الإسلام دعوة عامة إلى الناس كافة، فالإنسانية في مفهوم الإسلام قاسم مشترك ولها حظ موفور في تشريعات الإسلام، ويؤكد القرآن الكريم في ذلك في العديد من آياته التي لا مجال لإنكارها، أو التشكيك فيها في قوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) البقرة / 124.
ولقد تعلم نبي الله إبراهيم درسًا بعد ذلك أن هناك عطاء خاصا بالربوبية، وعطاء خاصا بالألوهية، فالقرآن حين يتحدث عن الرزق يقول: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلًا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) البقرة/ 126. فصحح الله تعالى لإبراهيم قوله إن الرزق هو عطاء الربوبية وفيه يستوي المؤمن والكافر، وأما عطاء الألوهية فهو خاص بمن آمن.
الله تعالى لكونه رب مسؤول عن عباده، فهو يرزقهم جميعًا، فمن أسلم منهم وآمن صار محلًا لعطاء الألوهية، ومن بقي على كفره وعناده نال حظه من عطاء الربوبية وحُرم من عطاء الألوهية وهذا حق.
إذًا، فنستطيع أن نقول ودون أدنى حرج من أن عطاء الإسلام للبشرية عام من خلال تشريعاته وقوانينه، وأيضًا نواميسه التي يستفيد منها الناس جميعًا، فهم سواء في الانتفاع بالهواء والماء مهما اختلفت ألسنتهم وأجناسهم ومللهم حتى أن الإسلام جعل للمؤلفة قلوبهم نصيبًا من أموال الزكاة وذلك بنص القرآن في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) (التوبة / 60) وما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حين علق الحكم الشرعي حين انتفت الحاجة إلى تأليف قلوب هؤلاء بعد أن قويت شوكة الإسلام لكنه رضي الله عنه علق الحكم كما هو الحال في نصيب فك الرقاب وهو تحرير العبيد، ومعلوم أن هناك من الأحكام التي اجتهد أمير المؤمنين عمر فيها مثل: وقف حد السرقة في عام الرمادة لوجود شبهة أن السارق يسرق ليأكل وليس من أجل السرقة ذاتها.
ومن عطاءات الإسلام التي يستفيد منها المؤمن وغير المؤمن الأمن الذي يوفره الإسلام لمن يستظلون بظله، وهذا واضح في صحيفة المدينة التي حققت مفهوم «المواطنة» التي وصلت البشرية إليه حديثًا.
ولقد أقر الإسلام لأهل الديانات الأخرى بأن يتحاكموا إلى شرائعهم ولا يلزمون بشرائع الإسلام إلا إذًا شاءوا ذلك، وطابت به نفوسهم، كما وفر الإسلام لأهل النحل الأخرى الحماية الكاملة لدور عباداتهم، يقول تعالى: (أُذِنَ للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور (41)) (سورة الحج).
وعندما فتحت مصر في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أمَّن الإسلام رجال الدين المسيحي وجاء بالمنفيين من الصحاري التي هربوا إليها من بطش الرومان، وأعادوهم إلى كنائسهم، ودور عبادتهم، ولقد سجل التاريخ الصادق بحروف من نور قضايا رفعها أهل مصر من الأقباط على المسلمين، وكيف نصرهم الإسلام، ورد إليهم حقوقهم، ومن هؤلاء المرأة القبطية التي أخذ عمرو بن العاص (رضي الله عنه) بيتها غصبًا ليوسع به مسجده عندما ضاق المسجد بالمصلين، فرفعت قضيتها إلى الفاروق (رضي الله عنه) فأنصفها وتوعد واليه أن يعود إلى مثلها.
وقصة الشاب القبطي الذي سبق ابن عمرو بن العاص في السباق، فعلاه بالسوط وكان يقول له وهو يضربه: أتسبق ابن الأكرمين، فاقتص منه عمر لصالح القبطي: وقال له اضرب ابن الأكرمين! ثم أطلقها أمير المؤمنين في سمع الدنيا مدوية «يا عمرو، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»؟!
وهكذا وفر الإسلام الحماية والأمن لأهل الديانات الأخرى، وحافظ على حقوقهم، وشدد النكير على ولاته في الأمصار، وحذرهم أشد التحذير من استغلال مناصبهم لمصالحهم الشخصية، ولقد ذكر التاريخ الإسلامي في إجلال وتقدير كيف تحقق لغير المسلمين من أصحاب الملل الأخرى الأمن والأمان في ظل رعاية الإسلام، ولقد ذكر ذلك المنصفون من علماء الغرب ومفكريه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك