السعودي في نوفمبر؛ ما يجعل البحرين تحتل المرتبة الثامنة بين أكبر المستثمرين في السعودية؛ ما يعكس درجة عالية من التكامل الاقتصادي بين البلدين. وكما كان لجسر الملك فهد، دوره الاستراتيجي في هذا التكامل؛ فإن ما يعززه مشروع جسر الملك حمد الموازي والمدرج ضمن مشروعات خطة التعافي الاقتصادي 2022 – 2026، وفي توجه لتعزيز السياحة في الاقتصاد البحريني، يجري الآن الترويج للسعودية والبحرين كوجهة سياحية واحدة.
علاوة على ذلك، بلغ حجم التجارة بين البلدين في 2023، نحو 3.9 مليارات دولار، وشهدت الصادرات البحرينية إلى السعودية، زيادة بنسبة 44% خلال خمس سنوات، مقابل ارتفاع صادرات السعودية إلى البحرين بنسبة 5%. وتتصدر السعودية قائمة الشركاء التجاريين للبحرين، فيما تعتمد مصفاة البحرين على النفط السعودي عبر خط الأنابيب المشترك، ويتقاسم البلدان إنتاج حقل «أبو سعفة» النفطي، حيث تصدر «أرامكو» حصة البحرين منه.
وتأتي «الإمارات»، في المرتبة الثالثة من حيث الاستثمارات الخليجية في البحرين، حيث بلغ رأس المال المسجل من قبل مستثمريها حتى أكتوبر 2024، حوالي 485 مليون دينار بحريني، مع تسجيل 1846 شركة إماراتية في السجل التجاري، وامتلاك 812 مستثمرًا عقارات في البحرين. وتشمل القطاعات الجاذبة للاستثمارات الإماراتية؛ الخدمات المالية، الصناعة، النقل، والخدمات اللوجستية.
وفي أكتوبر 2024، نظمت سفارة الإمارات في البحرين، ملتقى للترويج للاستثمار لتعزيز الفرص المشتركة، بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 3.2 مليارات دولار في عام 2023. وتعزز العلاقات الاقتصادية لقاءات القيادات، إذ شهد عام 2022 وحده 12 لقاءً وقمة بين قادة البلدين. كما تعمل «اللجنة العليا المشتركة»، التي تأسست عام 2000، على تعزيز التعاون، وقد شهدت التجارة غير النفطية بين البلدين، زيادة بنسبة 92% بين عامي 2012 و2022، ما جعل الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري عالمي للبحرين.
في المقابل، بلغت الاستثمارات البحرينية في الإمارات 6.2 مليارات درهم بنهاية 2020. وفي فبراير 2024، وقع الجانبان، اتفاقيتين لتشجيع وحماية الاستثمار، وتجنب الازدواج الضريبي؛ ما يعزز تدفق الاستثمارات الإماراتية. ويبرز قطاع السياحة، كأحد أهم مجالات الاستثمار الإماراتي، حيث تصدرت البحرين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2020 في الاستثمار السياحي، بفضل مطورين، مثل «إعمار العقارية»، و«إيجل هيلز». وفي إطار الشراكة الصناعية التكاملية بين الإمارات والأردن ومصر والبحرين؛ أعلنت شركة «إيه دي كيو» الإماراتية في يونيو 2023، عن استثمار 10 مليارات دولار لدعم مشاريع الشراكة.
وإذا كانت الدول الخليجية الثلاث، الكويت والسعودية والإمارات، قد استحوذت معًا على النسبة الأكبر من رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في البحرين؛ فإن المشهد لا يكتمل دون الإشارة إلى دور كل من «قطر»، و«سلطنة عُمان». ومن المتوقع أن يؤدي استئناف العمل على مشروع جسر البحرين – قطر، إلى تعزيز تدفق الاستثمارات القطرية إلى المملكة، حيث سيسهم في زيادة حركة المسافرين والتجارة والاستثمارات المشتركة، على غرار الدور الذي يلعبه جسر الملك فهد بين البحرين والسعودية، خاصة مع إطلاق التأشيرة الخليجية الموحدة، وتكامل هذا الجسر مع جسر الملك فهد.
أما على صعيد العلاقات مع سلطنة عُمان، فقد مثّل تأسيس «الشركة البحرينية العُمانية للاستثمار القابضة»، «خطوة مهمة»، في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، بما يتماشى مع «رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، و«رؤية عُمان 2040». وتدعم هذه الجهود «اللجنة البحرينية – العُمانية المشتركة»، برئاسة وزيري خارجية البلدين، في ظل حجم تجارة متبادلة، يتجاوز 518 مليون دولار، ووجود 876 شركة بحرينية تعمل في السلطنة. كما يعزز التعاون بينهما توقيع 24 اتفاقية ومذكرة تفاهم. وتأتي هذه المسارات الثنائية، ضمن إطار الهدف الاستراتيجي الأكبر، وهو تحقيق الوحدة الاقتصادية الخليجية الشاملة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك