يقولون إنه تاجر يحب الصفقات ويكره الحروب، ويقولون إنه غير متوقع، وإنه سيكون متحرراً من الضغوط الصهيونية لإعادة انتخابه لأن هذه ستكون الولاية الثانية والأخيرة له دستوريا حتى الآن، وأن هذا قد يسهل عليه فرض تسوية على الجميع، ويقولون إنه نرجسي وعصبي وعدواني، وبالتالي سيصنع مجده بطريقته، وأضافوا أيضاً أنه حظي بأصوات العرب والمسلمين وأنه لذلك سيجاملهم بطريقة أو بأخرى، وقالوا أيضاً إنه يعود مره ثانية أكثر خبرة وأعمق تجربة، وقد يكون لهؤلاء بعض العذر أو بعض الفهم، فقد بلغ بنا الضعف والعجز والخور إلى درجة أن ننتظر الحلول من صانع الأزمات، وأن نرجو العون من أعدائنا وأصدقاء أعدائنا، فصار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أشبه بمن يأتي ومعه جبل من طعام وجبل من نار، بين يديه ثواب وعذاب، بحيث تتعلق القلوب والأبصار به ترجو عطفه وتتجنب غضبه، حتى أن مذيعة عربية سألته عن حفيده نصف العربي فتعطف الرجل وقال إن العرب أذكياء.. شكرا لله سبحانه وتعالى، فهذا الوصف ينسف أكثر من 70 سنة من إلحاح استوديوهات هوليوود بأن العرب أغبياء ولا يستحقون ما يتمتعون به من ثروات.
يرى البعض أن ترامب تاجر حقاً ومفاجئ ونرجسي ويتجاوز المؤسسة الرسمية، ويحاول أن يقدم مضموناً جديداً للإدارة والمجتمع ولدور الولايات المتحدة الجديد، وهو يعمل من أجل إمبريالية جديدة عنيفة وعدوانية أكثر تدقيقاً وأنانية وانعزالاً، تعيد تشكيل ذاتها لتقليل الخسائر إلى حد كبير، إمبريالية تسعى إلى استعادة القوة والنفوذ من خلال عمليات الاحتواء والمصالح المشتركة والصفقات المربحة.
إنه يسعى إلى أن تكون إمبريالية مبادرة وسريعة وحاسمة، ولكنها عدوانية إلى أبعد حدود العدوانية، إمبريالية الشركات والبنوك والتكنولوجيا الفائقة، التي لا تعترف كثيراً بالخصوصيات والأحلام القومية والثقافية، ولهذا فهي إمبريالية تتحالف فيها نخب المال مع نخب السياسة التي ترى في العالم مجرد ملعب جولف تتحرك فيه كما تريد لا تردعها حدود أو جماعات أو قانون.
ترامب بهذا المعنى يحيط نفسه بشخصيات تعكس ذلك كله وأكثر، شخصيات تدعي التطهرية الدينية والحماسة الإلهية وأنهم رسل السماء، تقع على أكتافهم تحقيق النبوءات وتجسيد كل البشارات، شخصيات لا تمتلك من الخبرة إلا أنهم يعشقون إسرائيل وأن إسرائيل تعشقهم، وأنهم متطرفون في حبها ومستعدون لفعل كل شيء من أجلها، وأنهم أعداء للشعب الفلسطيني ولحقوقه وتاريخه ووجوده ونضاله، وهم بذلك ضد القانون الدولي وضد كل ما صدر عن الهيئات الدولية، فيما يتعلق بهذا الصراع، وهم ضد كل المبادرات والاقتراحات حتى تلك التي أطلقها رؤساء أمريكيون سابقون، وهم ضد المزاج الشعبي العالمي، وضد الواقع وضد التاريخ.
هذا التطرف الذي يأتي به ترامب من خلال إدارته الجديدة الثانية خطر جداً، ليس علينا فقط، وإنما حتى على الإسرائيليين وكيانهم كما قال أحد كتابهم.
التطرف الذي يتجلى في هذه التعيينات وفي هذه الإدارة يوضح لنا أن ترامب يعود إلى البيت الأبيض مرة ثانية وهو أكثر وضوحاً في رؤيته المعادية للشعب الفلسطيني، وأكثر انحيازاً للرؤية المشيحانية الصهيونية، ولهذا احتفل المستوطنون وبعض السياسيين الإسرائيليين بانتصار ترامب، وأخذوا يتحدثون علناً عن ضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية.
إن التعيينات الجديدة في الإدارة الامريكية الجمهورية القادمة تعكس أن ترامب يأتي لإعطاء إسرائيل كل ما حلمت به على ما يبدو، فلماذا نتوقع أن رجلاً في السبعينيات مثله سيتغير؟! ولماذا نتوقع أن يتغير وهو يأتي من خلفيه أنجليكانية متطرفة، وهو يعبر عن جماعات التطرف الديني والإثني والطبقي، ولماذا نتوقع أن يتغير وهو ممول من لوبيات صهيونية يهودية بالغة التأثير؟! ولماذا نتوقع أن يتغير دون أن يكون هناك من يضغط عليه من عرب ومسلمين؟!
لا داعي للأوهام حول هذا الرئيس، والأجدر والأفضل أن نستعد منذ الآن للتعامل مع ما قد تحمل هذه الإدارة من خطط قديمة وجديدة، ليس أخطرها ضم الضفة الغربية المحتلة، وإسقاط الحل عبر مشروع للتسوية وفي الوقت ذاته سيعمل على تغييب دور السلطة الوطنية الفلسطينية، وتفكيك الشعب الفلسطيني ديموغرافياً وسياسياً.
ترامب يأتي محاطاً بشخصيات لا ترانا ولا تعترف بنا، وإذا لم نستعد لأمثال هؤلاء، فإن الأسوأ قادم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
{ رئيس مركز الدراسات المستقبلية بجامعة القدس
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك