خلال مسار الحرب الإسرائيلية التي استمرت اثني عشر شهرًا ضد غزة، والتي أسفرت عن استشهاد عشرات الآلاف من الأشخاص، وإلحاق أضرار مادية بمليارات الدولارات، والتي اعتُرف بانطوائها على إجراءات الإبادة الجماعية ليس فقط من قبل جماعات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية، ولكن أيضًا من قبل لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، وفي سياق التغطية الإعلامية الغربية ربما كانت «فرانشيسكا ألبانيز» – المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة – هي المدافعة الأبرز عن حقوق الإنسان للفلسطينيين، والمواجهة الأولى لوسائل الإعلام ذات التحيزات المؤيدة لإسرائيل.
فكثيرًا ما فندت «ألبانيز» الروايات الإسرائيلية التي تحط من قدر الشعب الفلسطيني وتحاول تبرير العنف الشديد والقمع الذي تعرضوا له من قبل جيشها، وفي 4 ديسمبر 2024، أتيحت «لألبانيز» فرصة التحدث في «مناقشة» عبر الإنترنت استضافها مركز «روتجرز للأمن والعرق والحقوق بكلية الحقوق جامعة روتجرز في نيوجيرسي» حول حرب إسرائيل ضد غزة، حيث تمكنت من شرح الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني بالتفصيل، ودور القانون الدولي في إنهاء هذا العنف.
وفي افتتاحها للحدث، أوضحت «سحر عزيز» مديرة مركز روتجرز للأمن والعرق والحقوق، كيف أن مركزها هو «الأول والوحيد للحقوق المدنية في كلية الحقوق الأمريكية؛ حيث يجري البحوث والدعوة والتعليم العام بشأن «الحقوق التي تؤثر بشكل متباين على المجتمعات المسلمة والعربية والفلسطينية وجنوب آسيا في الولايات المتحدة وكذلك في الخارج»، وأن هذا يمتد إلى كيفية «إهانة الفلسطينيين وحرمانهم من المساواة ونبذهم باعتبارهم إرهابيين»، وبسبب هذا الدور الأكاديمي المهم، أشارت «عزيز» إلى أن المركز «غالبًا ما يتعرض للهجوم من قبل جماعات المصالح الخاصة المؤيدة لإسرائيل والسياسيين وغيرهم من الجماعات التي تعارض حرية التعبير والحرية الأكاديمية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بإدراج وجهات النظر الفلسطينية».
بدأت «ألبانيز» تعليقاتها بعد ذلك، بالتركيز على «الواقع» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الوضع الذي وصفته بأنه «مروع حقًا»، ونددت بكيفية «تدمير إسرائيل لغزة في أربعة عشر شهرًا» بهجماتها المتكررة من البر والبحر والجوي، حيث «دمرت كل شيء» بما في ذلك جميع البنية التحتية المدنية، ومواقع التراث الثقافي، وحولت القطاع إلى «أرض قاحلة ترزخ تحت الأنقاض، غير صالحة للحياة البشرية»، كما فندت ألبانيز رقم 40 ألف شهيد والذي تستشهد به وسائل الإعلام الغربية عادة، وأشارت عوضًا عنه إلى أن هجوم إسرائيل أدى بالفعل إلى مقتل أو إصابة أو دفن «ما لا يقل عن 160 ألف فلسطيني» تحت الأنقاض، مع «إبادة» عائلات بأكملها من خلال حملة العنف العشوائي.
وأكدت «المقررة الخاصة» أن قتل الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ أكتوبر 2023 زاد «عشرات المرات» عن المتوسط السابق مدة 20 عامًا، بما في ذلك مقتل 170 طفلًا، وحملات اعتقال جماعية من قبل إسرائيل للأطفال والأكاديميين والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث يواجه هؤلاء الأشخاص الآن «الحرمان والتعذيب والظروف البائسة»، كل ذلك دون توجيه تهم قانونية أو محاكمات.
وأقرت «ألبانيز» بتنفيذ إسرائيل «أكبر عملية استيلاء على الأراضي منذ ثلاثين عامًا» مستنكرةً كيف تُرك قادتها، وفي مقدمتهم «بنيامين نتنياهو»، «بلا مساءلة أو محاسبة» ما مكنهم من الإعلان عن المزيد من الضم، والمزيد من التدمير للمنازل والممتلكات، في حين أن المجتمع الدولي – وخاصة الدول الغربية التي تدعم إسرائيل اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا – «لا يتصرف وفقًا لالتزاماته بموجب القانون الدولي» لوقف هذه الانتهاكات والفظائع. وبالرغم من اعترافها بأن هذه الظاهرة «ليست جديدة»، إلا أنها قد أكدت أنه منذ بداية القصف الإسرائيلي لغزة كان هذا «غير مسبوق» في «حجمه وانتشاره وخطورته»، وتابعت أن الفكرة المفترضة بين الحكومات الغربية بأن إسرائيل ترتكب أعمال الإبادة وجرائم الحرب في الأراضي المحتلة باعتبارها «متنازع عليها» هي «رمز للإفلات من العقاب الذي حجب وكتم محنة الشعب الفلسطيني لعقود من الزمن».
وفي معرض ردها على رفض الحكومات الغربية إدانة إسرائيل على ما اقترفته من أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، سلطت «ألبانيز» الضوء على اتفاقية عام 1948 (المعروفة باسم اتفاقية الإبادة الجماعية)، والتي تصف هذه الجريمة بأنها «جريمة محددة للغاية» تنطوي على إلحاق ضرر شديد عمدًا بنية التدمير المادي لشعب بأكمله»، مؤكدة أن الاتفاقيات الدولية قد أوضحت أركان جريمة الإبادة بما لا يدع مجالًا للشك، كما أعربت عن أسفها على أنه في 2024 ينبغي أن يكون من السهل «تحديد مثل تلك الجرائم ومنعها ووقفها»، بيد أن صناع السياسات في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأماكن أخرى «يرفضون مواجهتها».
وتحدثت «ألبانيز» باعتبارها خبيرة في القانون الدولي ومدافعة عن حقوق الإنسان إلى الدول الغربية، مشيرة إلى الكيفية التي أعلن بها القادة والمسؤولون الإسرائيليون نيتهم ارتكاب إبادة جماعية قائلة «لا يمكننا أن نحوّل أعيننا عن ذلك» بل «علينا أن نواجه ونعاقب» وتابعت بأن تلك النوايا لا يمكن السماح لها «بالتخفي وراء تشويه مفاهيم القانون الإنساني الدولي» من خلال تبني مصطلحات مثل «الدروع البشرية، وأوامر الإخلاء، والمناطق الآمنة، والأضرار الجانبية» باعتبارها كلمات ترمي إلى تعتيم فهم مفهوم الإبادة والجرائم التي ارتكبها قادة إسرائيل وجيشها.
بعد هذه التعليقات، سألت الأستاذة «سحر عزيز» مضيفتها عن سبب اعتقادها بأن إسرائيل لا تزال قادرة على ارتكاب المزيد من الفظائع ضد الشعب الفلسطيني، ولماذا – على حد تعبيرها – الغرب يعتبر «راضيًا» عن فشله في وقف هذا حتى الآن؟ وردًا على ذلك، أشارت «ألبانيز» إلى كتابات الأستاذ المشارك «راز سيجال» من جامعة ستوكتون، والدكتور «لويجي دانييل» من جامعة نوتنغهام ترينت، حول «حالة الاستثنائية التي تتمتع بها إسرائيل من قبل المجتمع الدولي منذ إنشائها» والتي استمرت بسبب «العنصرية المتأصلة» وكراهية الإسلام التي يحملها صناع السياسات والمسؤولون الغربيون «الذين لا يرون» الناس خارج نطاق أوروبا وأمريكا الشمالية «كبشر متساوين». وتوافقًا مع هذه التصريحات، سلطت «عزيز» الضوء على «الاستعارات العنصرية الشائعة جدًا والسائدة والمقبولة» في الدول الغربية ضد مواطني الشرق الأوسط، خاصة حينما يتعلق الأمر بالاتهامات الزائفة بمعاداة السامية في أوروبا خلال أوائل القرن العشرين.
وبعد أن تم الانتقال إلى الأسئلة الموجهة إلى «المقررة الخاصة» من قبل جمهور هذا الحدث، والتي كان أكثرها شيوعًا حول ما الذي يمكن القيام به في وقت يشعر فيه المجتمع الدولي «بالعجز» و«الإحباط» من قبل ساستهم ووسائل الإعلام تحدثت «ألبانيز» عن شعورها «بالإعجاب» بالمحتجين من الطلاب والأكاديميين والمدافعين الحقوقيين في مئات الجامعات الغربية لإظهارهم أن هناك أشخاصًا داخل الغرب لا يزالون يواصلون دعم القانون الدولي وحقوق الإنسان. وتحدثت عن نفسها قائلة: إنه على الرغم من كونها شخصًا تابعًا للأمم المتحدة و«أكثر أمانًا» بسبب الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها، إلا أنها ستنتقد تصرفات إسرائيل دفاعًا عن حقوق الإنسان للفلسطينيين «مهما كان الأمر»؛ لأن «النضال من أجل العدالة هو شيء يستحق العيش من أجله»، وأنه من المهم ترجمة مشاعر الغضب والقلق والخوف «إلى عمل» نحو «مرحلة جديدة». ومرة أخرى، أشارت «عزيز» إلى الإدراك المتزايد في الولايات المتحدة، وخاصة بين الأجيال الشابة، لكيفية «عدم تطبيق الحقوق التي يتمتعون بها على الورق على أرض الواقع»، وأن بعض الطلاب يمكنهم «الاختلاف كما يحلو لهم دون عواقب» بغض النظر عن الإساءة التي يسببونها، في حين يتم معاقبة المتظاهرين الفلسطينيين والمسلمين والعرب، إلى جانب أولئك الذين يدعمونهم، أو طردهم من وظائفهم، أو إخضاعهم لاتهامات جنائية بسبب الدفاع عن حقوق الشعب في غزة.
واستمرارًا للحدث، تساءلت «عزيز» بعد ذلك عن سبب عدم تمكن الأمم المتحدة من تطبيق معايير القانون الدولي لوقف الإبادة الجماعية، فضلًا عن منع محاولات حكومة «نتنياهو» لقطع عمليات الإغاثة التابعة للوكالات الإنسانية مثل «الأونروا». وأجابت «ألبانيز» بأن الحرب الإسرائيلية قد هددت «فعاليات وصلاحيات» ليس فقط الأمم المتحدة بل أيضًا «النظام الدولي ككل»، وفي مقابل ذلك أكدت الحرب أن الولايات المتحدة كانت «القوة الرائدة» التي تقف وراء هذا التدهور خلال السنوات العشرين الماضية، وبالتالي، خلصت إلى أن النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية أثبت أنه «وسيلة لممارسة قوى الإمبريالية» بما في ذلك «الإمبريالية الأمريكية بعد نهاية الحرب الباردة»، وبالتالي فإن هذا النظام غير فعال في وقف انتهاكات القانون الدولي من قبل دول مثل إسرائيل؛ لأن الولايات المتحدة تستطيع أن تقرر «الانسحاب» منه كما يحلو لها، متجاهلة قرارات مجلس الأمن ومستخدمة حق النقض ضد القرارات التي لا توافق عليها.
وإضافة إلى هذه الدلالات، أشارت «عزيز» إلى حالة «هدوء» المجتمع القانوني الدولي بشكل ملحوظ في إدانته لإسرائيل والولايات المتحدة أثناء الحرب ضد غزة، فضلًا عن فشله في الدفاع عن الخبراء القانونيين والأكاديميين ونشطاء حقوق الإنسان الذين انتقدوا هذا الأمر. وفي محاولة لتفسير هذا، أثارت «عزيز» كيف أن أي انتقاد لإسرائيل في الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، من الممكن أن يتم إعادة تعريفه «بشكل منحرف ومغلوط» على أنه أمر معادٍ للسامية.
على العموم، كان هذا الحدث الذي نظمته كلية الحقوق بجامعة روتجرز في ديسمبر 2024 والذي استضافته الأستاذة «سحر عزيز» عبارة عن مساحة نادرة للخبراء في القانون الدولي لمناقشة كيف تعرف تصرفات إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة على أنها إبادة جماعية وفقًا للمعايير المنصوص عليها في القانون الدولي، وكيف فشلت الدول الغربية بشكل فادح في الوفاء بالتزاماتها تجاه هذه القوانين وقوانين حقوق الإنسان، فضلًا عن تحديد وتسليط الضوء، على التحيزات المتأصلة ضد الفلسطينيين من قبل صناع السياسات والمسؤولين الغربيين الذين قرروا عمدًا دعم تصرفات إسرائيل على الرغم من علمهم بأنها تتعارض مع القوانين الدولية. وحتى هذه النقطة على وجه الخصوص، كانت «ألبانيز» على حق عندما أشارت إلى أن النظام الدولي الذي ساعدت الولايات المتحدة في إنشائه هو نظام تستطيع الولايات المتحدة أيضًا تجاهل انتقاداته متى شاءت، وبالتالي فإنه لا ينبغي أن يكون مفاجئًا لبقية العالم، بما في ذلك الدول الغربية الأخرى، أن يفلت حليفها الأول في الشرق الأوسط من العقاب جراء ارتكاب أفظع الجرائم وأكثرها صدمة ضد الإنسانية في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك