من الواضح بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا وبعد قتال شرس قائم إلى اليوم يبدو واضحا ان القوات الروسية باتت قاب قوسين أو أدني من تحقيق نصر عسكري على الأرض وإلحاق هزيمة عسكرية ليست بالجيش الأوكراني فقط بل بالناتو كتجمع عسكري سياسي أمني، ما أدى خلال الأشهر القليلة الماضية إلى ظهور العديد من الدعوات لتنظيم مفاوضات بين روسيا الاتحادية من ناحية وبين أوكرانيا ودول الناتو من ناحية ثانية في رسالة واضحة لا شك فيها أن الانتصارات الروسية على الأرض تكاد تحقق الحسم العسكري قبل وصول الرئيس الأمريكي المنتخب رونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير المقبل.
والحقيقة أن هذا التحول من الحرب إلى السلام كان وراءه عدة عوامل من الواضح أنها تقرب مرحلة إنهاء المواجهات المباشرة تمهيدا للجلوس إلى طاولة المفاوضات التي طالما رفضت أوكرانيا المشاركة فيها وعبرت عن طريق رئيسها المنتهية ولايته فلاديمير زلينسكي عن رفضها الحوار والتفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين:
أولا: تصاعد التهديدات النووية الروسية وبدء استخدام أنواع خطيرة من الأسلحة التي استحدثت خلال الفترة القليلة الماضية في منطقة دنيبروبتروفسك الأوكرانية وكانت مفاجأة مرعبة ليست للأوكرانيين فقط بل لدول الاتحاد الأوروبي عامة، حيث بدا أن الجانب الروسي جادا في استخدامه لهذا النوع من الأسلحة الفتاكة والمرعبة وربما دفع هذا التحول العسكري التقني الأوروبيين بالذات إلى مراجعة مواقفهم المرتبطة بالعداء لروسيا والعمل على إلحاق هزيمة استراتيجية بها، ولذلك بدأوا الحديث مؤخرا عن إمكانية التفاوض مع موسكو لوقف اطلاق النار واللجوء إلى حلول دبلوماسية وفي الوقت نفسه العمل على تقوية الجيش الأوكراني وتوفير ضمانات أمنية كافية لحماية الأراضي الأوكرانية.
ثانيا: وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم في الانتخابات الأمريكية الأخيرة وهو يحمل مشروعا بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة أي خلال يوم واحد وهذا بطبيعة الحال لا يؤخذ بمقياس الزمن، ولكنه يدفع إلى القول بأن الرئيس الأمريكي الجديد سوف يضغط على أوكرانيا للقبول بالحلول السلمية بدءا من وقف إطلاق النار والدخول في مرحلة تفاوضية جديدة جادة من شأنها أن توقف الزحف الروسي المستمر خلال الأشهر الماضية ووضع حد لهذه الحرب التي فرضها الغرب على روسيا الاتحادية وأوكرانيا.
ثالثا: إن الرئيس الأوكراني فلاديمير زلينسكي بدا يدرك أن الواقع الإقليمي والدولي قد تغير وان دول الناتو قد أرهقت من دعم أوكرانيا (حوالي 400 مليار دولار) قدمت لأوكرانيا إلا أن سوء الإدارة والفساد الذي ينخر في الدولة الأوكرانية قد أديا إلى عدم الاستفادة الكافية من هذا التمويل الهائل الذي كان على حساب المجتمعات الغربية التي انتزعت هذه الأموال من دافعي الضرائب الذين لم يعودوا اليوم متحمسين لتقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا.
رابعا: على الجانب الروسي بالرغم من الانتصارات الروسية الميدانية وبالرغم من صمود روسيا الاتحادية امام ترسانة العقوبات غير المسبوقة المفروضة عليها، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشعر بوطأة هذه الحرب وكلفتها المادية والبشرية والاقتصادية ولذلك سيكون من مصلحة روسيا استثمار هذا الانتصار على الأرض من أجل تحقيق 3 أهداف أساسية:
أ- إحباط الاستراتيجية الغربية في إلحاق هزيمة عسكرية بروسيا حيث عجز الغرب رغم كل ما قدمه لأوكرانيا من عتاد عن تحقيق هزيمة عسكرية كما لم ينجح في تدمير الاقتصاد الروسي مثلما كان يتوقع ويرجح جل العسكريين ان الذي حدث هو أن الاقتصاد الروسي ينجح ويتقدم فيما يتراجع الاقتصاد الغربي بسبب هذه الأزمة، ولذلك فإن يجب وقف اطلاق النار واللجوء إلى التعاون واستجابة الغرب لمطالب روسيا الاتحادية العادلة.
ب- توقيع اتفاقية مع دول الناتو بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو على المدى القريب والمتوسط وهذا ما يسميه الروس حياد أوكرانيا ومن الواضح أن دول الناتو بدأت تستجيب لهذا المطلب.
ج- رفع العقوبات أو بعضها على الأقل عن روسيا الاتحادية بما يساعد في تحسين وتيرة التطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي للشعب الروسي الذي ضحى خلال هذه الفترة بالغالي والنفيس من أجل إحباط محاولات حلف الناتو السافرة لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك