الأفكار هي البذور التي تنمو لتشكل ملامح المستقبل، فهي الأساس الذي ترتكز عليه كل حضارة، وتزدهر من خلالها المجتمعات. منذ العصور القديمة، كانت الإنجازات الكبرى وليدة أفكار بسيطة نمت بفعل شغف أصحابها وإصرارهم على تحقيق تغيير حقيقي. إن بناء الأمم لا يعتمد فقط على القوة الاقتصادية أو القدرات العسكرية، بل أيضا على الأفكار التي تجلب الرخاء وتعزز العدالة. وعندما تُعطى الأفكار الخلاقة الفرصة، نجدها قادرة على تغيير الحياة بطرق لا حصر لها.
التاريخ مليء بالأمثلة على الأفكار الخلاقة التي غيرت مجرى الأحداث؛ من الديمقراطية في أثينا القديمة، التي أسست مفهوم الحكم الشعبي، إلى اكتشاف الكهرباء، الذي نقل البشر إلى عصر جديد، وصولا إلى الإنترنت، الذي بدأ كفكرة بسيطة للتواصل وتطور ليغير أنماط حياتنا. كل هذه الإنجازات انطلقت من أفكار ارتقت وتطورت حتى باتت جزءاً أساسيا من الحياة.
وفي سياق الابتكار أيضا، نتذكر كيف أن بعض الأفكار التي بدأت عادية تحولت إلى إنجازات مبدعة لأكبر التحديات. على سبيل المثال، تقنية تحلية المياه التي انطلقت كفكرة لمواجهة شح المياه في المناطق الجافة، وأصبحت حلا أساسيا لدول الخليج، موفرةً مصدراً مستداما للمياه العذبة. هذا النموذج يوضح كيف يمكن للأفكار الخلاقة أن تصبح مفتاحا للتغيير.
في البحرين، تمثل مسابقة الابتكار الحكومي «فكرة» تجسيداً لرؤية تشجع الموظفين الحكوميين على أن يكونوا جزءاً من مسيرة التطوير والإبداع. المبادرة تمنح الموظفين مساحة لطرح أفكار ومبادرات خلاقة تُحدث أثراً إيجابياً على جودة العمل الحكومي والخدمات المقدمة للمواطنين.
بدعم مباشر من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي يولي الابتكار أولوية في العمل الحكومي، تسعى المسابقة إلى بناء بيئة تحتضن الأفكار الجديدة وتوفر الفرصة لتحويلها إلى مشاريع واقعية تسهم في تطوير الأداء. وفي رسالة وجهها سموه الشهر المنصرم إلى موظفي القطاع الحكومي، أعرب عن تقديره لجهودهم، مؤكداً أهمية العمل بروح الفريق الواحد – فريق البحرين – لتحقيق التميز وتطوير الخدمات بما يليق بتطلعات المواطنين. هذه الرسالة تمثل دعوة صريحة للجميع للمساهمة بأفكارهم وإبداعهم في بناء مستقبل الوطن.
مسابقة «فكرة» تسعى لاحتضان الأفكار الطموحة في القطاع الحكومي، ودعم تحويلها إلى مشاريع تسهم في تطوير الخدمات. هذه المسابقة ليست منصة لتقديم الأفكار فحسب، بل هي بيئة عمل تُشجع على التعاون والإبداع، وتحفز الموظفين على طرح رؤاهم لتطوير مؤسساتهم والمساهمة في تحقيق رؤية وطنية واسعة.
لكل موظف فرصة حقيقية للمشاركة بفاعلية في تحسين بيئة عمله، وفي الوقت نفسه ليشعر بتأثير الأفكار البسيطة التي قد تتحول إلى حلول عملية. الأفكار الخلاقة تتطلب شجاعة وحماسة، وهي ليست حكراً على المناصب العليا، بل قد تأتي من أي موظف شغوف يسعى إلى خدمة وطنه.
النهضة والتطور هما نتاج جهود جماعية تتخطى المشاريع الرسمية لتشمل مساهمات كل فرد وعقل يسعى للتغيير الإيجابي. الإطار والدعم موجودان، ولكن نجاح المسيرة يعتمد على مشاركة الجميع بفعالية. لكل منا دور مهم في هذه الرحلة؛ فمهما كان مجال عملك، تذكر أن أفكارك قد تكون الشرارة التي تدفع عجلة التقدم نحو الأمام.
بغض النظر عن موقعك أو دورك، فكر بعمق، تخيل، وابتكر. لا تكتف بالعمل الروتيني اليومي، بل اسأل نفسك دائما: ما الجديد الذي يمكنني أن أقدمه؟ كيف يمكنني أن أترك أثراً يحدث فرقا؟ لأن تطور الوطن واستمراره نحو الأفضل لا يتحقق إلا بالأفكار التي تنبض بالجرأة والطموح، وبتكاتف الجهود من أجل مستقبل أكثر جمالا للبحرين.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك