يبدو أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لم يتعظوا من التاريخ ولم يستخلصوا الدروس المستفادة من علاقاتهم مع روسيا ولذلك يرتكبون الأخطاء تلو الأخطار في محاولة يائسة وعمل مستميت لإلحاق الضرر بروسيا بكل الطرق والوسائل غير مدركين أن أحداث التاريخ أكدت مرارا وتكرارا أن روسيا عصية عليهم بعد فشل كل المحاولات الغربية وعلى مدار القرون الماضية لاحتلال روسيا أو إلحاق الأذى بها بدءا من الاحتلال السويدي الذي احتل مدينة سانت بيترسبورغ وتم دحر القوات السويدية وتحرير المدينة على يد القائد بطرس الأكبر في عام 1703 وإعادة بنائها إلى احتلال نابليون بونابرت لموسكو ودحره على يد المارشال الروسي غريجكوف في عام 1812 وصولا إلى الاحتلال العثماني والاحتلال الألماني بقيادة هتلر الذي وصل إلى مشارف موسكو لدرجة أن القيادة السوفيتية كانت تسمع دوي الطائرات الألمانية وهي تجوب سماء العاصمة السوفيتية موسكو فوق الساحة الحمراء رمز دولة السوفييت إلا أن الجيش الأحمر السوفيتي استطاع هو الآخر دحر القوات الهتلرية وتحرير دول أوروبا الشرقية ودخول الرايخ الألماني «البرلمان» وإعلان استسلام ألمانيا النازية دون قيد أو شرط فكان مصيرها مصير من سبقوها.
ومع ذلك لا يزال الغرب يحاول بكل الطرق مناكفة روسيا الاتحادية وجعل الجمهوريات السوفيتية السابقة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي خنجرا في خاصرة الدولة الروسية من خلال إغرائهم بالمساعدات المختلفة وتشجيعهم على الانضمام إلى حلف الناتو والتمتع بخيرات «جنة الرأسمالية» الموعودة هذه الجمهوريات التي كانت تشكل دولة عظمى تضم 15 جمهورية يحسب لها ألف حساب في العلاقات الدولية وكانت ندا قويا للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في عالم قائم على الثنائية القطبية قبل أن تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بشؤون العالم وتديره وفق مصالحها وأهدافها وأجندتها الخاصة على حساب الدول والشعوب مستغلة نجاحها في تفكيك الاتحاد السوفيتي.
ولم يكتف الغرب بتفكيك الاتحاد السوفيتي بل حاول تفكيك روسيا الاتحادية على غرار ما حدث للاتحاد السوفيتي مستغلين المرحلة الانتقالية الصعبة التي مرت بها روسيا الاتحادية بعد الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي من خلال تقديم المساعدات المختلفة للقوى الانفصالية لدعمها في حربها ضد الدول الروسية، إلا أن روسيا استطاعت أن تتجاوز هذه المرحلة الصعبة في تاريخها بأقل الخسائر وتمكنت من القضاء على الحركات الانفصالية وسحقها والمحافظة على كيان الدولة الروسية وسيادتها وتماسك شعبها.
وعندما وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السلطة في روسيا خلفا للرئيس بوريس يلتسين مع بداية الألفة الجديدة استطاع هذا الرجل وفي فترة قياسية إعادة بناء الدولة واستعادة مكانتها على الساحة الدولية كدولة عظمى لتكون ندا للغرب لوضع حد للعالم القائم على أحادية القطبية، ومع ذلك لم تتوقف المحاولات الغربية لمحاصرة روسيا ولكن هذه المرة من خلال العمل على توريطها في حرب مع شقيقتها الأزلية أوكرانيا بعد إعداد هذه الجمهورية السوفيتية السابقة وإمدادها بكل أنواع المساعدات المالية والعسكرية والحربية واللوجستية وفرض عقوبات جائرة وغير مسبوقة على روسيا ولم يشهدها عالمنا الحاضر تجاوزت 7000 عقوبة شملت مختلف نواحي الحياة حتى الرياضة والفن والإبداع والثقافة لم تسلم منها لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.
لكن مع اقتراب هذه الحرب من عامها الثالث بدأت بوادر الانتصار الروسي فيها تلوح في الأفق، ولذلك قرر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته السيد جو بايدن إنهاء ولايته بالسماح للقوات الأوكرانية بضرب العمق الروسي بصواريخ أتاكمز في تصعيد خطير وغير مبرر فكان الرد الروسي سريعا وقويا بضرب أكبر مصنع أوكراني في دنيبرو بصواريخ «شجرة البندق» الذي تفوق سرعتها سرعة الصوت ولا يستطيع أي رادار رصده حيث دُمر المصنع في ثوانٍ معدودة بعدها توعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب بالقول: «لا تعبثوا بنا» في رسالة واضحة وقوية للغرب ذكرني بخطاب الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف خلال خطابه أمام المؤتمر 25 للحزب الشيوعي السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي عندما قال مهددا الغرب ليست هذه اللغة التي يمكن التحدث بها مع الاتحاد السوفيتي.
على الغرب أخذ هذا التحذير الروسي مأخذ الجد لأن روسيا لن تسمح بأي حال من الأحوال العبث بأمنها الوطني وبسيادتها وهيبتها فإذا أراد الغرب تجنب نشوب حرب عالمية ثالثة التي يدق لها الطبول والتي سوف تأكل الأخضر واليابس لا سمح الله، فعلى الغرب التوقف عن استفزاز الدب الروسي والجلوس معه إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى حل يرضي روسيا في المقام الأول وقبل كل شيء لإنهاء هذه الحرب العبثية التي ورط الغرب فيها كلا من روسيا وأوكرانيا، وذلك من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك