تعد القضايا البيئية والاقتصادية والاجتماعية وتداعياتها المستمرة من أصعب التحديات التي تواجه دول العالم، لا سيما خلال القرن الواحد والعشرين، ما استدعى اهتمامًا عالميًا متزايدًا بالتنمية المستدامة وأبعادها ومكوناتها؛ لذا نرى أن حماية البيئة تُعد من أهم الحقوق الأساسية التي يجب على كل فرد في المجتمع أن يسعى لتحقيقها، وذلك لأن البيئة بكافة مقدراتها من الهواء النقي والمياه الصافية والتربة النظيفة الخصبة تمثل ركنًا أساسيا في جودة حياة الإنسان وصحته. ومن هذا المنطلق، فإن من أحد أوجه المواطنة الصالحة وتعزيز الهوية والانتماء للوطن هي العناية بموارد الوطن الطبيعية وحمايتها من التلوث والاستنزاف، حيث الاستدامة البيئية ضرورة ملحة لضمان وتأمين حياة كريمة للأجيال الحاضرة، من دون المساس بقدرتها على توفير احتياجات أجيالها القادمة.
وفي ضوء ذلك تكاثفت الجهود عالميًا لوضع رؤى تنموية تم استحداثها وفق مستجدات العصر الراهن؛ للعمل على توفير بيئات مجتمعية صالحة للاستدامة. ومن هنا برزت أهمية التعليم البيئي التي يمثل ركيزة أساسية لتحقيق الأهداف الوطنية في مجال التنمية المستدامة، وأهدافها في مملكة البحرين، وهو خطوة مهمة نحو بناء المستقبل الأخضر الذي يسعى إلى تحقيق التوازن الشامل بين التنمية المستدامة والبعد الاقتصادي وحماية البيئة. وفي ظل ازدياد التحديات البيئية في جميع أنحاء العالم مثل ندرة المياه وتلوث البحر والهواء، وفقدان التنوع البيولوجي، إضافة إلى التغيرات المناخية التي أثرت على جودة الحياة؛ لذا فقد اتجهت أغلبية الدول إلى اعتماد التعليم البيئي وسيلة للتخفيف من التحديات البيئية التي أسهمت في تدهور واضح لميراث الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية، لذا فقد أصبح من الضروري أن يتم تزويد الأفراد بالمعرفة والمهارات اللازمة لفهم تلك القضايا وكيفية التعامل معها، وتبني سلوكيات مستدامة، مما يخلق تأثيرًا مجتمعيًا يمكن له المساهمة في وضع حلول فاعلة في ظل هذا الواقع، وكذلك فأن التعليم البيئي أصبح استثمارا استراتيجيا في مستقبل الأرض ومواردها.
مملكة البحرين، وباعتبارها واحدة من الدول التي تواجه تحديات بيئية متنوعة مثل محدودية الموارد الطبيعية، وندرة المياه العذبة، وتأثيرات التغير المناخي، التي تتطلب استجابة سريعة وفاعلة من جميع المؤسسات المختصة والأفراد،؛ لذا فقد أدركت المملكة أهمية العمل على نشر الوعي البيئي بين أفراد المجتمع، وإعداد جيل واعٍ بيئيا قادر على مواجهة هذه التحديات من اجل إرساء أساسيات تهدف إلى تغيير سلوكيات الأفراد تجاه البيئة وتشجيعهم على اتخاذ قرارات مستدامة من أجل بناء مستقبل بيئي مشرق، وهنا نرى أن بناء الوعي البيئي يبدأ من الصغر كخطوة أساسية في غرس قيم المحافظة على البيئة وسلامتها لدى أجيالنا تعزيزًا للهوية الوطنية والانتماء إلى الأرض والاعتزاز بتاريخها الطبيعي والبيئي.
ووفقًا للخطة الاستراتيجية التعليمية لوزارة التربية والتعليم، باعتبارها من القطاعات الرئيسية المشاركة في التعليم البيئي، فقد رصدت أهم التحديات التي تواجه عملية التعليم، واعدت خططا مدروسة، وبرامج ومبادرات تعليمية هادفة، شمّلت مختلف الفئات العمرية والمراحل التعليمية من المدارس والجامعات، التي لعبت دورًا مهمًا في نشر المعرفة والثقافة البيئية، وقد ظهر أثر ذلك نتيجة لإقامة الكثير من الدورات التدريبية والمبادرات والبرامج التعليمية التي تم توجيهها خصيصًا لتزويد أفراد المجتمع كافة بالأدوات اللازمة لفهم مدى تأثير الأنشطة البشرية على بيئتهم، وفي هذا السياق، فإن مملكة البحرين عملت على تبني سياسات ومبادرات، أبرزها على الصعيد التعليمي في بناء مناهج تعليمية لدمج الموضوعات البيئية في مختلف المراحل الدراسية، بهدف دمج التعليم البيئي في مختلف القطاعات التعليمية والمجتمعية. والعمل على تحفيز الإبداع والابتكار في مجالات الطاقة المتجددة، وإعادة التدوير، وتقنيات الزراعة المستدام، وأي مجتمع لديه جيل يمتلك القدرة على التعلم في كيفية مواجهة التحديات البيئية سوف يصبح رائدًا في تبني تقنيات جديدة تعزز من الاستدامة، وهناك العديد من الأدلة التي تثبت أن التعليم مثلًا في مجالات الطاقة الشمسية أو تقنيات تحلية المياه أسهمت في تطوير حلول محلية تتناسب مع الاحتياجات البيئية في مملكتنا الحبيبة.
إن المعرفة البيئية لا تقتصر فقط على الأفراد في المدارس والجامعات، بل تشمل المجتمع كافة، هذا وقد أسهمت حملات التوعية، وورش العمل في إشراك المواطنين في قضايا مثل إعادة التدوير، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وحماية الشواطئ، وعندما يدرك المجتمع أهمية مشاركتهم في الحفاظ على البيئة، تتشكل الثقافة المجتمعية الداعمة للبيئة؛ لذا جميعنا نسعى بفضل رؤية البحرين 2030م، الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال البيئي. فالتعليم البيئي يلعب دورًا محوريًا في تنفيذ هذه الرؤية الوطنية، حيث يسهم في بناء مجتمع قادر على التعامل مع التحديات البيئية بطرق مبتكرة وفعالة من أجل تحفيز الابتكار في التكنولوجيا الخضراء وتشجيع الأفراد، ولاسيما فئة الشباب على التفكير في ابتكار حلول تكنولوجية جديدة لمشاكل البيئة، ويكونون من المساهمين الرئيسيين في الاقتصاد الأخضر.
لذا فإن السياسات الحكومية ووفقًا لأهميتها فإنها على قائمة أهم العوامل الرئيسية في تعزيز التعليم البيئي في المجتمع، وذلك لأن الجهات الرسمية في المملكة اسهمت بدور واسع النطاق في نشر الوعي البيئي، وتشريع القوانين البيئية لحماية البيئة، وأنظمة إدارة النفايات، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وإنشاء برامج توعية مثل الحملات الإعلامية والمشاريع وتصميم وتنفيذ المبادرات الوطنية التي تهدف إلى تعزيز السلوكيات البيئية السليمة، وتشجيع البحث العلمي في القضايا البيئية وتمويلها الدراسات والأبحاث التي تسلط الضوء على مشكلات بيئية محلية وتقديم حلول علمية وفعالة تمكن من تحقيق اقتصاد أخضر مستدام في المملكة، ومع زيادة الوعي البيئي انطلاقًا من التعليم، يُمكن للمجتمع الضغط على صانعي القرار لدعم السياسات البيئية القوية، فعندما يكون أفراد مجتمعنا على معرفة بمدى تأثير الأنشطة البشرية على البيئة، يكون لديهم دافع أكبر للمطالبة بتشريعات تهدف إلى حماية البيئة، لذا فإن التعليم البيئي يشجع على المشاركة الحقيقية في صنع السياسات البيئية واتخاذ تدابير أكثر حزمًا لحماية البيئة.
ورغم أهمية تعزيز الثقافة البيئية على الأصعدة كافة، فإن هناك عدة تحديات تعيق تنفيذ هذا الهدف، من أبرزها: قلة الوعي العام؛ لذا يظل الكثير من الأفراد غير مدركين لمدى تأثير سلوكياتهم على البيئة، إضافة إلى نقص الموارد المالية، وقد تكون بعض الأنشطة البيئية أو مشروعات التوعية البيئية غير مدعومة بالموارد المالية الكافية، وكذلك المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في بعض المجتمعات، وقد تكون القضايا البيئية طرفًا في ظل الأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية التي يعانيها الأفراد عمومًا. إن الاستثمار في التعليم البيئي هو استثمار في مستقبل البحرين الأخضر، حيثُ إن العمل على تزويد المجتمع بكافة فئاته بالمعرفة والمهارات البيئية الفاعلة، تمكنه من مواجهة التحديات البيئية المستقبلية بشكل أكثر فاعلية.
وختامًا. إذا أردنا أن نقدم هدية حقيقية ومستدامة لوطننا الحبيب، فعلينا العمل بإخلاص من أجل حماية بيئته، وتكثيف الجهود المشتركة، وتعزيز الوعي البيئي، وتحفيز الابتكار، والمشاركة المجتمعية، لبناء مجتمع مستدام قادر على مواجهة التحديات البيئية، واستثمار مستقبلي وبناء اقتصاد أخضر قادر على تحقيق التنمية المستدامة التي تحفظ مواردها الطبيعية، وتضمن استدامة بيئتها للأجيال القادمة، حيثُ إن تعزيز المواطنة البيئية في المجتمع يُعد خطوة ضرورية نحو حماية كوكب الأرض، وضمان استدامته للأجيال القادمة انطلاقًا من التعليم البيئي، وفاعلية وسائل الإعلام، والمشاركة المجتمعية، ويمكن للمجتمعات المحلية أن تصبح أكثر وعيا بمشاكل البيئة وأفضل تجهيزًا للتعامل معها، ثم إن تكامل الجهود الحكومية والشركات والمؤسسات التعليمية من شأنه أن يخلق بيئة ملائمة لتطبيق الممارسات البيئية السليمة على نطاق أوسع وأشمل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك