العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مصير العدالة الدولية في ظل ازدواجية المعايير الغربية

بقلم: د. رمزي بارود {

الثلاثاء ١٠ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

ذكرت‭ ‬مجلة‭ ‬الإيكونوميست‭ ‬أن‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال‭ ‬التي‭ ‬أصدرتها‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬ضد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬ووزير‭ ‬الدفاع‭ ‬السابق‭ ‬يوآف‭ ‬غالانت‭ ‬تمثل‭ ‬كارثة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬قاسية‮»‬‭ ‬للزعيم‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬كما‭ ‬كتبت‭ ‬صحيفة‭ ‬الغارديان،‭ ‬فيما‭ ‬قال‭ ‬آخرون‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬ضربة‭ ‬كبيرة‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬المصطلح‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬يتفقون‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال‭ ‬تمثل‭ ‬زلزالا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬يشككون‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬سيمثل‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭.‬

إن‭ ‬المعسكر‭ ‬المؤيد‭ ‬لفلسطين،‭ ‬والذي‭ ‬يمثل‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬أغلبية‭ ‬البشرية،‭ ‬ممزق‭ ‬بين‭ ‬عدم‭ ‬التصديق،‭ ‬والشكوك،‭ ‬والتفاؤل‭. ‬لقد‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬لديه‭ ‬نبض،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬ضعيف،‭ ‬ولكنه‭ ‬كاف‭ ‬لإحياء‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المساءلة‭ ‬القانونية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬ممكنة‭.‬

هذا‭ ‬المزيج‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬واللغة‭ ‬القوية‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬لعدة‭ ‬تجارب‭ ‬مهمة‭ ‬ومترابطة‭ ‬نوجزها‭ ‬في‭ ‬الآتي‭ ‬‭ ‬أولا‭: ‬الإبادة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬لشعب‭ ‬بأكمله‭ ‬التي‭ ‬تنفذها‭ ‬إسرائيل‭ ‬حاليًا‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة؛‭ ‬ثانياً،‭ ‬الفشل‭ ‬الذريع‭ ‬للمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬المروعة‭ ‬في‭ ‬القطاع؛‭ ‬وأخيراً،‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬القانوني‭ ‬الدولي‭ ‬فشل‭ ‬تاريخيا‭ ‬في‭ ‬مساءلة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬حلفاء‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان،‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

لقد‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬زلزالا‭ ‬حقيقيا‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬فيها‭ ‬محاسبة‭ ‬زعيم‭ ‬مؤيد‭ ‬للغرب‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭. ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬تاريخيًا،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬مذكرات‭ ‬الاعتقال‭ ‬والاحتجاز‭ ‬الفعلي‭ ‬لمجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬المتهمين‭ ‬تستهدف‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬وإفريقيا‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭.‬

يجب‭ ‬القول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬دولة‭ ‬‮«‬غربية‮»‬‭ ‬عادية‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬اختراعاً‭ ‬استعمارياً‭ ‬غربياً،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬ممكناً‭ ‬لولا‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي‭ ‬المتشدد‭ ‬دون‭ ‬عوائق‭.‬

ومنذ‭ ‬قيامها‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬لعبت‭ ‬إسرائيل‭ ‬دور‭ ‬القلعة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬تصميم‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬برمته‭ ‬ووضعه‭ ‬ضمن‭ ‬الأولويات‭ ‬الغربية‭ ‬والقيم‭ ‬المفترضة‭: ‬الحضارة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والتنوير‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭.‬

ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬أصبحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مشروعاً‭ ‬أمريكياً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬يتبناه‭ ‬الليبراليون‭ ‬والمحافظون‭ ‬المتدينون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

وكانت‭ ‬الحشود‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مدفوعة‭ ‬بالفكرة‭ ‬الإنجيلية‭ ‬القائلة‭ ‬إن‭ ‬‮«‬من‭ ‬يبارك‭ ‬إسرائيل‭ ‬يتبارك‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أبقى‭ ‬الليبراليون‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضمن‭ ‬الخطاب‭ ‬الروحي،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬فضلوا‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬متناسب‭ ‬تصنيف‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬الديمقراطية‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬وشددوا‭ ‬باستمرار‭ ‬على‭ ‬‮«‬العلاقة‭ ‬الخاصة‮»‬،‭ ‬و«الرابطة‭ ‬غير‭ ‬القابلة‭ ‬للكسر‮»‬‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأوصاف‭ ‬الأخرى‭.‬

وبالتالي،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬إدانة‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬لنتنياهو،‭ ‬كممثل‭ ‬للمؤسسة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وجالانت،‭ ‬كزعيم‭ ‬للطبقة‭ ‬العسكرية،‭ ‬هي‭ ‬أيضاً‭ ‬إدانة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

خلال‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬ووفقا‭ ‬لموقع‭ ‬الأخبار‭ ‬الاستقصائية‭ ‬ProPublica،‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬شحنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭.‬

إن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والصحفيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬البارزين‭ ‬مذنبون‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭. ‬لقد‭ ‬رفعوا‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬نتنياهو‭ ‬وغالانت،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قادة‭ ‬سياسيين‭ ‬وعسكريين‭ ‬إسرائيليين‭ ‬آخرين،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬المتحضر‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬البرابرة‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬صورت‭ ‬الأوساط‭ ‬الإعلامية‭ ‬المحافظة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬نتنياهو‭ ‬وغالانت‭ ‬وكأنهما‭ ‬أنبياء‭ ‬يقومون‭ ‬بعمل‭ ‬الرب‭ ‬ضد‭ ‬الوثنيين‭ ‬المفترضين‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭.‬

لقد‭ ‬وجهت‭ ‬إليهما‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬اتهامات‭ ‬أخلاقية،‭ ‬وألحقت‭ ‬بهما‭ ‬‮«‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬قاسية‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭ ‬أبدًا‭.‬

عندما‭ ‬تقدم‭ ‬كريم‭ ‬خان،‭ ‬رئيس‭ ‬الادعاء‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬بطلب‭ ‬إصدار‭ ‬أوامر‭ ‬اعتقال‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬الماضي،‭ ‬كانت‭ ‬الشكوك‭ ‬تحيط‭ ‬بالكثيرين،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬مبرراً‭. ‬وشعر‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أن‭ ‬بلادهم‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الدعم‭ ‬اللازم‭ ‬لعدم‭ ‬السماح‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المذكرات‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭.‬

لقد‭ ‬مر‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬بمحاولات‭ ‬سابقة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬البلجيكية‭ ‬حيث‭ ‬حاول‭ ‬ضحايا‭ ‬الوحشية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬محاسبة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬السابق‭ ‬أرييل‭ ‬شارون‭ ‬على‭ ‬مذبحة‭ ‬صبرا‭ ‬وشاتيلا‭.‬

ولم‭ ‬يتم‭ ‬إسقاط‭ ‬القضية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تعرضت‭ ‬بلجيكا‭ ‬لضغوط‭ ‬كبيرة‭ ‬ومكثفة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتغيير‭ ‬قوانينها‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تشمل‭ ‬الولاية‭ ‬القضائية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬الأمريكيون‭ ‬أيضًا‭ ‬قلقين‭ ‬للغاية،‭ ‬حيث‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لمعاقبة‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬وتشويه‭ ‬سمعة‭ ‬كريم‭ ‬خان‭ ‬نفسه،‭ ‬ووفقًا‭ ‬لما‭ ‬نشره‭ ‬السيناتور‭ ‬الأمريكي‭ ‬توم‭ ‬كوتون‭ ‬مؤخرًا‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فإنهم‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬‮«‬لاجتياح‭ ‬لاهاي‮»‬‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يستعرض‭ ‬فيها‭ ‬الأمريكيون،‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يوقعوا‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ليسوا‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬عضلاتهم‭ ‬ضد‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬حاولوا‭ ‬فقط‭ ‬فرض‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والانتصار‭ ‬لقيم‭ ‬العدالة‭.‬

وفي‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬2020،‭ ‬فرضت‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬المدعية‭ ‬العامة‭ ‬آنذاك‭ ‬فاتو‭ ‬بنسودا‭ ‬ومسؤول‭ ‬كبير‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬فاكيسو‭ ‬موتشوتشوكو‭.‬

وحتى‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬أرادوا‭ ‬تكريس‭ ‬وإنفاذ‭ ‬المساءلة‭ ‬عن‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬كانوا‭ ‬موضع‭ ‬شك،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬مثل‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية،‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬إصدار‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال‭.‬

وقد‭ ‬ساهم‭ ‬التأخير‭ ‬غير‭ ‬المعقول‭ ‬في‭ ‬الإجراءات‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الشكوك،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬كريم‭ ‬خان‭ ‬نفسه‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬فجأة‭ ‬للمحاكمة‭ ‬بتهمة‭ ‬‮«‬سوء‭ ‬السلوك‭ ‬الجنسي‮»‬‭ ‬المفترض‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬صدرت‭ ‬مذكرات‭ ‬الاعتقال‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬نوفمبر،‭ ‬واتهمت‭ ‬نتنياهو‭ ‬وجالانت‭ ‬بارتكاب‭ ‬‮«‬جرائم‭ ‬حرب‮»‬‭ ‬و«جرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‮»‬‭ ‬‭ ‬والجرائم‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬ضمن‭ ‬اختصاص‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬هي‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والعدوان‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أعلى‭ ‬محكمة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬قد‭ ‬وجدت‭ ‬بالفعل‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬أفعال‭ ‬إسرائيل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬وهي‭ ‬تحقق‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬القضية،‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كدولة،‭ ‬وكبار‭ ‬القادة‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬فجأة،‭ ‬وبجدارة،‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬وأصبحوا‭ ‬أعداء‭ ‬الإنسانية‭.‬

ورغم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الصواب‭ ‬والمشروع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬هو‭ ‬النتيجة‭ ‬الملموسة‭ ‬لهذه‭ ‬القضايا‭ ‬أي‭ ‬إنهاء‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ومحاسبة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬فلا‭ ‬ينبغي‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نفوت‭ ‬المعنى‭ ‬الأعظم‭ ‬لهذه‭ ‬الأحداث‭ ‬المزلزلة‭.‬

إن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬والمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬هما‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬مؤسستان‭ ‬غربيتان‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤهما‭ ‬لمراقبة‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬سيطر‭ ‬عليه‭ ‬الغرب‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭.‬

إن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬والمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬تمثلان‭ ‬المعادل‭ ‬القانوني‭ ‬لاتفاقية‭ ‬بريتون‭ ‬وودز،‭ ‬التي‭ ‬نظمت‭ ‬النظام‭ ‬النقدي‭ ‬الدولي‭ ‬لخدمة‭ ‬المصالح‭ ‬الغربية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬ورغم‭ ‬أنهما،‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النظرية،‭ ‬دافعتا‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬جديرة‭ ‬بالثناء‭ ‬عالميًا،‭ ‬إلا‭ ‬أنهما‭ ‬في‭ ‬الممارسة‭ ‬العملية‭ ‬كانتا‭ ‬مجرد‭ ‬أداتين‭ ‬للنظام‭ ‬الغربي‭ ‬لتكريس‭ ‬السيطرة‭ ‬والهيمنة‭.‬

كان‭ ‬العالم‭ ‬لسنوات‭ ‬عديدة‭ ‬يعيش‭ ‬مخاض‭ ‬التغيير‭ ‬الواضح‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬قوى‭ ‬جديدة‭ ‬تصعد‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬قوى‭ ‬أخرى‭ ‬تأفل‭ ‬ويتقلص‭ ‬نفوذها‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الاضطرابات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬سوى‭ ‬انعكاس‭ ‬للصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬داخل‭ ‬الطبقات‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭.‬

وكان‭ ‬الصعود‭ ‬المذهل‭ ‬للصين،‭ ‬والحرب‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬والمقاومة‭ ‬المتنامية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬نتائج‭ ‬ومسرعات‭ ‬لهذا‭ ‬التغيير‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬الدعوة‭ ‬المستمرة‭ ‬لإجراء‭ ‬إصلاحات‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬حتى‭ ‬يعكس‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬إنصافاً‭ ‬الحقائق‭ ‬العالمية‭ ‬الجديدة‭. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الغربية‭ ‬للتغيير،‭ ‬استمرت‭ ‬التشكيلات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الظهور،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬

تمثل‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لحظة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكيات‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬شهدنا‭ ‬تداعياتها‭ ‬المتسارعة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬لغة‭ ‬كريم‭ ‬خان‭ ‬عندما‭ ‬طلب‭ ‬إصدار‭ ‬مذكرات‭ ‬الاعتقال،‭ ‬مؤكداً‭ ‬مصداقية‭ ‬المحكمة‭.‬

وقال‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬حصرية‭ ‬مع‭ ‬شبكة‭ ‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬مايو‭ ‬2024‭: ‬‮«‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬لدينا‭ ‬محكمة‭. ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتطبيق‭ ‬المتساوي‭ ‬للقانون‭. ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬شعب‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬آخر‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أشخاص‭ ‬قديسون‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‮»‬‭.‬

إن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬المصداقية‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬تتويج‭ ‬للخسارة‭ ‬الواضحة‭ ‬للمصداقية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الجبهات‭. ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مفاجئا،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الغرب،‭ ‬الذي‭ ‬نصب‭ ‬نفسه‭ ‬بطلاً‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والكيان‭ ‬السياسي‭ ‬ذاته‭ ‬الذي‭ ‬دافع‭ ‬عن‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وأيدها‭ ‬ودعمها‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬قد‭ ‬يرغب‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬صدرت‭ ‬حصرياً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضحايا‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ ‬كانت‭ ‬محاولة‭ ‬يائسة‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬لإنقاذ‭ ‬أي‭ ‬مصداقية‭ ‬قليلة‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حافظ‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭.‬

لقد‭ ‬حافظت‭ ‬حكومة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬تنتهك‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتوب‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬موقفها‭ ‬القوي‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فراحت‭ ‬تشوه‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬بسبب‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬توجه‭ ‬سهامها‭ ‬إلى‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الذين‭ ‬ارتكبوا‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬ستظل‭ ‬تمثل‭ ‬وصمة‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وعارا‭ ‬يلاحق‭ ‬الغرب‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬ألمانيا،‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬ستفحص‭ ‬بعناية‮»‬‭ ‬أوامر‭ ‬الاعتقال،‭ ‬ولكن‭ ‬‮«‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬نتصور‭ ‬أننا‭ ‬سنقوم‭ ‬باعتقالات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‮»‬‭.‬

لا‭ ‬تزال‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬تأمل‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬تحولات‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬إنقاذ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬نفاق‭ ‬الغرب‭ ‬وانتهازيته‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬سوف‭ ‬يكتسب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الزخم‭. ‬فهل‭ ‬يكون‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬أوجدوا‭ ‬الخطر‭ ‬الصهيوني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬الذين‭ ‬سيهدمونه؟‭ ‬يظل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬محل‭ ‬شك‭ ‬كبير‭. ‬

 

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا